تعد العلاقات الإنسانية من أعقد الأنظمة البشرية تواجدا وتفاعلا، والسبب ببساطة أن الكثيرين لا يدركون طبيعة تلك العلاقات التي تقوم في الغالب على تصنيف المشاعر الإنسانية بدقة ... فيحدث الخلط في فهم المشاعر، ومن ثم تتأثر تلك العلاقات في معرفتها وتوزيعها في مصارفها الصحيحة الموفرة للجهد والطاقة... بعض تلك العلاقات الصداقة تعززها المشاعر الإيجابية، وبعضها الحب يفك شفرتها وتعقيداتها، وبعضها الزواج يهذبها، وبعضها الرأفة تنظمها، وبعضها الشغف يرويها...
وكهذا حتى تدرك كل شعور معنى وعملية ونظام إنساني، وتتطابق معه كل علاقة تناسبه فهما وإدراكا وتطبيقاً، ومما يسهل علينا فهم تلك العلاقات ونعززها ونحافظ عليها هو معرفة الله حق المعرفة، ولعل من أهم الرصول إلى ذلك قراءة القرآن... لن أشرد بفكركم كثيرا... فقد تذكروا أن من نجاح علاقتنا مع البشر هو علاقتنا مع خالقنا وأنفسنا
لقد دأبت وعبر مدونتي المتواضعة مع كل عام ميلادي جديد أطلق استراتيجية تعلمتها في التخطيط للعام الجديد، إيمانا مني أن ذلك يساعدنا على تحقيق رؤيتنا الشخصية، وتطوير رسالتنا الإنسانية؛ وصولا إلى زمرة من أهداف العام الحالي بإذن الله نعمل عليها.
في ثلاث منشورات سابقة عن التخطيط الشخصي
دونت تجربتي التي اعتقد أنها ناجحة في استثمار بداية العام الجديد (الهجري أو الميلادي أو يوم شعرت فيه أنك في ميلاد فكري أو عاطفي جديد، كل يوم هو فرصة لتخطيط والمضي قدما نحو حياة طيبة) لتحقيق أهدافه؛ فتارة كان الاهتمام على مهارة التخطيط الشخصي والموازنة بين مفهومي المعنى والمتعة، وتارة مراجعة أهداف خطة العام الماضي وتحققها مالم نحققه، وتارة التركيز على عجلة الحياة، وأخري على حلقة المشاعر والتنوع فيها...
لذا يسعدني قراءة تلك المنشورات بالنقر كي تلاحظوا الفرق بين تلك التجارب الثلاث:
الجديد في هذا العام هو نظام العلاقات وما يناسبها من جهد في الفكر والعاطفة والجهد المبذول(الطاقة).
الإنسان على هذه البسيطة في أربع علاقات رئيسة:
علاقته مع النفس ذاته
علاقته مع واجده وخالقه
علاقته مع الكون ومخلوقاته
علاقته مع أقرب الناس في بيئته المحيطة
ولكل من هذا العلاقات نظامها وشفراتها ورموزها ووسائل البناء والترميم والإصلاح لها...
من خلال طرح مثال واحد نستطيع جميعا أن نفهم مستويات العلاقات الآخرى وأنظمتها ورموزها...
وسأطرح في هذا المقال من تجربة سابقة نموذج علاقة الإنسان مع الأقدار الغيبية؛ محاولة فهم تلك العلاقة، ومقترحة الجهد لها حتى نسير قدوما نحو الرفاه والعافية والتناغم الكوني وقبل كل ذلك الرضا بأقدار الله تعالى ...
في لحظات تمر بنا نشعر أن كل شيء حولنا توقف... كأننا في عالم صامت وجامد من كل ما يحركه، ويبث الحياة فيه...
في تلك اللحظة فقط ندرك حقيقة أن المتصرف والولي الحميد سبحانه أذن أن يعّطل أحيانا جميع منكونات وعظائم هذا الكون اختبارا تمحيصا تزكية تغييراً حتما للأفضل لأنه بيقين الخير كله منه سبحانه، والشر ليس إليه سبحانه وتعالى، بل كل ذلك من النفس والهوى والشيطان؛ لتدرك أنك وحيدا في هذا الوجود بالرغم من مئات الناس حولك، خاليا فارغاً إلا من ذكر الله... وإذا بالذكر الذي اعتدت عليه لم يعد مفعوله يعمل معك، تعطّل كامل، وجوم وصمت مميت، كل شيء لم يعد شيء...
هل شعرت بذلك؟
هل مرت عليك تلك اللحظة...؟
هل سكن كل من حولك...؟
وابتعد عنك كل شيء كنت تظنه يوما هو لك، أو سندك معك؟
نعم اتفق معكم إنه شعور غريب وقاسي في نفس الوقت...
وأخبركم بسر أنه سيمر عليكم يوما كهذا؟
لا تقلقوا ولا تفزعوا...
سيمضي ذلك اليوم، وتطويه صفحات الزمن والنسيان.
كما يقال "كل مر سيمر."
إنها سنة كونية، ودرجة من درجات الابتلاء البشري.
ستنهار وتتحطم وتتكسر ... لكن ستنهض وتفيق...كطائر الفنيق ...
والجميل في هذا الوضع أنكم تجدون أن الصبر مصير، وأن الرضا سبيله وعر وصعب، ،مع ذلك ستصلون إلى تلك الدرجة إذا طافت أنفسكم بين منازل الصبر ثم الرضا ثم الشكر ثم الحمد...فقد تمسّكوا ولا تلتفتوا لأحد...اعتزلوا بأناقة ففي العزلة حفظ اللسان...وفي الخلوة تزكية الفؤاد، وصادقوا أصحاب بيئة لا تعرفوها ولا تعرفكم فذلك سدا للجدال وبث الهموم...ومنعا للتشكي والتبكي...
واقتربوا من أنفسكم برأفة ورفق ... وتعلموا فن إدارة المصيبة، ويقال لها بلغة التثاقف الأزمة...
وتذكروا أن تلك الأزمة هي إحدى قراراتكم التي جلبتموها لأنفسكم دون وعي ...دون فكر.... دون مشاعر... دون انتباه ...
لا عليكم ...
علمياً مدة الحزن والألم عند الإنسان قرابة 130 يوما، ويقال 200 يوم، وأطمئنكم أنها لا تزيد عن هذه الأرقام، بل تنقص حتى الرقم 100..وقد تكون لحظة عابرة. إذا أنتم أدركتم وأيقنتم بقوله تعالى " فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا "، فهو خبر يؤكده خبر،
وإذا أنتم قرأتم جيدا أقوال السلف في هذه الآية الكريمة:
كان أنس بن مالك يقول : كان النبي صلى الله عليه وسلم جالسا وحياله جحر ، فقال : " لو جاء العسر فدخل هذا الجحر لجاء اليسر حتى يدخل عليه فيخرجه " ، فأنزل الله عز وجل : ( فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا ) .
عن الحسن قال : خرج النبي صلى الله عليه وسلم يوما مسرورا فرحا وهو يضحك ، وهو يقول : " لن يغلب عسر يسرين ، لن يغلب عسر يسرين ، فإن مع العسر يسرا ، إن مع العسر يسرا " .
عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" نزل المعونة من السماء على قدر المؤونة، ونزل الصبر على قدر المصيبة".
وفي شعر المواعظ:
ولرب نازلة يضيق بها الفتى ذرعا وعند الله منها المخرج
كملت فلما استحكمت حلقاتها فرجت وكان يظنها لا تفرج
وإذا أنتم أتقنتم أثنى عشر خطوة، وقد ذكرها الدكتور عائض القرني قي كتابه العالمي "لا تحزن" ودرّب عليها الدكتور محمد العامري في برنامجها الخليجي "فن إدارة الأزمات"
الخطوات هي ببساطة:
١- الإيمان بالله وبما جاء من الآيات في الإبتلاء والمصائب.
٢- الإيمان بالقضاء خيره وشره.
٣- الصلاة بل الفزع إليها.
٤- الصبر بمراتبه وخصاله وفضائله.
٥- الاستشارة والاستعانة بالقوي الأمين.
٦- اجعل الليمون عصيرا حلوا.
٧- ابحث عن السبب.
٨- افهم الخسائر والأرباح في هذه الأزمة.
٩- المرونة.
١٠- التخطيط.
١١- البدائل.
١٢- ترتيب الأولويات.
ويمكن وضع خطوة رقم ١٣ من قبلكم. واسمحوا أن أشارك بهذه الخطوة عن تجربة ناجحة:
مما تعلمته في علوم الذات ودراسات العقل والتفكير أن الانقتاح الذهني على نشاط مستحدث أو فعل جديد خطوة رائدة في إعمال الفكر وصرفه عن الانشغال بتلك الأزمة. نعم ومما قرأته في أدب الأقليات العرقية وثوراتها مع البيض في أوربا وإمريكا، ما كان معه من إنتاجهم الإنساني، وبأدواتهم الذاتية التي تقوّت بفعل ما وقع عليهم من ظلم وعدوان وجبروت من قوة المقاومة (Resistance)، والصمود والثبات (Resilience) ما فجّر الطاقات الإبداعية لديهم، بل وحقق لهم المساواة التي لطالما ناضلو لها قرون...وإن كنت أرى أن الصمود هو الأداة الأقوى، والأكثر أثرا بين الأجيال, ففيها الاستسلام لأقدار الله، والتسلح بالإيمان وإحداث الفعل الحقيقي الذي من شأنه يغيّر الأقدار المؤلمة والأحداث الصعبة.
“Turn your wounds into wisdom.”
Oprah Winfrey
“Resilience is the ability to attack while running away.”
Wes Fessler
“Resilience is very different than being numb. Resilience means you experience, you feel, you fail, you hurt. You fall. But, you keep going.”
Yasmin Mogahed
“When we learn how to become resilient, we learn how to embrace the beautifully broad spectrum of the human experience.”
Jaeda Dewalt
“A good half of the art of living is resilience.”
Alain de Botton
“Persistence and resilience only come from having been given the chance to work through difficult problems.”
Gever Tulley
في هذه الأقوال ما يغني عن شرح خصلة الصمود وما ينضوي من خصال معها كالمرونة والمثابرة والتحمّل التي تنبع من الإيمان، وتمنحك الثبات في المضي قدوما للكفاح في هذه الحياة؛ إنه اليقين
كلما تقدم بنا العمر، كلما هدأت دواخلنا الإنسانية، للأسف البعض تزداد لديه حساساته على العالم الخارجي، هنا أبوح لكم بسر لا تشغلوا أنفسكم بهم فإنهم لا زالوا في تجربتهم الأرضية، ولن يستمعوا لكم أبداً بل لذواتهم فقط، إنها فرصتهم الوحيدة أن يتعلموا فلا تتألموا...
بل عليكم الصمود أمام آلمامهم حتى لا يتقدم بكم العمر فتشيخوا...
لو كنت مستحضرة هذا الدرس كاملا، قالت: الزهرة لجارتها بعد أن جف غصنها وانكسر عرقها، لقلت: أني زهرة نيسان هيدرانجيا الثلاثنية ... ومع حلول الشتاء شكرا يا زهرة ناشو فربينيا على هذه الوقفة مع إدراة الأزمة صغيرة كانت أم كبيرة ...
عام بحلة الرفاه والعافية ...
عام حافلا بإذن الله بالإنجازات المشرقة والعلاقات السليمة والفرح والبهجة.
بقلمي ليلة الأول من ديسمبر 2024
تعليقات
إرسال تعليق