قراءتي لهوية اليوم الوطني ٨٩ - ٩٠ -٩١
المجتمع التشكيلي يمتن للهوية الإعلامية لليوم الوطني السعودي ٩٠
فاطمة الشريف
يتجدد بنا كل عام ذكرى التوحيد والتمكين في يوم 23 سبتمبر معلناً الإحتفاء الرسمي لليوم الوطني للملكة العربية السعودية. هو يوم من أيام السعد والجود، يوم زاخر بمظاهر المواطنة والتوطين، يوم نابض بالنماء والعطاء، يوم تتجدد فيه الهمم والنوايا، وتعزز به مشاعر الحب والولاء للمليك والوطن. يوم يأبي فيه اللون والتشكيل إلا أن يشغل حيزا في هذا الاحتفاء باللفظ والصورة والتعبير.
أطلقت الهيئة العامة للترفيه الهوية الإعلامية الموحدة (اللفظية والبصرية) لليوم الوطني التسعين للمملكة في دليل إرشادي، مؤكدا مواصلة شعار وعبارة "همة حتى القمة". ليس شعار فحسب بل قصة تتوارثها الأجيال، وحدث تاريخيا مدونا في سجل الأمة العربية والإسلامية، وعزف مدويا على أسماع العالم أجمع. عودة بالذاكرة إلى مصدر الإلهام الحقيقي للشعار؛ حيث الإنطلاقة الفعلية الخلاّقة عبر مشاركة جادة من ولي العهد السعودي في جلسة مؤتمر "مبادرة مستقبل الاستثمار 2018" في الرياض، وتصريح سموه الكريم عن اعتقاده العميق:
أن "أوروبا الجديدة هي الشرق الأوسط."
وأن "المملكة العربية السعودية وفي الــ5 سنوات القادمة ستكون مختلفة تماما، والبحرين ستكون مختلفة تماما والكويت، وحتى قطر، رغم خلافنا معها، لديها اقتصاد قوي وستكون مختلفة تماما بعد 5 سنوات، وكذلك الإمارات وعمان ولبنان والأردن والعراق ومصر."
وأن "هذه حرب السعوديين وهذه حربي، بالنسبة إلي شخصيا ولا أريد أن أفارق الحياة قبل أن أرى الشرق الأوسط في مقدمة مصاف العالم."
وأن "السعوديين لديهم همة مثل جبل طويق وهمة السعوديين لن تنكسر إلا إذا تساوى بالأرض."
سلسلة من التوكيدات الطموح، والنوايا الصادقة باعثة الأمل، تشحذ الجهد للعمل، إنه التحليق نحو التحقيق. والتأمل نحو التجلي بحول من الله ثم بصدق العزيمة ونفاذ البصيرة.
في لحظة تأملية لهوية وشعار اليوم الوطني الـ 90 للمملكة العربية السعودية، والمدشن من قبل الهيئة العامة للترفيه، جاء الشعار أيقونة تشكيلية أدبية خالدة في ذاكرة المواطن السعودي على مر السنين؛ حيث حمل الشعار إيحاءات وومضات تعزز قيم ومبادئ وطنية راسخة في نفوس أبناء هذا الوطن المقدس. كما عكس الشعار ذائقة فنية تنشد التأصيل والتطوير، مؤكدا مدلولات تاريخية عميقة، وبعد فني متجدد، ورمزية أدبية أصيلة. تتجلى هذه الخصائص عند مقارنة الشعار الحالي بشعار اليوم الوطني الـ 89
يحتفظ الشعار الحالي بأغلب خصائصه الفنية والتاريخية لشعار العام الماضي، والتي تم بسطها في مقال سابق بعنوان الهوية الفنية والفلسفية لشعار اليوم الوطني ٨٩. حيث تكمن الفوارق الجلية بين الشعارين في المستويات البصرية له:
١- على المستوى البصري الرابع للشعار نلاحظ تنوع الأيقونات الزخرفية، مع إضافة إيقونات زخرفية جديدة ذات أشكال دائرية ومربعة وأيقونات ترمز للسنابل باللون الأحمر والأصفر؛ لتعكس مرحلة الإزدهار والتنوع الثقافي التي تمر بها المملكة، والانفتاح على الآخر بقيّم وثوابت أصيلة راسخة.
٢- على المستوى البصري الأول، وفي قمة الشعار كان التوظيف التشكيلي لظاهرة أنسنة الجبال في أدبيات الشعر والتراث العربي بطريقة فنية رقمية مميزة، مؤكدا لمضامين أدبية تعزز أن الدافع لأنسنة جبل طويق هو طموح وهمة ولاة الأمر في تحويل الصحراء إلى مروج وأنهار، والجبال إلى معالم ومآثر لا تنهار بإذن الله. إنه دعوة واعية إلى الأجيال والآخر لملاحظة ورصد وتوثيق ذلك التطور والنماء، إنه احتفاء وتكريم غير مسبوق للفنون البصرية نحتا وتصميما ورسما رقميا. علاقة جدلية لتحويل الفضاء الجبلي إلى فضاء إنساني لتعزيز رسالة جبل طويق في نجد الشموخ من كونه شاهد عيان على التقدم والإزدهار التي تعيشها السعودية في العقد الأخير من قرن زاهر في الحكم الرباني، والولاية الراشدة. بل المضي قدما لاجتياز قرون الألفية الثالثة بإذن الله ببدايات مشرقة، ومسارات مضيئة نحو حياة كريمة. نعم سيتحول جبل طويق الأصم المهيب إلى معالم وآثار نابضة بالحياة، والعلا مهد الممالك العربية، رسالة التجديد المحمدي للنبي العربي صالح عليه السلام، رسالة الجمال والقوة بإحلال السلام والإسلام الواعد فيها، وجزر فرسان بشواطئها ورمالها الذهبية، والكثير من المواقع والأماكن السعودية ستشهد أنسنة التجديد والأنس والسلام واقعاً بحول الله تعالى ثم بقيادتنا الرشيدة.
فارقان جوهريان أحدثا تصميما متفردا، يستحث خيالك لعقد مزهر قادم، وألفية سعيدة بإذن الله، ومحرك منعش يوقظ ذاكرة المجتمع التشكيلي على وجهة الخصوص في سبر ملامح الجمال الأثري والطبيعة العربية الخلابة، ويلهم الوجدان والبنان للإمتنان لهبات خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الكريم في دعم الثقافة والفنون البصرية الدائم. والتي منها على سبيل العد لا الحصر خلال 2020:
١- مبادرات وفعاليات وبرامج أكاديمية مسك الخيرية بقيادة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ولي العهد، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع، رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية. من أحدث تلك المبادرات إعادة افتتاح صالة الأمير فيصل بن فهد للفنون التشكيلية، "بعد ضمها ضمن منصاته، لتستعيد دورها الرئيس في تحفيز الساحة الفنية السعودية، ولتكون قاعة لعرض الأعمال الفنية، وتبادل الخبرات الإبداعية والمعرفية، وفتح المجال للمواهب الإبداعية في التعبير عن أفكارها بطرق مبتكرة، مطلقة العنان لريشة الفنانين؛ لتأصيل وتوثيق ثقافة المجتمع السعودي في أعمالهم الفنية."
٢- انطلاق مشاركات «مسك الخيرية» الخارجية نحو الساحة الدولية، "للتعريف بالمملكة ونقل حضارتها وثقافتها للعالم من خلال الحضور الفني. كما حرصت على إحياء القيم الإسلامية وترسيخها في الأجيال القادمة، للمضي قدما بأصالة المجتمع السعودي وثقافته وتقاليده نحو تحقيق أهدافها. "
٣- مشهد اللوحات التشكيلية (لوحة للفنانة التشكيلية السعودية لولوة الحمود - لوحة للفنان السعودي زمان جاسم) في مكاتب سمو ولي العهد تكريما للأعمال الفنية بأيدي سعودية مميزة.
٤- تحويل دار القلم للخط العربي إلى مركز الأمير محمد بن سلمان العالمي للخط العربي، والذي يضم متحفا ومعرضا ومعهدا لاحتواء جميع الخطاطين على مستوى العالم.
٤- موافقة المقام السامي الكريم على مقترح صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز بشأن توجيه الجهات الحكومية لاقتناء الأعمال الفنية والمنتجات الحرفية الوطنية في مقراتها وفق دليل تنظيمي، وتوثيق تلك المقتنيات في السجل الوطني للأعمال الفني.
همسة الختام قائلة عندما يُحتفي بالوطن ومقدراته وثرواته البشرية والمادية تلك هي صناعة ذكرى الوطن الخالدة، إبتداءاً بتأصيل هويته الوطنية على جميع مستوياته الفردية والجماعية والثقافية والفنية، وتذكيراً بأن شعار اليوم الوطني التسعين يوما حافلا في سجل الأدب والتشكيل لا يُنسى، وشاهد عدل على منجزات وإبداعات أدبية وفنية موثقة في سجل الوطن الخالد لا يمكن أن يُمحى؛ لتكن تلك الذكرى شريك نجاح، ومورد مستدام محققا لمستهدفات رؤية 2030.
نماذج و تصاميم متنوعة وفقا لشروط وضوابط شعار الهوية الإعلامية لليوم الوطني ٩٠
الهوية الفنية والفلسفية لشعار اليوم الوطني ٨٩
يعد السابع عشر من جمادى الأولى عام 1351 هـ يوم التوحيد والاعلان؛ حيث أصدر الملك عبد العزيز آل سعود مؤسس المملكة العربية السعودية رحمه الله المرسوم الملكي رقم 2716، الذي يقضي بتحويل اسم الدولة من مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها إلى المملكة العربية السعودية، وابتداءً من يوم الخميس 21 جمادى الأولى 1351 هـ الموافق يوم 23 سبتمبر 1932م كان الاحتفاء الرسمي لليوم والوطني للدولة السعودية.
تتسارع الأعوام، وتتوالى العقود، فتصبح هوية اليوم الوطني شعارا يتجدد كل عام، مواكبا لحركة النماء والازدهار، ومسلطا الضوء على الملامح الإيجابية العامة للمملكة، ومعززا لمشاعر الحب والولاء لولاة الأمر، وقيم الانتماء للوطن، ومقدما لمفاهيم متميزة لرؤية ٢٠٣٠.
هوية وشعار اليوم الوطني الـ 98 للمملكة العربية السعودية، الذي دشنته الهيئة العامة للترفيه السعودية؛ جاء مستلهماً من مقولة صاحــب الســمو الملكــي الأميــر محمــد بــن سلمان «همة السعوديين مثل جبل طويق، ولن تنكسر إلا إذا انهد هذا الجبل وتساوى بالأرض». مع شعاراتنا السابقة: للمجد والعلياء، رؤية وطن، دام عزك يا وطن، وطني هويتي، نواصل شعار "همة حتى القمة" لتسليط الضوء على ترسيخ حب الوطن، والتمكين له بقيادة قوية، ومشاركة جادة من أبنائه للتقدم الحضاري والتنموي في جميع المجالات. هي ليست شعارات صورية ولفظية فقط، بل هي إيحاءات وومضات تعزز قيم ومبادئ وطنية خالدة في نفوس أبناء هذا الوطن المقدس.
صورة خطوات ابتكار الشعار
يعكس شعار اليوم الوطني ٨٩ ذائقة فنية رائدة، شمل مدلولات تاريخية عميقة، وبعد فني متميز، ورمزية عالية.
البعد الفني للشعار:
حقق الشعار هدفه الفني والرمزي في التقاء مفرداته التشكيلية (الخط والمساحة والنقطة) لبناء شعار فني برمزية تتعايش فيها العلاقات البصرية بين تلك المفردات والهوية اللفظية للشعار بشكل فريد منسجم يرسخ في الذاكرة الوطنية.
مثّل الشعار توازن بصري مريح للناظر باختيار الألوان (الأخضر والأسود والأبيض والأصفر). استخدام اللون الأبيض خلفية أبرز بوضوح معالم ورموز الشعار. كما أضاف اللون الأخضر في الأعلى رمزية وطنية متميزة، فكان جبلاً شامخاً، وعلماً خفاقاً مرفرفاً. إما توسط اللون الأسود في عبارة (همة حتى القمة) أضاف عمقاً معنويا محفورا في الشعار، محفوظا في ذاكرة المتلقي. كتبت العبارة الرئيسة للشعار باللون الأسود، وبخط واضح مقروء، قريب لنمط الخط الكوفي الهندسي، والذي يمتاز بأنه شديد الاستقامة، قائم الزوايا ليعكس صدق وعزيمة العبارة. وضوح وتساوي عدد النقاط، ورمز الشدّة أضاف توازن بصري أخر للشعار، جمال زخرفي متناسب عدداً وشكلاً. ظهور الشكل الزخرفي أفقياً باللون الأصفر في أسفل اللوحة أعطى إضاءة وتوضيحاً للعبارتين الرئيسة بالأسود، والثانوية بالأخضر والتي تشير إلى عام اليوم الوطني الذي جاء مكتوبا بالنمط العربي خلافاً للأعوام السابقة. جملة الألوان المستخدمة في الهوية الوطنية للشعار هي ألوان محلية من التراث السعودي.
البعد التاريخي للشعار:
جبل طويق لم يكن رسمه رسماً يحاكي الجبل الواقعي، بل هو رسماً هندسياً يترك انطباعاً لدى المتلقي بأنّه فريد ومتميز. اختيار جبل طويق حفّز الناظر على بحثٍ واستقصاء تاريخه القديم عبر تساؤلات:
ما هو جبل طويق؟
جبل طويق من أبرز المعالم الطوبوغرافية في قلب إقليم اليمامة التاريخي وإقليم نجد، هو سلسلة جبلية لها طبيعة صخرية جيرية، وتقطعها العديد من الأودية، ويتخذ شكلا هلاليا بمسافة ٨٠٠ كلم، ويسمى جبل العارض قديماً، وذلك لأنه كان يعترض طريق الكثير من المسافرين الذين يمرون من خلاله. وصفه الشاعر الجاهلي عمرو بن كلثوم: "فأعرضت اليمامة واشمخرت كأسياف بأيدي مصلتينا".
لماذا جبل طويق تحديدا؟
عزز الشعار قيم عديدة من أبرزها: الاعتزاز بمكونات الطبيعة الجبلية بالمملكة، تلك الطبيعة التي ترمز إلى القوة والصلابة التي تعترض أي معاكس لها في الاتجاه. الإصرار والعزيمة قيمة وطنية أخرى هامة، اقترنت مع جبل طويق لترمز إلى التحدي، والدعوة إلى النهوض والهمة لتحويل الصحراء المحيطة بالجبل إلى حدائق غناء عبر مشروع القدية الترفيهي الأضخم حضاريا في العالم لما يحتويه من نشاطات: التدريب، والمضامير الصحراوية والإسفلتية المخصصة لعشاق رياضات السيارات، والأنشطة الترفيهية المائية والثلجية، وأنشطة المغامرات في الهواء الطلق، وتجارب السفاري والاستمتاع بالطبيعة، فضلاً عن توفر الفعاليات التاريخية والثقافية والتعليمية. قصيدة الأمير بدر بن عبدالمحسن في وصف جبل طويق ومشروع القدية من أجمل رمزيات الشعار التي ذكّرنا بها.
شعار موسم اليوم الوطني عمّق قيمة الوحدة الوطنية بين القيادة والشعب، والانتماء وحب الوطن. عكس تاريخا أصيلاً متطلعا لمستقبل زاهر. حمل الشعار دعوة صريحة نحو سياحة رائدة، وتراث تاريخي عريق.
تعليقات
إرسال تعليق