الأربعاء، 29 سبتمبر 2021

إلى صديقة التشكيل الفرنسية: أفهمني ولا تقاطعني ...ne pas bloquer




 



يصمت الفنان أحيانا؛ في طرح ما يجول بخاطره من تساؤلات، أو آراء، أو تفسيرات في لوحة تشكيلية، أو منحوتة صخرية، أو منسوجة قماشية، كل ذلك عبارة عن أدوات تمثل لغة تواصل بصرية مع العوالم التي حوله...

التشكيل  بصوره المتنوعة بالنسبة للفنان ليس دائما نقلا أو محاكاة للواقع…

 إنه يحمل في ألوانه وتكويناته تساؤلات أحيانا عصيّ أن يجد لها حيزا من الفهم والتجاوب مع واقعه… 

تعد تلك الرسومات اللونية، والتكوينات المتنوعة، خطوة نحو تشافي روحه الشغوف التي تبحث عن الرد المنطقي أو العلمي، هي أحيانا جرعة علاجية لألمه...أو رشفة من أكسير الحياة تنعش أمله…أو متكأ يتفيأ تحت ظلالها المعرفة والحقيقة...  


ما دفعني لكتابة هذه المقالة سببين:

 السبب الأول هو إعجابي بمدن الشمال والغرب الفرنسي تحديدا؛ لاحتوائها لأشهر القلاع والقصور الضاربة في القدم خلال النهضة الأوروبية، وازدهار الحركة السياحية في تلك الأجزاء عبر مبدأ الترشيد في توزيع مناطق الجذب السياحي في تلك المدن عبر خصخصة، وتنقل الإرث الفرنسي بالتساوي بينها، والسماح للسائح بزيارة الشمال والغرب لاستكمال جولته السياحية نحو الجنوب والغرب بشكل عالق في الذاكرة الدائمة، ومتوازن جدا بين جميع أجزاء الجمهورية الفرنسية النابضة بالتنوع الحضاري والإرث الإنساني. 


 أنجيه (Angers) واحدة من تلك المدن التي تمثل نشاط وجذب سياحي حقيقي هادف. تقع المدينة على نهر مين          (Maine)، يكفيك منها زيارة معلمين هامين لتتعرف كيف استحقت تلك الحفاوة السياحية: قصر أنجيه ومتحف جان لورسات. 




قصر المدينة الضخم (Angers châteaus) بخندقه التاريخي، و أبراجه السبعة عشر، التي يمتد طولها من 130 إلى 190 قدمًا (40 إلى 58 مترًا)، وحدائقها ذات الطابع الهندسي البديع، والرموز الفنية الخاصة بملامح النهضة الأوربية عبر القرون الوسطى, وفي معرض الطابق السفلي من المبنى الداخلي حيث نُصبت منسوجة قماشية تسمى 


"النهاية المدمرة للعالم"  ( Apocalypse Tapestry) المكونة من معلقات نسيجية ساحرة بألوانها ذات الخيوط الحمراء والزرقاء والذهبية الزاهية، وما أن تقترب إلى فحص صورها ورموزها، تصدق أنك بالفعل أمام عمل ملحمي يمثّل مرحلة حياتية مرعبة في حياة بني البشر؛ لتكون بالفعل أكبر منسوجة في العالم صُنعت خلال العصور الوسطى، الأمر الذي يجعلك تتفاعل مع التسجيل الصوتي الخاص بشرح معروضات القاعة؛ لتفهم قصة تلك المنسوجة، التي جاءت بتكليف من الملك لويس الأول في عام 1373، أي في ذروة حرب المائة عام، وبعد فترة وجيزة من وباء الموت الأسود (الطاعون  الدبلي)، إلى الرسام الفلمنكي هينيكوين دي بروج (Hennequin de Bruges), برسم مجموعة من المنمنمات تحكي 90 مشهدًا مختلفًا جاءت في سفر الرؤيا من الكتاب المقدس (العهد القديم)، والتي تمثل المعركة النهائية بين الخير والشر ممثلا في صور تنين وحَمِل، مع رموز ذات دلالات ومعتقدات نصرانية جاءت في صور الأختام والأبواق والشمعدانات. تم نسج تلك التصاميم في 100 نسيج منفصل في ورشة كل من نيكولاس باتاي (Nicolas Bataille ) و روبرت بوانكون  (Robert Poincon) لمدة تسع سنوات. ترى الدكتورة ناتاشا أوهير(Natasha O'Hear) أن النسيج "في الأساس رمزًا للمكانة ، وعلامة على الثروة والسلطة"، وتضيف أوهير: "لجأ الناس إلى سفر الرؤيا في الأوقات الصعبة، حيث ينجذبون إلى رؤيته الحتمية للعالم ويقينه الأبيض والأسود". 

صور للقصر والمنسوجة القديمة:










رابط فيديو للقصر و المنسوجة 


الجميل أيضاً أن متحف جان لورسات (Musée Jean Lurçat)، الذي يضم منسوجة قماشية تسمى "أغنية العالم"                     (Le Chant du Monde)، التي ترد على المنسوجة السابقة بأسلوب حواري عقلاني راقي أكثر تفاؤل وبهجة بالعالم، يعكس رأي الفنان الرافض لمعتقدات المنسوجة السابقة، التي هي أساسا ضمن معتقدات عقدية واردة في سفر الرؤيا التي يحكيها القديس يوحنا، وتحتوي المنسوجة الجديدة على عشر قطع ضخمة، رسمها الفنان التشكيلي جان لورسات، ثم قام مهنين تحت إشرافه بتحويل تلك الرسومات في منسوجات قماشية عام 1957، واستغرق النسج حوالي 10 سنوات في ثلاث ورش مختلفة. تحكي لنا الموضوعات النسيجية أحداث العالم الجديد بدءا بالقنبلة الذرية في هيروشيما وناغازاكي لتأخذك في قصص نحو الفضاء الفسيح والفلك الرحيب في ألوان ورموز فلكية وإضاءات أكثر بهجة…


ما أود الإشارة إليه هنا إن الكنيسة في الماضي لعبت دورا ذكيا في تحفيز الفنانين على تصوير القصص الدينية ورموزها بما يناسب تطلعاتها وأهدافها، وهذا ما لمسناه في تحويل سفر الرؤيا إلى منمنمات فنية رمزية في منسوجة قماشية؛ لتسكين الخواطر المفجوعة من ضحايا الحروب ووباء الطاعون. يبدو ذلك الدور جليا في اهتمام الكنيسة ودقتها لتلك الرسومات، فقد رفضت لوحة الفنان الإيطالي كارافاجيو للوحة الملك لحظات تدوين القس متّى للكتاب المقدس... وإجباره على إعادتها... الناظر للوحتين يشعر بصدق الفنان في لوحته الأولى، وكأنه يؤكد على رفضه لذلك الإنجيل المحرف الذي لا يتفق مع نفسه، ولا يحل عقدة الصراع لديه... لذا جاءت اللوحة الأولى تجسيد للواقع الكنسي... بينما عكست اللوحة الثانية المأمول الكنسي... لقد قامت الكنيسة بدور رائد في تعزيز وتمجيد النصرانية في نفوس ابنائها على مر العصور عبر كبار فنانو النهضة ومن قبلهم ومن بعدهم وحفظت أهم موروثاتها عبر تنافسية فنية لذلك الإرث الديني... 


لوحات مايكل انجلو كارافاجيو للقس متّى(Michelangelo Merisi da Caravaggio




ما قام به جان لورسات في منسوجة أغنية العالم تعكس حنكة وحكمة الفنان في ردة الفعل لما هو عكس إتجاه التيار السائد. وهذا يعكس ما جاء في وصف الأوروبيين في حديث المستورد بن شداد (رضى الله عنه) فى مجلس كان فيه عمرو بن العاص (رضى الله عنه): أنه سمع النبي (صلى الله عليه وسلم) يقول: «تقوم الساعة والروم أكثر الناس».. فقال له عمرو بن العاص: أبصر ما تقول، أى: تأكد هل سمعت هذا من الرسول، قال: أقول ما سمعت من الرسول. قال: لئن قلت ذلك إن فيهم لخصالا أربعا: إنهم لأحلم الناس عند فتنة وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة وأوشكهم كرة بعد فرة وأرحمهم لمسكين ويتيم وضعيف وخامسة حسنة جميلة: وأمنعهم من ظلم الملوك». 





 أما السبب الثاني هو توتر العلاقة بيني وبين صديقة تشكيلية فرنسية من أصول عربية تعيش في مدينة Angers عند المناقشة عن الأزمة الإسلامية الفرنسية بخصوص الصور التي نراها مسيئة للنبي عليه أفضل الصلاة والسلام، ولا يراها الآخر كذلك، ذلك الآخر الذي مثّل الذات الإلهية تعالى الله علوا كبيرا، و رسم جميع الأنبياء بما فيهم عيسى عليه السلام، وآمن بقصة صلب المسيح عليه السلام المخالفة لعقيدتنا. توطدت علاقتي بها عندما علمت أنها من المهاجرين العرب في هذه المدينة تحديدا، حيث عزمت الكتابة عن لوحاتها الزاخرة بالألوان الزاهية، والمشبعة بالتكوينات التأثيرية المجردة، والنابضة بالضوء والظل مما يعكس عمق الأثر التشكيلي الفرنسي على فنها بشكل عام. الشاهد من القصة أننا للأسف لم نستكمل حوارنا العربي الحار بسبب بسيط أنها أنهت العلاقة بإعطائي أول Block في حياتي. 


الذي أود قوله عبر ذكرياتي مع مدينة أنجيه الجميلة الحالمة وصديقتي العربية - الفرنسية الغاضبة التي قطعتني دون أن تفهمني: 


أن الفن في الألفية الثالثة لابد أن:

  •  يحقق مهارات القرن الحادي عشر من حيث التجديد، وإثارة التفكير الناقد، و وسيلة لحل المشكلات، ومحقق للتواصل الإيجابي والتشارك الابتكاري. مع التأكيد على مبدأ أن الفن وسيط ثقافي وتاريخي يحقق مشاركة مجتمعية لتوضيح مفاهيم، وتصحيح معتقدات، وترسيخ أفكار إيجابية. 

  • يتحرر مما علق به من ضلالات وأفكار خاطئة تسئ لأي معتقد أو شريعة، ولا يكون ذلك إلا بالفهم والبحث العلمي والتقييم المنطقي لكل مريد يطمح للحقيقة. 

  • الفن فرصة معرفية نتفهم من خلاله معتقدات وأفكار ورؤى الآخرين، و دورنا التوضيح والدعوة بالحكمة والإرشاد الصحيح.

  • نسعى جميعا لجعل الفن وسيلة راقية للتواصل الإنساني في التجربة الأرضية، والإثراء المعرفي للمجتمعات والشعوب الأخرى.

  • الفن لغة بصرية تختلف من شعب لآخر، ومن ثقافة لأخرى، وإن لكل شعب وثقافة الحرية في رسم ما يخصها، مع احترام مبادئ ما ينتمي إليه من عقيدة أو شريعة، وألا تعتدي ثقافة على غيرها من الثقافات بأي صورة من صور الإرهاب أو التطرف أو التنمر…

  • الفن رسالة سلام وجمال، فلا يحق للفنان الواعي الراقي أن يستخدمة للإساءة إلى أي فرد أو جماعة، إنه سلاح حصين ذو حدين فلنحسن استخدامهما… 

كما أود تذكير صديقتي المغتربة، يامن تزعمين أن لا وطن لك، أن تتذكري أن الأرض لله يورثها عباده الصالحين، أولئك العباد الذين يسعون لصلاح الأرض، وعمارتها بالجمال والعدل والعلم، فالوطن الذي وهبك الجنسية حريّ أن يُعتبر وطنك؛ لنشر النور والهداية دون إجحاف أو إسفاف أو إخلال، خليق بنا جميعا نشر معاني السلام والجمال والحكمة، فالمطلوب منا التعايش مع الجميع بقلب صادق مع ربنا أولا ثم أنفسنا، ومن ثم معرفة الأدوار والمهام التي علينا القيام بها بما يتناسب مع مبادئنا السمحة وأعراف أرض المضيّاف...فقد سئمنا فكرة هم ونحن…وكرهنا مبدأ أقطع وقاطع وتقطّع، وأذكرك ونفسي بقول الله تعالى: 

"وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ ۚ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ"  الشورى

"ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ" النحل




الصور من:

مواقع قصر أنجيه الإلكترونية: (Angers châteaus)

مدونة الفنانة التشكيلية  الإمريكية ربكا ميزوف (Rebecca Mezoff)

كتاب (The Story of Art) قصة فن للكاتب إرنست غومبرتش، الطبعة السادسة عشر.


الثلاثاء، 21 سبتمبر 2021

قراءتي لهوية اليوم الوطني ٨٩ - ٩٠ -٩١

 

“هي لنا دار” هوية اليوم الوطني الـ 91

 

فاطمة الشريف

أطلقت هيئة الترفيه للمملكة العربية السعودية هُوية اليوم الوطني الـ 91 تحقيقاً إلى أهمية توجيه المشاعر وتوحيد الجهود حيال مناسبة وطنية غالية في نفوس أبناء الشعب السعودي، فجاءت عناصر الشعار المرتكزة على ثلاثة عناصر هي: الخارطة والألوان والعبارة.

تمازجت تلك العناصر في رسم الشعار لتظهر لنا خريطة المملكة العربية السعودية تعبيراً عن احتضانها وتسخير إمكاناتها للجميع، تكسوها ألوان متناغمة تتوافق مع البعد النفسي لأهمية الألوان في حياتنا وأثرها في تعزيز المشاعر الإيجابية؛ فجاء اللون الأخضر بدرجاته الثلاثة يعكس مظاهر النمو، والأمان، والطموح لقيادة وشعب المملكة، أما اللون الأزرق بدرجتيه يعكس حكمة القيادة وولاء الشعب السعودي لها، في حين أن اللون الأحمر جاء معّبراً عن العزيمة والإصرار نحو تحقيق أهداف رؤية 2030، فيما يعكس اللون البرتقالي النجاح، واللون الأصفر التفاؤل.

ظهرت عبارة “هي لنا دار” بخط الثلث العربي باللون الأبيض في وسط الشعار متوافقة مع أبرز فعاليات عام 2021 الثقافية ألا وهي الاحتفاء بعام الخط العربي، الرموز البصرية لدستورنا القرآن الكريم، ولغة الخطاب العام هي اللغة العربية، وثقافة اجتماعية تعزز أن الوطن هو الدار والمسكن والأمان لاسيما في ظل الظروف الحالية التي تسود العالم مع جائحة كورونا كوفيد 19، وثقافة شعبية تذكّرنا بالقصائد والأغاني الشعبية التي تصف الوطن بالدار التي تحقق السلام وجودة الحياة، جاءت العبارة مصفوفة كلماتها من الأسفل إلى الأعلى مؤكدةً أن “هي” السعودية “لنا” في الوسط أفضل وأغلى “دار”… 

تضمن الشعار دليلاً إرشادياً يهدف نحو التكامل والتوافق في جميع استخدامات الهوية من حيث الرسوم، والخطوط، والخلفيات والألوان،  ومن أبرز ما تضمنه الدليل صوراً لأبرز مشاريع رؤية 2030، “مع إضافة عنصر الإنسان الذي له الدور الفعال في تحقيق الحلم وتحديد الملامح لمستقبل واعد لا حدود لإمكاناته”، ومن أبرز تلك المشاريع:

مشاريع البحر الأحمر، مدينة نيوم، ذا لاين، مبادرة السعودية الخضراء، مترو الرياض، البرنامج الوطني للطاقة المتجددة، مشروع القدية، القمر الصناعي شاهين سات، برنامج تطوير الدرعية التاريخية.


المجتمع التشكيلي يمتن للهوية الإعلامية لليوم الوطني السعودي ٩٠


فاطمة الشريف


يتجدد بنا كل عام ذكرى التوحيد والتمكين في يوم 23 سبتمبر معلناً الإحتفاء الرسمي لليوم الوطني للملكة العربية السعودية. هو يوم من أيام السعد والجود، يوم زاخر بمظاهر المواطنة والتوطين، يوم نابض بالنماء والعطاء، يوم تتجدد فيه الهمم والنوايا، وتعزز به مشاعر الحب والولاء للمليك والوطن. يوم يأبي فيه اللون والتشكيل إلا أن يشغل حيزا في هذا الاحتفاء باللفظ والصورة والتعبير. 


أطلقت الهيئة العامة للترفيه الهوية الإعلامية الموحدة (اللفظية والبصرية) لليوم الوطني التسعين للمملكة في دليل إرشادي، مؤكدا مواصلة شعار وعبارة "همة حتى القمة". ليس شعار فحسب بل قصة تتوارثها الأجيال، وحدث تاريخيا مدونا في سجل الأمة العربية والإسلامية، وعزف مدويا على أسماع العالم أجمع. عودة بالذاكرة إلى مصدر الإلهام الحقيقي للشعار؛ حيث الإنطلاقة الفعلية الخلاّقة عبر مشاركة جادة من ولي العهد السعودي في جلسة مؤتمر "مبادرة مستقبل الاستثمار 2018" في الرياض، وتصريح سموه الكريم عن اعتقاده العميق:

أن "أوروبا الجديدة هي الشرق الأوسط."

 وأن "المملكة العربية السعودية وفي الــ5 سنوات القادمة ستكون مختلفة تماما، والبحرين ستكون مختلفة تماما والكويت، وحتى قطر، رغم خلافنا معها، لديها اقتصاد قوي وستكون مختلفة تماما بعد 5 سنوات، وكذلك الإمارات وعمان ولبنان والأردن والعراق ومصر."

 وأن "هذه حرب السعوديين وهذه حربي، بالنسبة إلي شخصيا ولا أريد أن أفارق الحياة قبل أن أرى الشرق الأوسط في مقدمة مصاف العالم." 

 وأن "السعوديين لديهم همة مثل جبل طويق وهمة السعوديين لن تنكسر إلا إذا تساوى بالأرض."

سلسلة من التوكيدات الطموح، والنوايا الصادقة باعثة الأمل، تشحذ الجهد للعمل، إنه التحليق نحو التحقيق. والتأمل نحو التجلي بحول من الله ثم بصدق العزيمة ونفاذ البصيرة.

في لحظة تأملية لهوية وشعار اليوم الوطني الـ 90 للمملكة العربية السعودية، والمدشن من قبل الهيئة العامة للترفيه، جاء الشعار أيقونة تشكيلية أدبية خالدة في ذاكرة المواطن السعودي على مر السنين؛ حيث حمل الشعار إيحاءات وومضات تعزز قيم ومبادئ وطنية راسخة في نفوس أبناء هذا الوطن المقدس. كما عكس الشعار ذائقة فنية تنشد التأصيل والتطوير، مؤكدا مدلولات تاريخية عميقة، وبعد فني متجدد، ورمزية أدبية أصيلة. تتجلى هذه الخصائص عند مقارنة  الشعار الحالي بشعار اليوم الوطني الـ 89 

يحتفظ الشعار الحالي بأغلب خصائصه الفنية والتاريخية لشعار العام الماضي، والتي تم بسطها في مقال سابق بعنوان الهوية الفنية والفلسفية لشعار اليوم الوطني ٨٩.  حيث تكمن الفوارق الجلية بين الشعارين في المستويات البصرية له:



١- على المستوى البصري الرابع للشعار نلاحظ تنوع الأيقونات الزخرفية، مع إضافة إيقونات زخرفية جديدة ذات أشكال دائرية ومربعة وأيقونات ترمز للسنابل باللون الأحمر والأصفر؛ لتعكس مرحلة الإزدهار والتنوع الثقافي التي تمر بها المملكة، والانفتاح على الآخر بقيّم وثوابت أصيلة راسخة.  


٢- على المستوى البصري الأول، وفي قمة الشعار كان التوظيف التشكيلي لظاهرة أنسنة الجبال في أدبيات الشعر والتراث العربي بطريقة فنية رقمية مميزة، مؤكدا لمضامين أدبية تعزز أن الدافع لأنسنة جبل طويق هو طموح وهمة ولاة الأمر في تحويل الصحراء إلى مروج وأنهار، والجبال إلى معالم ومآثر لا تنهار بإذن الله. إنه دعوة واعية إلى الأجيال والآخر لملاحظة ورصد وتوثيق ذلك التطور والنماء، إنه احتفاء وتكريم غير مسبوق للفنون البصرية نحتا وتصميما ورسما رقميا. علاقة جدلية لتحويل الفضاء الجبلي إلى فضاء إنساني لتعزيز رسالة جبل طويق في نجد الشموخ من كونه شاهد عيان على التقدم والإزدهار التي تعيشها السعودية في العقد الأخير من قرن زاهر في الحكم الرباني، والولاية الراشدة. بل المضي قدما لاجتياز قرون الألفية الثالثة بإذن الله ببدايات مشرقة، ومسارات مضيئة نحو حياة كريمة. نعم سيتحول جبل طويق الأصم المهيب إلى معالم وآثار نابضة بالحياة، والعلا مهد الممالك العربية، رسالة التجديد المحمدي للنبي العربي صالح عليه السلام، رسالة الجمال والقوة بإحلال السلام والإسلام الواعد فيها، وجزر فرسان بشواطئها ورمالها الذهبية، والكثير من المواقع والأماكن السعودية ستشهد أنسنة التجديد والأنس والسلام واقعاً بحول الله تعالى ثم بقيادتنا الرشيدة.


فارقان جوهريان أحدثا تصميما متفردا، يستحث خيالك لعقد مزهر قادم، وألفية سعيدة بإذن الله، ومحرك منعش يوقظ ذاكرة المجتمع التشكيلي على وجهة الخصوص في سبر ملامح الجمال الأثري والطبيعة العربية الخلابة، ويلهم الوجدان والبنان للإمتنان لهبات خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الكريم في دعم الثقافة والفنون البصرية الدائم. والتي منها على سبيل العد لا الحصر خلال 2020:


١- مبادرات وفعاليات وبرامج أكاديمية مسك الخيرية بقيادة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ولي العهد، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع، رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية. من أحدث تلك المبادرات إعادة افتتاح صالة الأمير فيصل بن فهد للفنون التشكيلية، "بعد ضمها ضمن منصاته، لتستعيد دورها الرئيس في تحفيز الساحة الفنية السعودية، ولتكون قاعة لعرض الأعمال الفنية، وتبادل الخبرات الإبداعية والمعرفية، وفتح المجال للمواهب الإبداعية في التعبير عن أفكارها بطرق مبتكرة، مطلقة العنان لريشة الفنانين؛ لتأصيل وتوثيق ثقافة المجتمع السعودي في أعمالهم الفنية."

٢- انطلاق مشاركات  «مسك الخيرية» الخارجية نحو الساحة الدولية، "للتعريف بالمملكة ونقل حضارتها وثقافتها للعالم من خلال الحضور الفني. كما حرصت على إحياء القيم الإسلامية وترسيخها في الأجيال القادمة، للمضي قدما بأصالة المجتمع السعودي وثقافته وتقاليده نحو تحقيق أهدافها. " 

٣- مشهد اللوحات التشكيلية (لوحة للفنانة التشكيلية السعودية لولوة الحمود -  لوحة للفنان السعودي زمان جاسم) في مكاتب سمو ولي العهد تكريما للأعمال الفنية بأيدي سعودية مميزة.

٤- تحويل دار القلم للخط العربي إلى مركز الأمير محمد بن سلمان العالمي للخط العربي، والذي يضم متحفا ومعرضا ومعهدا لاحتواء جميع الخطاطين على مستوى العالم.

٤- موافقة المقام السامي الكريم على مقترح صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز بشأن توجيه الجهات الحكومية لاقتناء الأعمال الفنية والمنتجات الحرفية الوطنية في مقراتها وفق دليل تنظيمي، وتوثيق تلك المقتنيات في السجل الوطني للأعمال الفني.

همسة الختام قائلة عندما يُحتفي بالوطن ومقدراته وثرواته البشرية والمادية تلك هي صناعة ذكرى الوطن الخالدة، إبتداءاً بتأصيل هويته الوطنية على جميع مستوياته الفردية والجماعية والثقافية والفنية، وتذكيراً بأن شعار اليوم الوطني التسعين يوما حافلا في سجل الأدب والتشكيل لا يُنسى، وشاهد عدل على منجزات وإبداعات أدبية وفنية موثقة في سجل الوطن الخالد لا يمكن أن يُمحى؛ لتكن تلك الذكرى شريك نجاح، ومورد مستدام محققا لمستهدفات رؤية 2030. 


نماذج و تصاميم متنوعة وفقا لشروط وضوابط شعار الهوية الإعلامية لليوم الوطني ٩٠




 



 




الهوية الفنية والفلسفية لشعار اليوم الوطني ٨٩                                  



يعد السابع عشر من جمادى الأولى عام 1351 هـ يوم التوحيد والاعلان؛ حيث أصدر الملك عبد العزيز آل سعود مؤسس المملكة العربية السعودية رحمه الله المرسوم الملكي رقم 2716، الذي يقضي بتحويل اسم الدولة من مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها إلى المملكة العربية السعودية، وابتداءً من يوم الخميس 21 جمادى الأولى 1351 هـ الموافق يوم 23 سبتمبر 1932م كان الاحتفاء الرسمي لليوم والوطني للدولة السعودية. 


تتسارع الأعوام، وتتوالى العقود، فتصبح هوية اليوم الوطني شعارا يتجدد كل عام، مواكبا لحركة النماء والازدهار، ومسلطا الضوء على الملامح الإيجابية العامة للمملكة، ومعززا لمشاعر الحب والولاء لولاة الأمر، وقيم الانتماء للوطن، ومقدما لمفاهيم متميزة لرؤية ٢٠٣٠.


 هوية وشعار اليوم الوطني الـ 98 للمملكة العربية السعودية، الذي دشنته الهيئة العامة للترفيه السعودية؛ جاء مستلهماً من مقولة صاحــب الســمو الملكــي الأميــر محمــد بــن سلمان «همة السعوديين مثل جبل طويق، ولن تنكسر إلا إذا انهد هذا الجبل وتساوى بالأرض». مع شعاراتنا السابقة: للمجد والعلياء، رؤية وطن، دام عزك يا وطن، وطني هويتي، نواصل شعار "همة حتى القمة" لتسليط الضوء على ترسيخ حب الوطن، والتمكين له بقيادة قوية، ومشاركة جادة من أبنائه للتقدم الحضاري والتنموي في جميع المجالات. هي ليست شعارات صورية ولفظية فقط، بل هي إيحاءات وومضات تعزز قيم ومبادئ وطنية خالدة في نفوس أبناء هذا الوطن المقدس. 



صورة خطوات ابتكار الشعار



يعكس شعار اليوم الوطني ٨٩ ذائقة فنية رائدة، شمل مدلولات تاريخية عميقة، وبعد فني متميز، ورمزية عالية.


البعد الفني للشعار:


حقق الشعار هدفه الفني والرمزي في التقاء مفرداته التشكيلية (الخط والمساحة والنقطة) لبناء شعار فني برمزية تتعايش فيها العلاقات البصرية بين تلك المفردات والهوية اللفظية للشعار بشكل فريد منسجم يرسخ في الذاكرة الوطنية.   


مثّل الشعار توازن بصري مريح للناظر باختيار الألوان (الأخضر والأسود والأبيض والأصفر). استخدام اللون الأبيض خلفية أبرز بوضوح معالم ورموز الشعار. كما أضاف اللون الأخضر في الأعلى رمزية وطنية متميزة، فكان جبلاً شامخاً، وعلماً خفاقاً مرفرفاً. إما توسط اللون الأسود في عبارة (همة حتى القمة) أضاف عمقاً معنويا محفورا في الشعار، محفوظا في ذاكرة المتلقي. كتبت العبارة الرئيسة للشعار باللون الأسود، وبخط واضح مقروء، قريب لنمط الخط الكوفي الهندسي، والذي يمتاز بأنه شديد الاستقامة، قائم الزوايا ليعكس صدق وعزيمة العبارة. وضوح وتساوي عدد النقاط، ورمز الشدّة أضاف توازن بصري أخر للشعار، جمال زخرفي متناسب عدداً وشكلاً. ظهور الشكل الزخرفي أفقياً باللون الأصفر في أسفل اللوحة أعطى إضاءة وتوضيحاً للعبارتين الرئيسة بالأسود، والثانوية بالأخضر والتي تشير إلى عام اليوم الوطني الذي جاء مكتوبا بالنمط العربي خلافاً للأعوام السابقة. جملة الألوان المستخدمة في الهوية الوطنية للشعار هي ألوان محلية من التراث السعودي. 


البعد التاريخي للشعار: 


جبل طويق لم يكن رسمه رسماً يحاكي الجبل الواقعي، بل هو رسماً هندسياً يترك انطباعاً لدى المتلقي بأنّه فريد ومتميز. اختيار جبل طويق حفّز الناظر على بحثٍ واستقصاء تاريخه القديم عبر تساؤلات: 

 

ما هو جبل طويق؟

جبل طويق من أبرز المعالم الطوبوغرافية في قلب إقليم اليمامة التاريخي وإقليم نجد، هو سلسلة جبلية لها طبيعة صخرية جيرية، وتقطعها العديد من الأودية، ويتخذ شكلا هلاليا بمسافة ٨٠٠ كلم، ويسمى جبل العارض قديماً، وذلك لأنه كان يعترض طريق الكثير من المسافرين الذين يمرون من خلاله. وصفه الشاعر الجاهلي عمرو بن كلثوم: "فأعرضت اليمامة واشمخرت كأسياف بأيدي مصلتينا".


لماذا جبل طويق تحديدا؟


عزز الشعار قيم عديدة من أبرزها: الاعتزاز بمكونات الطبيعة الجبلية بالمملكة، تلك الطبيعة التي ترمز إلى القوة والصلابة التي تعترض أي معاكس لها في الاتجاه. الإصرار والعزيمة قيمة وطنية أخرى هامة، اقترنت مع جبل طويق لترمز إلى التحدي، والدعوة إلى النهوض والهمة لتحويل الصحراء المحيطة بالجبل إلى حدائق غناء عبر مشروع القدية الترفيهي الأضخم حضاريا في العالم لما يحتويه من نشاطات: التدريب، والمضامير الصحراوية والإسفلتية المخصصة لعشاق رياضات السيارات، والأنشطة الترفيهية المائية والثلجية، وأنشطة المغامرات في الهواء الطلق، وتجارب السفاري والاستمتاع بالطبيعة، فضلاً عن توفر الفعاليات التاريخية والثقافية والتعليمية. قصيدة الأمير بدر بن عبدالمحسن في وصف جبل طويق ومشروع القدية من أجمل رمزيات الشعار التي ذكّرنا بها.  


شعار موسم اليوم الوطني عمّق قيمة الوحدة الوطنية بين القيادة والشعب، والانتماء وحب الوطن. عكس تاريخا أصيلاً متطلعا لمستقبل زاهر. حمل الشعار دعوة صريحة نحو سياحة رائدة، وتراث تاريخي عريق.









المعذرة عام 1447

 مع بداية عام 1447 أقدم اعتذاري له، حيث أني عند كتابة مقالي بعنوان الهجرة النبوية: رحلة عبر الزمنكان واللون افتتحت المقال بهذه الفقرة:  ...