معرض شواهـــــ على الفن ـــــــــــــد: تفاصيل محفورة في ذاكرتي التشكيلية (الجزء الأول)

 

 

 

معرض شواهـــــ على الفن ـــــــــــــد: تفاصيل محفورة في ذاكرتي التشكيلية (الجزء الأول)

بقلمي فاطمة الشريف 

منذ افتتاح معرض شواهد على الفن برعاية وزارة الثقافة -المُقام في المتحف الوطني بمدينة الرياض والإعلان عن أهدافه وفعالياته خلال الفترة من 27 سبتمبر إلى 6 نوفمبر 2021- وأنا أنتظر الوقت المناسب لزيارته والتشرف بالوقوف على رواده وشواهده، فكان الاطلاع باستمرار على التغطيات الصحفية رشفات تروي الظمأ، وجرعات تطفئ لهيب الشوق له، إلا أن "ونارٌ من الأشواق يشقى بها الجمرُ".

فيما أكدت جميع الأخبار والمقالات أن المعرض عبارة عن رحلة بصرية توثّق تاريخ الفنون التشكيلية في المملكة، وتعرض التطور الفني السعودي على مستوى الشكل والموضوع والفكرة، واحتفاء بجهود الفنانين الروّاد والمؤسسين، وحفظ تاريخهم وتقديمه للأجيال الجديدة، الأمر الذي لا يمكن معه سوى السفر إليه، والوقوف على عتباته الوثائقية وسجلاته النوعية. 

حتى جاء يوم الخميس الموافق الرابع من نوفمبر 2021، أي قبل إغلاق المعرض بيومين، ولديّ مع الافتتاح والاختتام قصة وذكرى، فمتى كانت الجهود متظافرة فلا تعدو أن تكون النهاية بداية أخرى لقصة جديدة مشوقة، قضيت مساء يومين في التجوال في جنبات المعرض، فكان لقائي الأول برواد ومؤسسي ومبدعي الفن التشكيلي السعودي على مدى خمسة عقود ممتعًا مميزًا، فرأيت أعمالًا وقرأت أسماء بعضها أعرفها تمامًا، وبعضها أول مرة أرى لها وأقرأ عنها، وبعضها قرأت عنها ولم أرَ لها إلا في المعرض.

وها هنا اليوم أعود معكم بذاكرتي للمعرض، وكأنه كتاب مرئي أمام ناظري، تقلّبه أناملي وكأنه سجل تاريخي أشارك في نثر تفاصيله المحفورة في ذاكرتي، الممزوجة بأجندة تخيلية من وحي أمنياتي وطموحاتي لذلك المعرض الذي حوى قاعتين كبيرتين: 

قاعة العرض الرئيسة رقم (١٠) والتى أسميتها باكورة الخمس العقود الأولى للفن السعودي 

حيث يستقبلك ممر موزع يحدد لك مدخل ومخرج المعرض، له ثلاث جداريات خضراء، دوّن عليها فقرات تعريفية عن المعرض، من أبرز عباراتها: 

  • مقتنيات وزارة الثقافة لأعمال الفنانين السعوديين في معارض ومسابقات رعاية الشباب. 

  • قائمة بأسماء الفنانين والفنانات، وعددهم تسعة وثلاثون فنانًا وفنانة.

  • كلمات الدكتورة مها السنان تحكي بدايات رحلة المقتنيات الفنية من رعاية الشباب لوزارة الثقافة، قائلة فيها:   

"معرض شواهد على الفن يدعوكم إلى رحلة بصرية تبدأ من سبعينات القرن الميلادي وحتى بدايات الألفية الجديد، تقدم الأعمال صورة لتاريخ الفن السعودي الحديث، تساهم في تقديم مادة مناسبة لدراسة الفنون البصرية في تلك المرحلة وتدوينها."             

أنتجت تلك الكلمات حديثًا شائقًا في جلسة حوارية بعنوان: "رحلة المقتنيات الفنية من رعاية الشباب لوزارة الثقافة" استضافت فيها الدكتورة مها السنان كلًا من الدكتورة سوزان اليحيى والدكتورة حنان الأحمد، فريق المشروع الوطني في توثيق وتصنيف وتدقيق أعمال رواد الفن السعودي زهاء نصف قرن، حيث كانت مقتنيات فنية مملوكة للرئاسة العامة لرعاية الشباب (وزارة الرياضة حاليًا) فجاءت رحلة حفظ تلك المقتنيات وتخزينها، ثم انتقالها للهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض (الهيئة الملكية لتطوير مدينة الرياض حاليًا) وقالت: "إن عملية النقل والحصر والتوثيق والحفظ تمت في عام 2015، من قبل شركة ليان الثقافية، حيث بلغ عدد الأعمال الفنية حوالي 2000 عمل فني، عمل عليها الفريق من خلال الفرز الأولي، وفتح الأعمال وتنظيفها وتدوين معلوماتها ثم تغليفها، حتى انتقلت ملكيتها إلى وزارة الثقافة في عام 2019.

تبدأ الرحلة البصرية -التي وددت لو أن لوحاتها كانت مصنفة وفق التسلسل التاريخي لعرضها؛ ليتسنى للقارئ تصنيف اتجاهات ومدارس تلك اللوحات- بلوحة استغاثة ٢ أغسطس للفنان عبد الله عبد الكريم الشيخ، والتي تستحق أن تكون لوحة تحكي معها حدثًا تاريخيًا في ذلك الوقت (الغزو العراقي للكويت) ثم تتراص اللوحات الفرادى بين مجموعة كبار الفنانين، فكانت مجموعة الفنان بالود حسن بالود هي الأولى، تلتها مجموعة الفنان عبد الله حماس وهي الأغزر والأمتع، ثم مجموعة  الفنان عبد الرحمن السليمان خلال الثمانينات والتسعينات، ثم ثنائية الفنان إبراهيم النغيثر، ثم مجموعة الفنان محمد السليم في الثمانينات، ثم مجموعة الفنان محمد سيام المبهرة، ثم  ثنائية الفنان حسن علي عسيري، ثم مجموعة الفنان جاسم زمان (٢٠٠٠)، ثم مجموعة الفنان عبد الله عبد المحسن المرزوق في الثمانينات، ثم مجموعة عبد العزيز عاشور السيد في الثمانينات، ثم مجموعة الفنان إحسان عبد الجليل برهان في التسعينات، ثم مجموعة الفنان علي الصفار في التسعينات، ثم مجموعة الفنانة تغريد البقشي (٢٠٠٤)، وثنائيات الفنان ناصر الموسى، وثنائيات الفنان عبد الله الشلتي، ويغلق المعرض بلوحات عبارة عن مجموعة فنية لكل من الفنان فهد خليف، والفنان إبراهيم الفصام، والفنان عبد الله إدريس، وتتداخل مع تلك اللوحات جداريات سوداء دوّن عليها اقتباسات من كتاب الفن التشكيلي السعودي في المنطقة الشرقية للفنان عبد الرحمن السليمان. 

منصة الجلسات الحوارية والذكريات التشكيلية

تتوسط قاعة العرض الرئيسة قاعة فرعية أسميتها منصة الجلسات الحوارية والذكريات التشكيلية، حيث ضمّ المعرض خمس جلسات حوارية، شارك فيها مجموعة من الأكاديميين والنقاد والفنانين  للحديث عن تاريخ الفنون البصرية في المملكة العربية السعودية، والتي وددت أنها كانت في أيام متصلة ليتسنى الحضور والانتظام في جميع الجلسات، عرضت المنصة صور تذكارية لتشريف ودعم كل من الأمير فيصل بن فهد، والأمير نواف بن فيصل بن فهد، والأمير سلطان بن فهد، وحوت طاولات عرض زجاجية لبعض الكتب التشكيلية خلال تلك العقود الطليعة: بدايات الفن التشكيلي السعودي (ولعله أقدم نسخة معروضة)، وكتاب تاريخ الفن التشكيلي في المملكة العربية السعودية، وكتاب مسيرة الفن التشكيلي السعودي، وكتاب الصحراء في التصوير التشكيلي السعودي، وكتاب محمد الرصيص المعلم والفنان، وكتاب الرضوي في مشواره الفني، وكتاب الموسوعة الوصفية لحركة الفن التشكيلي النسائي بالمملكة العربية السعودية، وكتاب المرأة والفن التشكيلي في المملكة العربية السعودية، وكتاب ضياء عزيز ضياء، وكتاب التشكيليون السعوديون، وكتاب معارض التربية الفنية ومعارض الفنانين المختصين، وكتاب إبداع لا ينضب، وكتاب Saudi Arabia: An Artists View of the Past باللغة الإنجليزية والعربية للفنانة صفية بنت زقر.        

 

تسريبات راقتني من الجلسات الحوارية اقتبستها من التغطيات الإعلامية للصحف المحلية:  

الدكتور محمد الرصيص يؤكد أن الحركة التشكيلية مرت بمرحلتين، بدءًا من الستينات حتى منتصف القرن العشرين، ثم المرحلة اللاحقة التي أطلق عليها الفن المعاصر، موضحًا أن معظم الفنانين السعوديين تتلمذوا بمعهد التربية الفنية (لم يكن هناك كلية للفنون الجميلة تخرج فنانين محترفين).

 الفنان التشكيلي المصري إيهاب اللبان يعتقد أن الفنون بمثابة أساسيات راسخة لكل المجتمعات، تنطلق منها الثقافة بمختلف أنواعها؛ لتشكل ملامح الأفراد الفكرية، وتكوّن التوجهات والآراء غالبًا، وأشار إلى أن المجتمعات العربية في حاجة للتحول من الإنتاج الثقافي إلى الاستثمار الثقافي، وتحويل الفنون إلى ضرورة مجتمعية.

 

أشادت الدكتورة إيمان الجبرين بالفنانة السعودية التي أثبتت قدرتها في إدارة الثقافة التشكيلية، مشيرةً إلى أن الفنانة صفية بن زقر مثال على تخطي التحديات، مؤكدةً ضرورة المبادرات الفردية، ومبادرات القطاع الخاص، وعدم الركون إلى الإنفاق الحكومي، مشددةً على ضرورة أن يكون الفنان والفنانة مشاركين في القضايا الوطنية والإقليمية والعالمية، ومتشابكين مع البيئات المختلفة ومصادر الثقافة المتعددة.

أشار الفنان والكاتب التشكيلي فيصل الخديدي إلى أن الفنان التشكيلي جزء من مجتمعه، وأن الجماعات الفنية بمنهجياتها وفلسفاتها قدمت فكرًا تقدميًا وتنويريًا جديدًا على المجتمع، حيث راعت حاجات الفنانين الاجتماعية والتنظيمية.

قدم الفنان والكاتب التشكيلي عبد الرحمن السليمان لمحة تاريخية عن اقتناء الأعمال الفنية وبدايتها، وقال: "نقيس الاقتناء بعمر الساحة الفنية، وابتداءً بالمعارض المُبكرة التي شهدتها الستينيات من القرن الماضي، عندما أقام الفنانون الكبار آنذاك معارضهم الفردية، وكانت الإهداءات السمة الأكبر في ذلك الحين، ثم طلبت أرامكو السعودية من الفنان عبد الحليم رضوي أن يرسم بعض المواضيع المتعلقة بالبترول لاختيار لوحة توضع على غلاف التقرير السنوي للشركة، فكانت أولى مبادرات الاقتناء المحلية ذات القيمة".


قال الفنان التشكيلي بكر شيخون: "إن القط العسيري ألهمه منذ أن كان صغيرًا، حيث كانت والدته تنقش الأنماط الهندسية فيما ساعدها بالتلوين."  وأردف: "من غير شك أن الطبيعة هي المدرسة الفنية الأولى، ووجودي في بيئة زاخرة بالمظاهر الأخاذة زرع بداخلي بذرة تسارعت في النمو لاحقاً…"

استعرضت الفنانة التشكيلية مها الملوح تجربتها: "أثار حفيظتي الفنية أثناء دراستي بعض الأدوات المنزلية التي كنت على وشك التخلص منها، لكن وضعتها على مكبر فوتوغرام، الأمر الذي أنتج أعمالًا فنية وإبداعية، أقمت من خلالها معرضًا شخصيًا عام 2007م بالرياض…"

قدّم المعرض إرثًا تشكيليًا جديرًا بهذا الاحتفاء والتكريم، ومادة خصبة وغنية للمهتمين في دراسة الفنون البصرية، وسجلًا تاريخيًا موثقًا الدور الرائد والرعاية المستمرة والعطاء المادي والمعنوي  للفنان السعودي من قبل القطاعات الثقافية بالمملكة منذ نشأتها، الأمر الذي صادقت عليه كما هو مكتوب على إحدى الجداريات الخضراء في مدخل المعرض، دفع بالكثير من الأسماء للتميّز والاستمرار في التطور لتمثيل هويته الثقافية والافتخار بها، إنها ليست دوافع الفوز وصناعة الاسم فحسب، بل للرقي بالحركة الفنية في هذ الوطن.  



صورة من جريدة الرياض الإلكترونية لوسط المعرض




بعدستى للوحات 

معرض شواهـــــ على الفن ـــــــــــــد 


لوحة غير معرفة ومؤرخة على سطحها للفنان إبراهيم النغيثر 







لوحات في الثمانينات


لوحة الفنان بكر شيخون (زيت على كانفس ١٩٨٣)







لوحات الفنان محمد السليم في (١٩٨٧)






لوحة تكوين للفنان محمد المنيف (١٩٨٩) 








لوحات في التسعينات

لوحة استغاثة ٢ أغسطس، للفنان عبد الله عبد الكريم الشيخ (١٩٩٠)








لوحة الفنان خليل حسن خليل (١٩٩٢)









ثنائية علي الصفار (١٩٩٧- إكليريك)








لوحات في ٢٠٠٠ 


لوحة تكوين حروفي (باستيل) الفنان مفرح علي عسيري (٢٠٠٠)










اللوحات النسائية في المعرض (عددها ٦)

لوحة غربتنا (طباعة) الفنانة رائدة عاشور (٢٠٠٠)

لوحة رضية برقاوي (زيت)

لوحة علا حجازي (٢٠٠٢)


لوحة من المجموعة الثلاثية ضوء من الداخل (زيت) الفنانة تغريد البقشي (٢٠٠٤)

مجموعة فنية في لوحة

الفنان إبراهيم الفصام 



الفنان فهد خليف



الفنان عبد الله إدريس

منصة الجلسات الحوارية والذكريات التشكيلية

عرض الطاولات الزجاجية للكتب المنشورة خلال العقود الخمسة

ختامًا، تهنئة لكل فنان ولوحة حظيت بالدخول في معرض شواهد على الفن باعتبار المعرض التشكيلي من أوائل إنجازات وزارة الثقافة في توثيق الفن السعودي خلال العقود السابقة.







جزء مقصوص من جدارية أسماء الفنانين والفنانات المشاركين في المعرض باللغة العربية والإنجليزية



لمشاهدة تغطية بصرية ماتعة للمعرض أنصح بزيارة قناة شماريخ على الرابط أدناه

https://www.youtube.com/watch?v=r1hy-wMoLNc



المقالة منشورة في مجلة فرقد الإبداعية في ديسمبر ٢٠٢١



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

(12) مجالا لخطة 2024

قانون كونفوشيوس – قانون الغربنة في التدريب

كساء التوبة الضافي ... تأملات

مزاج البسطاء

تقنية السكينة السريعة للبروفيسور عبدالله العبدالقادر (Quick Coherence Technique )

قراءة فنية لجدارية كيث هارينغ