الدرعية: صور وتواريخ في ذكرى تأسيس السعودية الأولى 2022



فاطمة الشريف

(مقال منشور في مجلة مجلة فرقد على الرابط: هنا)

في 27 يناير 2022م، الموافق 24 جمادى الآخرة 1443هـ، صدر أمرٌ ملكي يقضي باتخاذ 22 فبراير (شباط) من كل عام يومًا لذكرى تأسيس الدولة السعودية باسم “يوم التأسيس“…

يُعد القرار التاريخي دعوةً مهمة للمهتمين بتاريخنا، لا أقول لإعادة كتابته فهو مكتوب ومدون وموثق، بل لإعادة قراءته بتمعن شديد وتحليله لإظهار أدق ما انطوى عليه من تفاصيل، وبالتالي إضافة شيء جديد لفهم أوسع لتاريخنا وأشمل بدلًا من الانكفاء على اجترار ما سبقنا إليه الآخرون.

اللواء الركن متقاعد الدكتور بندر بن عبد الله بن تركي آل سعود

منصة تفكيرك


الدرعية: ماض جدّد التوحيد.

على ضفاف وادي حنيفة، وفي الدرعية تحديدًا، سجّل التاريخ أسماء مدن، وأبطال عظماء، ومعارك فاصلة، بمفارقات عجيبة قبل الإسلام وبعده، هناك تواريخ، وأحداث، ومواقف، وأقوال حفظها التاريخ انتشر من خلالها نور التوحيد، وشعّ خلالها ضياء التجديد للدين الأعظم، والمنهج الأسلم لأمة الإسلام.

وقبل مئات السنين على أطراف ذلك الوادي قرى وهجر ساد فيها التناحر والتفكك، وانتشر الجهل والأمية، وشاء الله أن تكون الدرعية في ذلك الوقت الحصن المتين والدرع القويم لكل سهم معادٍ للعلم والعقيدة الصحيحة على يد مؤسس الدولة السعودية الأولى الإمام محمد بن سعود –طيّب الله ثراه- وأول حكام الأسرة السعودية الأولى بعد تأسيسها، شخصية أضاءت سيرتها صفحات التاريخ، وكتبت بأفعال رجالها ملاحم العزة والكرامة، وسطرت أروع ملاحم الجهاد في سبيل كلمة التوحيد.

الدرعية بقعة ضوء في رقعة العالم الإسلامي، ورمز شرف وفخر للسعودية العظمى، في الدرعية ملاحم وبطولات، سقوط ونهوض، على أسوارها وحصونها ذكريات البسالة والسؤدد، وعلى جدرانها وأبوابها ألوان الأصالة وعبق التراث، دوّنت أروع قصص صراع الخير والشر، والفضيلة والرذيلة، من جهل إلى نور، ومن شرك إلى توحيد، هي كذلك الدرعية ملحمة الحق المنير، والمنهج القويم نحو السلفية القائمة على النصح والإرشاد، وتبادل الأدوار السياسية والشرعية لنصرة الإسلام والسنة ومنهج السلف.

يذكر المؤرخ العربي “ابن غنام” في كتابه (روضة الأفكار) أن الإمام محمد بن سعود قدّم خدمةً جليلة للإسلام حين آوى ونصر ابن عبد الوهاب، فلولا مناصرة ابن سعود -بعد الله- ما كتب لدعوة ابن عبد الوهاب التوفيق والذيوع، ولولا التقاؤهما -بعد الله- ما كانت الجزيرة العربية تمتلك دولة عزيزة رفيعة المكانة في الصف الأول من دول العالم العربي والإسلامي معًا.

يصف ابن غنام أن أهل نجد والأحساء: “غارقين في الرجس، منهمكين في الشرك، يتبعون ما زينت لهم الأهواء والشياطين، وتركوا كتاب الله وسنة رسوله، ولم يعبأوا بالدين الصحيح، وعقائدهم فاسدة، فعدلوا عن عبادة الله وحده، إلى عبادة الصالحين والأولياء، وجدوا في الاستغاثة بهم في النوازل والخطوب، وأقبلوا عليهم يطلبون قضاء الحاجات والمطالب حتى اعتقدوا في الأحجار والأشجار أنها تنفع أو تضر…”

ثم أخذ ابن غنام يعدد بعض الأمثلة على ما قال في انتشار البدع والضلالات، فذكر أن في بلدة الفدا بها نخل معروف بــ “الفحال” يأتيها الناس لارتكاب المنكر، ويصلون ويتبركون به، و بالدرعية هناك كهف على سفح جبل يسمى “بنت الأمير” يحجون إليه ويستغيثون به، وقبر رجل أعمى في الخرج كان له كرامات فلما مات عكفوا على قبره فعبدوه.

وفي كتاب (آل سعود) لمؤلفه أحمد على عن تحالف ابن سعود وابن عبد الوهاب: “وعن هذا التحالف بين الدين والسياسة، نشأت في الجزيرة دولة سياسية عظم أمرها واشتد خطرها، حتى أشفق منها الترك…“

الدرعية من أسمائها “العوجا” نخوة الدولة السعودية، يذكر الدكتور فهد بن عبد الله السماري مؤلف كتاب (أهل العوجا) أن إحدى دلالات هذه الكلمة لوصف المكان الذي أسست فيه الدولة السعودية “الدرعية التي تتسم من الناحية الجغرافية الطبيعية بالموقع غير المستقيم، والذي فرضه تكوين المنطقة على طرفي وادي حنيفة المتعرج، …”، وعندما نقول “أهل العوجا” أي أنهم أهل “الملة العوجا هي التوحيد، وسميت عوجاء لميلها عن الشرك كالحنيفية من الحنف وهو الميل، والحنيف هو المائل عن الشرك إلى التوحيد، ومنه وصف إبراهيم عليه السلام حنيفًا، أي: مائلًا عن الشرك إلى التوحيد، ومعنى حتى يقيم به أي: حتى يجعل الدين قائمًا به ومستقيمًا، ومنه قوله تعالى: “دينًا قيمًا ملة إبراهيم حنيفًا” وقوله: “ذلك الدين القيم”.

الدرعية: تـواريخ حاسمة في سجل الجهاد والنضال:

عام 850 هـ – 1446 م

تأسست الدرعية على ضفاف وادي حنيفة عام 850 هـ / 1446م، حينما قدم مانع بن ربيعة المريدي جد الأسرة الحاكمة إليها، وتحديدًا الجد الثالث عشر لخادم الحرمين الشريفين سلمان بن عبد العزيز حفظه الله، واضعًا اللبنة الأولى لتأسيس الدولة؛ لتصبح مركز استقرار لسيادة حريصة على التحضر والازدهار؛ ليتناوب على حكمها أبناؤه وأحفاده، فكان حفيده سعود (الأول) بن محمد بن مقرن بن مرخان ممكنًا آل مقرن للملك والتأسيس، وهو والد المؤسس للدولة السعودية الأولى الإمام محمد بن سعود.



عام 1139 هـ – 1727 م

تولّى الإمام محمد بن سعود إمارة الدرعية معلنًا تأسيس الدولة السعودية الأولى، لتبدأ مرحلة جديدة لدولة ذات جذب اقتصادي واجتماعي وفكري وثقافي زهاء أربعين عامًا مدة حكمه، ومن بعده أولاده وأحفاده.

عام 1157هـ – 1744م

تحالف الإمام محمد بن سعود مع الشيخ محمد بن عبد الوهاب عام 1744م لتأسيس دولة سلفية تقوم على الشريعة الإسلامية والسنة النبوية ومنهج السلف الصالح، فكان اتفاق الدرعية القائم على شرطين: استمرارية ولاء ومناصرة ابن عبد الوهاب لابن سعود وعدم التخلي عن ذلك بحثًا عن حظ آخر مع آخرين، وحق جباية الضرائب والفوائد من الرعايا وفق قوانين البلاد دون التنازل عن أي حق يراه.

بين عامي 1750 – 1753

تمكّن الإمام محمد بن سعود الذي خاض حروبًا مع إمارات الرياض ونجد والأحساء لنشر الدعوة السلفية من صناعة كيان قوي يمتلئ بالازدهار العلمي والاقتصادي، مؤسسًا أنظمة إدارية ومالية وفقًا لتعاليم الشريعة الإسلامية، محققًا معايير الدولة المنيعة ذات حضارة وسؤدد.

عام 1172 هـ – 1758 م

تم بناء سور الدرعية في عهد المؤسس، والمكون من سوريين متوازيين من الطين وبينهما حجارة لتدعيمه، وطوله سبعة أكيال بأبراج لتحصين الدرعية من هجمات القرى والمدن المحيطة.

عام 1179 هـ/1765م

توفي الإمام محمد بن سعود بنوبة قلبية في هذا العام بعد أن سطّر لنا إنجازات تاريخية عظيمة، ومشاهد حضارية في أعمال البناء والتشييد، حيث أمر -رحمه الله- ببناء قصر سلوى جاعلًا من عمارة وتشييد القصور رمزًا للتوسع والاستقرار والازدهار.

تمتعت الدولة السعودية الأولى بمكانة سياسية قوية لاعتمادها على المبادئ الإسلامية، واتسعت رقعتها الجغرافية نظير حرصها على نصرة الإسلام وخدمة المجتمع والرقي به فكريًا واجتماعيًا، وتولى حكمها بعد وفاة الإمام المؤسس أبناؤه وأحفاده على التوالي:

الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود (1133- 1766 / 1218 – 1803)، ثم ابنه سعود (الثاني) بن عبد العزيز (1218 – 1803 / 1229 -1814 )، ثم عبد الله (الأول) بن سعود بن عبد العزيز بن محمد بن سعود (1229 – 1814 / 1234 – 1818 ) الذين ساهموا في محاربة الجهل والأمية، الأمر الذي جعل الدولة العثمانية تخشى من اتساع نفوذه؛ فنشبت حرب أدت إلى سقوط الدرعية.

1234هـ – 1818م

اتسعت رقعة الدولة السعودية الأولى، وساهمت مساهمة كبيرة في محاربة الجهل والأمية، وشجعت على التعليم والحركة العلمية بشكل كبير، وازدهرت اجتماعيًا وسياسيًا مما أدى إلى حنق الدولة العثمانية التي لم تكن راضيةً عن هذه الإنجازات، لذلك سخّرت طاقاتها لإسقاط الدولة السعودية الأولى ظلمًا وعدوانًا، وبعد حروب متواصلة استمرت قرابة سبع سنوات سقطت الدرعية في هذا العام، وأسر أميرها عبد الله (الأول) بن سعود بن عبد العزيز بن الإمام محمد بن سعود وقتل في تركيا، وخُرّبت الدرعية ومعظم القرى النجدية على يد قائد الحملات العثمانية إبراهيم باشا.

1235 هـ – 1820 م

الدرعية قصة نهوض وسقوط ثم نهوض، حيث عاد الأمير مشاري بن سعود بن عبد العزيز بن الإمام محمد بن سعود لاسترداد إمارة الدرعية وملك آبائه في هذا العام في محاولة جادة منه لتأسيس الدولة السعودية من جديد، إلا أن المحاولة فشلت، واستمرت الدرعية تحت الهيمنة العثمانية حتى قامت الدولة السعودية الثانية على فترتين في 1236-1821.

1419هـ – 1998 م إلى 1443 هـ – 2022 م

منذ ذلك اليوم ومدة ثلاثة قرون والدرعية في رحلة صمود للحفاظ على مهد الدولة السعودية الأولى، وقصة شموخ لملتقى العلماء والتجار، خلّدت اسمها على مر تلك القرون، ونقشت بطولاتها على أسوارها وقلاعها وأبراجها، تحتوي على آثار ومعالم تراثية، وعليه صدرت الموافقة السامية في 17 جمادى الآخر 1419هـ على برنامج تطوير الدرعية التاريخية بمسؤولية من الهيئة الملكية لمدينة الرياض، وتحظى اليوم بكونها من أهم وأوائل معالم المملكة التراثية المعترف بها في منظمة اليونسكو عام 2010 لتحظى مرةً أخرى بتأسيس هيئة تطوير بوابة الدرعية المعلن عنه في شهر يوليو عام1438 هــ – 2017م بهدف “تطوير وترميم الدرعية والمحافظة على مواقعها التاريخية وتعزيز مجتمعها لتصبح واحدة من أهم المواقع العالمية، ومركزًا للثقافة والفنون والتراث والسياحة في السعودية.” كما وقعت الهيئة حديثًا في فبراير 2022 م مع المعهد الملكي للفنون التقليدية مذكرة تفاهم “لتنفيذ عدد من المشاريع والمبادرات المشتركة في مجال التدريب والتعليم في الفنون التقليدية، والتراث العمراني وحماية المواقع التراثية، وحصر وتوثيق التراث المادي وغير المادي وإجراء الدراسات وتبادل الخبرات، بالإضافة إلى تفعيل دور المجتمع المحلي من خلال حفظ تراث الدرعية وتقديم البرامج والخدمات لمجتمع الحرفيين السعوديين إلى جانب التعاون لإنشاء مكتبة للفنون والحرف التقليدية الخاصة بالدرعية ومنطقة نجد.”

الدرعية: صور في ذكرى تأسيس السعودية الأولى 2022





الدرعية قديمًا موقع دارة الملك عبد العزيز








مسجد الإمام محمد بن سعود بالدرعية (موقع المستودع الدعوي الرقمي)




إطلالة الدرعية ذات القصور والأبراج (الصورة من موقع السياحة السعودية)




الحفل الملكي لتدشين بوابة الدرعية

المصادر
– كتاب الإمام محمد بن سعود وجهوده في تأسيس الدولة السعودية الأولى – عبد الرحمن بن علي عريني.
– كتاب الدرعية قاعدة الدولة السعودية الأولى – محمد الفهد العيسى.
– تقرير/ الدرعية نواة الدولة السعودية – موقع وكالة الأنباء السعودية (واس).
– المواقع الرسمية لكل من: دارة الملك عبدالعزيز – الهيئة الملكية لمدينة الرياض – هيئة تطوير بوابة الدرعية.



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

(12) مجالا لخطة 2024

قانون كونفوشيوس – قانون الغربنة في التدريب

مزاج البسطاء

كساء التوبة الضافي ... تأملات

تقنية السكينة السريعة للبروفيسور عبدالله العبدالقادر (Quick Coherence Technique )

قراءة فنية لجدارية كيث هارينغ