الثلاثاء، 12 أغسطس 2025

بين العلم والإيمان في أروقة واشنطن


 


النور يُهدى إليك في آية... في حديث نبوي...عبارة من قول عالم مسلم رباني...

يتوالد معه إيمانا ويقينا يجعلك تقبل كل شيء مع قولك سبحان الله...

والعلم يحلق بك تحت ظلال الملاحظة، والتجربة، والدراسة، والبحث، والبراهين، والحجج، لتتذكر قوله تعالى

سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ۗ

أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53) 

أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَاءِ رَبِّهِمْ ۗ أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطٌ (54)


في أروقة متحف التاريخ الوطني ومكتبة جورج تاون بواشنطن، حيث تُعرض الأحافير وتتدارس النظريات.

كان صوت العالِم برنارد وود الذي سمعت محاضرته والتعريف بإنجازاته يتردد في ذهني، وصورته وهو

يجيب عن بعض أسئلتي قائلا أنه العلم،

"الأدلة الأحفورية تشير إلى تطور الإنسان من أسلاف مشتركة مع بعض المخلوقات، لكن البحث لا يزال مستمرًا…

لا شيء محسوم بعد." وفي مكان آخر، أمام قاعة ديفيد كوك بالمتحف، كانت فكرة أخرى تُطرح:

“الإنسان نتاج ملايين السنين من التغيرات البيولوجية، إنه مجرد مرحلة في تاريخ الحياة على الأرض.”


لم أكن أبحث عن إجابات مطلقة لدى زيارة قاعة كوك للأحافير – الزمن العميق في متحف التاريخ الطبيعي التابع لمؤسسة

سميثسونيان. كنت هناك بدافع الفضول، بين العظام المتحجرة والنماذج ثلاثية الأبعاد التي تحكي قصة ستة ملايين سنة من

التطور البشري. كل شيء كان يوحي بترتيب دقيق ومنهج علمي صارم—معروضات لا تكتفي بعرض الأحافير، بل توثق كيف

شكّلت البيئة والطفرات البيولوجية فئة من البشر في الماضي السحيق، من شرق إفريقيا إلى آسيا

ومن كينيا إلى الصين وإندونيسيا.

شعرت أنني أقف وسط حوار مدبلج بين الماضي والمستقبل، بين الأدلة المنحوتة في الصخر والشكوك التي لا تزال قائمة.

لكن ربما كانت زيارتي الأهم هي حضوري محاضرة للبروفيسور برنارد وود. لم يكن حديثه علميًا مجردًا كما توقعت.

نعم، تحدث عن أبحاثه التي بدأت في لندن عندما كان طالبًا، وعن رحلاته الاستكشافية إلى إفريقيا حيث الأحافير.

لكنه كان يدرك أيضًا أن البحث في تطور الإنسان لا يزال في منتصف الطريق، وأن هناك أسئلة لم تجد إجابات حاسمة بعد.

أثار انتباهي تأكيده على أن مصطلح "الإنسان الحديث" واسع جدًا، ويتطلب تفصيلًا علميًا دقيقا.

فحين نستخدم كلمة "Modern Human" (الإنسان الحديث)، فنحن لا نتحدث عن كل من ينتمي إلى الجنس البشري عبر

التاريخ، بل فقط عن الإنسان العاقل (Homo sapiens)، الذي تطور قبل 300 ألف سنة تقريبًا.

أما كلمة "Human"، فهي تمتد لتشمل كل الأنواع التي تنتمي إلى جنس Homo، مثل النياندرتال وإنسان دينيسوفا،

وحتى بعض الأجناس الأقدم التي لم تعد موجودة. التمييز بين المصطلحين ليس لغويًا فقط، بل هو محاولة لفهم التحولات الكبيرة ا

لتي جعلت البشر يختلفون حتى يومنا.

لكن أكثر ما أثار فضولي هو حديثه عن الحمض النووي وعلاقته بالشمبانزي. قالها بثقة:

“هناك علاقة بين حمضي النووي وحمض الشمبانزي النووي.” لم يكن يقصد بالطبع أن الإنسان ينحدر من الشمبانزي،

بل أن كلاهما يشتركان في سلف مشترك. حقيقة أن البشر والشمبانزي يتشاركون 98.8% من الحمض النووي ليست مجرد رقم،

بل مفتاح لفهم كيف انفصلت مسارات التطور، وكيف لعبت طفرات جينية صغيرة دورًا في صنع الاختلافات الكبرى

التي جعلت منا نوعًا قادرًا على تطوير اللغة والفن والتكنولوجيا.

كنت أستمع إليه وأتساءل: هل هذا الشك العلمي محض منهجية بحثية، أم أنه يحمل أبعادًا أعمق؟ بدا لي أن بروفسور وود

لا يتحدث كعالم جامد يكتفي بترتيب الأدلة، بل كرجل يدرك أن البحث العلمي وحده قد لا يكون كافيًا لفهم القصة الكاملة.

وددت أن أسأله عن خلفيته الدينية ليس بدافع الفضول الشخصي، بل لأنني شعرت أن هناك مساحة من التساؤل والتأملات

الذاتي لديه تتجاوز نطاق الأدلة المختبرية. كان يبدو مرهقا من البحث الذي لم يولد اليقين لديه... حقيقة شعرت بالحزن عليه...

هل يمكن أن يكون وعيه العلمي متشابكًا مع بقايا شك روحي؟ هل العلم وحده قادر على تقديم تفسير شامل لوجودنا؟ مالذي يمكن

أن يخفف لديه من إخفاقات البحث... عدت من هذه التجربة بأسئلة أكثر مما كنت أملك قبلها.

ربما لهذا قررت أن أكتفي بما رأيت وسمعت، وألا أضيع وقتي في مزيد من البحث النظري. 

اقتنيت كتابًا عن نظرية داروين الذي وقعت عيني عليه قدرا، يكمن دور مؤلفه فريدريك غريغوري في ما يتعلق بنظرية داروين في كونه مؤرخًا للعلم يضع الثورة الداروينية في سياقها الفكري والثقافي واللاهوتي الأوسع. فهو لا يروّج للنظرية كما يفعل عالم الأحياء، بل يدرس كيف نشأت من الفكر السابق لداروين، وكيف تفاعلت مع التقاليد الدينية والفلسفية في القرن التاسع عشر، وكيف تطورت لاحقًا إلى ما يُعرف بالتوليف التطوري الحديث. ومن خلال محاضراته وكتبه ونصوصه، يعرض أفكار داروين كإنجاز علمي محوري، مع تحليل نقدي للنقاشات والتحولات الاجتماعية التي أثارتها، ليقدّم رؤية متوازنة قائمة على الأساس التاريخي لا على الموقف الدعائي. لإدرك إن الإنجاز في نظرية داروين يتمثل في أنها قدّمت تفسيرًا علميًا للتنوع البيولوجي عبر آلية الانتقاء الطبيعي، موضحة كيف تتكيف الكائنات مع بيئاتها وتتغير عبر الزمن، مما جعلها أساس علم الأحياء الحديث. الكتاب نموذجا فريدا من الكتب هو عبارة عن نسخ لمحاضرات مسجلة، تعلمت منه أنني لا أبحث عن إجابة نهائية. فلا زال طريق البحث مستمر وشائك ...

فقط أردت أن أفهم كيف يمكن لهذه الرؤى المختلفة القائمة على العلم أن تتداخل وتتشابك.

وأدركت أنني لا أريد فقط أن أقرأ، بل أن أصوغ هذه التجربة في إطار إبداعي (لوحة - مقالة - كتاب)

يمكن أن يصل إلى الجيل الجديد، جيل يلزمه التدرب على فهم فلسفة العلوم وتأطيرها بإطار الحقائق الكبرى من القرآن والسنة.

كيف يمكن أن نقدّم لهم قصة تطور الإنسان بطريقة تتجاوز مجرد الحجج العلمية؟

كيف نربط بين العلم والفلسفة، بين الدليل والحدس، بين المنهج العلمي والتجربة الإنسانية العميقة؟

ربما سأجد الإجابة حين أنتهي من قراءة الكتاب. أو ربما، مثل العلماء، سأكتفي بإدراك أن البحث لا ينتهي أبدًا.

شعرتُ أن هناك شيئًا ناقصًا يلزمنا البحث في الشق الآخر من تراثنا الإسلامي، وفي تأملات ، وكأنني أسمع أصواتًا من الماضي،
أصوات ابن خلدون، الجاحظ، المسعودي، والرازي، تردُّ على هذه الادعاءات، فبدأ حوار في خيالي:

ابن خلدون: “يا هذا، التاريخ ليس مجرد بقايا أحافير! الإنسان لم يكن مجرد تطور عشوائي، بل خُلق بقدرة الله، وميّزه بالعقل والعلم.”

قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾ (الإسراء: 70).

الجاحظ: “درستُ الكائنات الحية، وتتبعتُ تغيراتها، لكنها تبقى ضمن أنواعها! لم أرَ طيرًا صار إنسانًا، ولا قردًا أصبح مفكرًا.”

قال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ﴾ (الروم: 20).

المسعودي: “الأحافير تكشف لنا الماضي، لكنها لا تفسر الروح! الإنسان ليس مجرد مادة، بل كائن مكرم بنفخة من روح الله.”

قال تعالى: ﴿إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن طِينٍ﴾ (ص: 71).

الرازي: “الطب يُظهر أن أجسادنا تتكون من عناصر الأرض، فكيف يُقال إن أصلنا من غيرها؟”

قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ﴾ (الأنعام: 2).

نظرتُ حولي، إلى القاعة التي تمتلئ بالهياكل العظمية والنظريات العلمية، ثم إلى الكتب التي تتحدث عن الإيمان والخلق، وأدركتُ أن العلم وحده لا يكفي إذا أغفلنا الحقائق الكبرى من كتاب العلم الأعظم القرآن الكريم الذي جعل الماء أصلا لجميع الأحياء، ألا يكون الماء السلف المشترك، وأن الأنواع البشرية ليست مجرد تطور، بل خلق إلهي متنوع، منها الانسان المكرم، الذي له روح، وعقل، ورسالة في هذه الحياة، ثم ينحدر تحته كل خلق متنوع.

هكذا كانت تجربتي مع نظرية دارون ودراسات ديفيد كوك المتحفية، ومحاضرة برنارد وود، وكتاب فريدريك غريغوري في ثلاث فترات زمنية متقطعة لكن أعطتني ملخص علمي اطرحه في لوحتي المشاركة في معرض القصة المصورة في أغسطس 2025.

اسميت اللوحة طعنة عالم،

محاكاة لصفعات العلماء الثلاث الذين صفعوا البشرية بنظريتهم، وهم:

العالم البولوني نيكولاس كوبرنيكوس، العالم النفسي سيغموند فرويد، وتشارلز داروين

رسمت صورها بالذكاء الاصطناعي، ونسجت القصة باستخدام برنامج مجاني على النت باسم

Comics Maker

لاختم تجربتي في أروقة واشنطن أن العلم البشري ينيره العلم الرباني من كتاب الله عزوجل، وأن العلم البشري دراسة وبحث وتجريب، وأن العلم الرباني حقيقة وليس نظرية أو فرضية، وأن ما أعجبني في سلوك العلماء أن السياق التاريخي للعلم مهم لفهم أي نظرية علمية، يلزم النظر إلى جذورها الفكرية والثقافية، لا إلى نتائجها فقط، وأن التمييز بين العرض والتحيز: يمكن تناول موضوع مثير للجدل بطريقة متوازنة، كما فعل غريغوري، دون الانحياز المطلق أو الرفض المطلق، وأن قيمة التفسير العلمي في نظرية داروين تبيّن كيف يمكن لآلية طبيعية بسيطة أن تفسر تنوع الحياة وتعقيدها، وأن الربط بين الأفكار العلمية تؤثر وتتأثر بالثقافة، والدين، والفلسفة، مما يجعل فهمها أعمق وأكثر شمولًا.


الفيديو يقدم جولة افتراضية في قاعة أصول الإنسان بمتحف التاريخ الطبيعي الوطني في سميثسونيان، والتي افتتحت عام 2010 لطرح أسئلة أساسية حول من نحن، وكيف أصبحنا بشراً، ومن هم أسلافنا، وكيف نعرف ذلك. يعرض المعرض رحلة تفاعلية تمتد عبر ستة ملايين سنة من الأدلة العلمية عن تطور الإنسان، وقصص البقاء والانقراض في شجرة عائلتنا، موضحاً كيف نشأت الصفات المميزة للإنسان الحديث في ظل تغيرات مناخية حادة. تبدأ القصة في إفريقيا حيث خطت أوائل أسلاف البشر أولى خطوات المشي على قدمين، ثم انتشروا في العالم وتكيفوا مع بيئات متنوعة، وقد عاشت نحو عشرين نوعاً من البشر الأوائل في أزمنة مختلفة وغالباً متزامنة، لكن جميعها انقرض باستثناء الإنسان العاقل (Homo sapiens). ويبين المعرض أن الصفات والسلوكيات التي تميزنا اليوم تطورت تدريجياً عبر ملايين السنين، مع عرض قرابة 300 قطعة من حفريات وقطع أثرية ونسخ طبق الأصل، مستنداً إلى أبحاث حديثة شارك فيها أكثر من 60 مؤسسة و100 باحث من أنحاء العالم.

بين العلم والإيمان في أروقة واشنطن

  النور يُهدى إليك في آية... في حديث نبوي...عبارة من قول عالم مسلم رباني... يتوالد معه إيمانا ويقينا يجعلك تقبل كل شيء مع قولك سبحان الله.....