الأحد، 5 يونيو 2022

حديقة الرسام الفرنسي “أوسكار كلود مونيه” في طائف الورد (My Visit for Monet's House in France)

 


فاطمة الشريف

المقال منشور في مجلة فرقد الإبداعية النسخة الثانية على الرابط: هنا

بفعاليات متنوعة انطلقت النسخة الثانية من مهرجان “طائف الورد” بمدينة الطائف خلال الفترة من 5-19 مايو2022، وأقيمت فعالياته في 3 مواقع رئيسية على مدى 14 يوماً، وكان من أبرز تلك المواقع حديقة الردف التي حوت العديد من المناشط الثقافية والتشكيلية المتنوعة مثل: ورش عمل فنية ومهنية، ومقصورات الشارع الثقافي، ومعرض الرسوم، وأكبر سلة ورد في خيمة حديقة الردف، وحديقة مونيه في فعالية الورد في الفن.

حديقة الرسام الفرنسي أوسكار كلود مونيه (Oscar-Claude Monet) التي جاء اختيارها موفقاً ومناسبا لفعاليات مهرجان “طائف الورد 2022”، وملهما لمحبي الورد والطبيعة، ودعوة جادة إلى أهمية الانتماء للمكان والزمان، وتتبع آثارهما الجمالية وأبرز كل ذلك عبر اللون والتكوين، حيث تم عرض أهم جزء من حديقة مونيه عبر شاشة عرض عملاقة تعرض ثلاث عناصر رئيسة في أشهر لوحات مونيه: الحديقة ومحتوياتها من شجر وثمر وزهر، البركة المائية وانعكاسات ضوء الشمس والقمر عليها، والجسر الياباني بمنزله في مدينة جيفرني (Giverny) بأقليم نورماندي (Normandy) في الشمال من فرنسا، تلك الحديقة أكبر مصدر إلهام له مدة 40 عامًا، فقد رسم أشهر مجموعاته التشكيلية فيها. 

في تلك الأجواء الطائفية، أمام تلك الشاشة العملاقة، التي عرضت بأسلوب فني ضوئي مبهج أشجار الصفصاف وزنابق الماء، ومع رؤية البركة المائية، وأصوات المياه المتدفقة، والشتول المعلقة في مقصورات عرضت كذلك بعض من لوحات مونيه؛ لتظهر بعض من أشجار وأزهار ونباتات الحديقة، مما يشعرك بروائح زكيّة تعانق نسمات الطائف العليل، مع أصوات العزف الهادئ، وأصوات الطير، وتمايل أوارق الشجر، مما يجعلك تشعر أنك ماثلا أمام مونيه نفسه تتحدث معه عن فنه، وأنك جزءاً من تلك الحديقة الغنّاء، نعم لا يمكن للزائر أن يمرر تلك التجربة الفنية دون التنقيب في ذاكرته التشكيلية، واسترجاع بعض مما شاهده أو قرأه عن إبداعات مونيه الفنية الفريدة.  

من أقوال مونيه الشهيرة:

مما كتبه في رحلته في الجزائر:

“الألوان الفاتحة والحيوية لشمال إفريقيا تحتوي على بذرة تطلعاتي الفنية والمستقبلية”.   

وكتب ذات مرة عن نفسه لصديقه:

“يا صديقي، أنا لست صانع معجزات، أنا فقط أستخدم الكثير من الألوان وأستهلكها، فالألوان هي هوسي ومتعتي ووجعي، أنا لم أتحول لرسام انطباعي فقد كنت كذلك بالفعل طوال حياتي.” 

ويقول دوما:

“المهم ليس ما ترسمه بل ما تصوره “، “أحب الرسم كما يغني الطائر”. 

محطات ورحلات مونيه:

ارتبط فن مونيه بالمعمار والطبيعة، وكان شغوفا برسم الأماكن التي عاش فيها أو زارها، واشتغل كثيرا  بتأثير الضوء على مرئياته، فهو يرسم انطباعاته فيما يشاهد، ويرصد من التفاصيل الدقيقة ما يعيد السمات الطبوغرافية للمناظر كما يراه هو، لقد طوّر لغة بصرية جديدة خاصة به، وآلية رسم مبتكرة تعتمد على تفتيت الأسطح، وإظهار مراحل الرسم المتمثلة بضربات الفرشاة.

يذهب الرسامون في عصره إلى متحف اللوفر لنسخ اللوحات المعروضة هنالك، أما هو فكان يرسم إطلالة المتحف الخارجية من إحدى نوافذه، فهو يرى أهمية بذل الجهد في إثبات ذاته كرسام متفرد بأسلوبه وآليته الخاصة به، وعرض لوحاته للنقد الفني، وهو لا يرغب مقارنة أعماله بكبار فناني الماضي.

كان مونيه ينتقى اختيار مشهده التشكيلي بعناية وحذر، فجاءت لوحات محطة القطار تعكس الانبهار بالسكة الحديدية، والتطور والحداثة في ذلك العصر، فنرى السرعة والاندفاع وتلألأ الحياة هي القوة الدافعة واللحظة الخاطفة الذي أرادها وضعها في مشاهد تلك اللوحات.

كان مونيه يراقب الظل والضوء والحركة على الماء وتحتها وهو على جسر حديقته، متتبعا أثر الضوء الذي يخرج بين حقل أشجار البامبو والزهور المائية، ويتسلل مختالا بين قضبان الجسر الخشبي، إنه بالفعل  جسر ضوء  ليلة قمر، الذي يسمح تصميمه بمرور الضوء، فكانت الحديقة مركزا الهام، ومنبع ايحاء له في رصد ألوان ورق شجر الصفصاف، وزهور اللوتس، وزنبق الماء، فهي يؤمن أن لضوء الشمس، ونور القمر، وانعكاسهما المبهر على الموجودات والأماكن حولهما تعطي انطباعا رائعا.  

يعد مونيه الأكثر غزارة في الإنتاج التشكيلي في الفترة من 1858 إلى 1925؛ وذلك لتنوع خبراته، وتعدد تنقلاته فقد وثّق حياته وسيرته التشكيلية عبر لوحاته، رسم الكثير من اللوحات عن نهر التايمز وحدائق لندن الشهيرة، وزهور التوليب في هولندا، والمعالم الطبيعية  والبحرية في البندقية، ومنازله في كل من باريس، وأرجنتوي (Argenteuil) فيتاي (vetheuil)، جيفرني (Giverny)، أدى به طموحه إلى توثيق الريف الفرنسي عبر أسلوب خاص لرسم المشهد عدة مرات، والتقاط الضوء المتغير، وأثر الفصول الأربعة على المشهد ذاته. من أشهر تلك المشاهد التشكيلية: سلسلة أكوام القش (Grainstacks)، ولوحات كاتدرائية روان (Rouen Cathedral at sunset)، ولوحات زنابق الماء 

(Water Lilies,)، وشجر الصفصاف (Poplars) في حديقته في جيفرني. 

كانت باريس (Paris)، مسقط رأسه، والتي درس فيها الفنون والتقى بكبار أساتذة الفن في ذلك الوقت أمثال ( Eugène Boudin ) الذي شجعه على الرسم في الهواء الطلق، وأبرز أهم معالم فرنسا في الحدائق ونهر السين في كافة المواسم دون ملل من باريس حتى البحر، وعلى ورشته الفنية على قارب لرسم أكثر ما يفضله في النهر، ورسم النهضة العمرانية المتمثلة في سكك الحديد، والجسور، والكاتدرائيات.

من أشهر لوحته في باريس:

 (Women in Garden –  La Pointe de la Hève at Low Tide and Mouth of the Seine at Honfleur – The Woman in the Green Dress and Pavé de Chailly

أنتقل بعد ذلك إلى مدينة إتريتا ( Étretat ) حيث طور رسمه في دمج أسلوبه الخاص في رسم الشخصيات “البرجوازية المعاصرة” في الهواء الطلق، ومن لوحات تلك المدينة، كما رسم جروف إيتريتا بطريقة مختلفة أعاد تشكيل شواطئها بأسلوبه، وطريقته الفنية، معيدا فيها انعكاسات الضوء على الماء والحجارة.

من أشهر لوحته في إيتريتا:

(The Beach at Sainte -Adresse and On the Bank of the Seine- The Cliffs at Etretat)

تعد إقامته في في مدينة أرجنتوي  (Argenteuil) الفترة الذهبية في انتاجه التشكيلي، والتي جاءت بعد قضائه فترة الحرب الفرنسية الألمانية في لندن، حيث حسّنت تلك المرحلة الكثير من تقنيات الضوء لديه لاسيما بعد التقائه مع العديد من مشاهير الرسم آنذاك (John Constable & J. M. W. Turner )، فعاد إلى مدينة أرجنتوي الفرنسية، مجسدا إقامته بها بمشاعر السلام والسكينة والاستقرار لديه بعد الحرب الفرنسية الألمانية، فدرس نظريات الضوء مستعينا بدراسات وأبحاث العالم الكيمائي ( Michel Eugène Chevreul)، ورصدت لوحاته الأنشطة الترفيهية للطبقة البرجوازية في تلك المدينة، ورصدت فترة تاريخية هامة لها، تعتزم بلدية المدينة تحويل منزله إلى متحف فني، ومن أشهر لوحات تلك المدينة:

 ( Gladioli – Camille Monet on a Garden Bench)

في معرضه الأول، في عام 1874، في باريس عرض مونيه لوحاته: 

Impression: Sunrise – Luncheon – Boulevard des Capucines) 

كتب الناقد الفني (Louis Leroy)  نقدا معادياً لتلك الأعمال، مع التعليق بشكل خاص إلى (Impression ) إلى لوحة انطباع الشمس، والتي تصور ميناء لوهافر بأسلوب ضبابي، صاغه تحت مصطلح “الانطباعية”، والذي كان يشير إلى اللوحة على أنها غير مكتملة، في حين أشاد آخرون أمثال (Louis Edmond Duranty) على أن أسلوب مونيه تحديدا “ثورة في الرسم”، ومن هنا أشتهر بلقب رائد الانطباعية، وواصل مونيه سلسلة معارض يعزز فيها أسلوبه الجديد بتقنيات ومشاهد تشكيلية متنوعة.

انتقل بعد ذلك إلى مدينة فيتياي (vetheuil )، رسم هنالك ما يقارب  240 منتقيا أفكاره، ملتقطا اللحظة؛ ليرسم المستحيل المبهر، ومن لوحات تلك المدينة:

(Camille Monet On Her Deathbed – Vétheuil in the Fog)

في لحظات خاطفة عبر نافذة القطار متنقلا من مدينة لأخرى لمح في إقليم نورماندي مدينة جيفرني (Giverny) الساحرة، فقرر الانتقال إليها لسحر طبيعتها الخلابة.

من إطلالة منزله، وبين جنبات حديقته الغناء، عقد مونيه علاقة مع  التصوير؛  ليفهم تفاصيل أجزاء تكويناته المختارة بعناية فائقة، ويبني لوحاته عليه، فكان يصوّر الواقع نفسه، فكانت لوحاته تتجاوز لقطاته الفوتوغرافية لمشاهد التشكيلية إلى ما وراء الواقع؛ ليجعل الواقع المتغير تكتلات لونية ملموسة بانطباعات الرسام المختلف عن أقرانه وجيل عصره.

أصبحت حديقته وموجوداته سمة لوحاته زهاء الأربعين سنة الأخيرة من حياته، عكست لوحات تلك الفترة بتكدس ووفرة الألوان والنشوة التي كان يشعر بها، وتأثير الضوء والطقس والتوقيت لسمات حديقته، فحاول فهم زنابق الماء وانعكاسها على سطح الماء، فقد أجاد تمثيل طفو الزهرة على سطح الماء، مظهرا الضوء والمساحة بدقة تعكس انطباعه حيال زنابق الماء، وكأنه بستاني محترف، تتكون سلسلة زنابق الماء من من حوالي 250 لوحة زيتية، وبالرغم من معاناته من إعتام عدسة العين، والذي يُظهر ظهور اللون الأحمر في أغلب لوحاته الأخيرة، ومن أشهر لوحاته خلال إقامته في جيفرني: 

  ( Waterloo Bridge series  –  seriesThe Bridge over a Pond of Water Lilies  – Water Lilies series -Flowering  Arches- Rouen Cathedral series – Grainstack in the Sunlight, Snow Effect

انتشرت أعماله في جميع متاحف العالم ( فرنسا – كبريات مدن أمريكا الشمالية والجنوبية – لندن – أستراليا – اليابان – فينسيا – المانيا – هنغاريا)، وضمن المقتنيات الخاصة لوحة واحدة في متحف عائشة فهمي في مصر. 

عند نسخ أسماء اللوحات المشار إليها أعلاه في المدن التي تنقّل بينها، والبحث عنها في محرك صور جوجل، والوقوف عليها فنياً، ندرك تماما أن مونيه كان رساما انطباعيا، وإنه لم يعرف غير هذا الأسلوب في الرسم، فقط كان حريصاً على تعزيز تجاربه اللونية، متحررا من جميع معايير اللوحة السابقة التي كانت شائعه في عصره، كما كان مصورا بارعا للريف الفرنسي، وموثقا أمينا لجنبات حديقته ومنزله وحياته عبر لوحات بارعة، والتي تراها اليوم في مقتنياته في منزله في جيفرني عبر ما التقطته عدسة فاطمة الشريف من لوحات بمنزله وحديقته في فرنسا 2019:


السبت، 4 يونيو 2022

معرض شواهد على الفن (الجزء الثاني)

 

    


معرض شواهـــــ على الفن ـــــــــــــد: تفاصيل محفورة في ذاكرتي التشكيلية (الجزء الثاني)

فاطمة الشريف 

 

استكمالًا للجزء الأول المنشور في العدد (79) من معرض شواهد على الفن برعاية وزارة الثقافة المُقام في المتحف الوطني بمدينة الرياض والإعلان عن أهدافه وفعالياته خلال الفترة من 27 سبتمبر إلى 6 نوفمبر 2021، والذي ضم قاعتين: القاعة الرئيسة رقم (10) التي ضمت معروضات مقتنيات الوزارة على مدار الخمسة عقود السابقة، وقاعة فرعية رقم (9) التي شملت عروضًا جانبية فرعية، حيث تُركز على أبرز الأعمال الفنية لفنانين مختارين بعناية ودقة فائقة تعكس استمرارية الأداء لديهم، وحرصهم على تنمية وتطوير قدراتهم التشكيلية على مدار العقود الخمسة، مع المشاركة المستمرة في مسابقات ومعارض الفنون المقام حينها، كما وأن حديثهم المسجل عبر الفيديوهات المرئية جعلني أحلّق في فضاء من التساؤلات، كان من أبرزها:

١- ما الملهم الحقيقي للتجربة الفنية لدى أي فنان؟

٢- ما العناصر الأساسية التي يمتلكها أي فنان تجعل فنه إرثًا وطنيًا ثم عالميًا؟

٣- ما هو أسلوبك الفني، وما الذي أضفته له حتى يكون أسلوبًا خاصًا بك؟ 

كانوا وما زالوا رموز الفن الجميل، والعطاء الوفير، لهم أزكى التحايا وأصدق الدعوات لما قدّموا للفن وللوطن، فنانو القاعة الفرعية رقم (9) لمعرض شواهد على الفن بالترتيب وفق تنظيم المعرض، وبعدستي هم: 

الفنان التشكيلي محمد المنيف، والفنان التشكيلي محمد حماس، والفنان التشكيلي الدكتور عبد الرحمن الرصيص، والفنان التشكيلي عبد العزيز عاشور، والفنانة التشكيلية تغريد البقشي.

معروضات الفنان التشكيلي محمد المنيف (1952)

عبارة عن سبع لوحات كبيرة الحجم، تعكس اتجاه موحد للفنان، وتعكس ميله إلى التجريد باستخدام الخطوط المتعرجة والألوان الصحرواية مع اللون البنفسجي والأزرق والأخضر، وبعض من الرموز التراثية (النخيل – الخوص – أشكال هندسية – منازل قديمة) مع عرض مرئي يتحدث عن تجربته الفنية، مؤكدًا أن البيئة هي المعلم الأول للفنان، وأن اتباع مدرسة أو اتجاه فني بعينه غير مهم، وإنما تكمن الأهمية في قدرة الفنان في الجمع بأكثر من أسلوب في لوحته، ودعا الفنان المعاصر بأن يعمل وينتج ويدرس الإبداع؛ لأن ما سينتجه حتمًا سيزهر ويصبح إرثًا ثقافيًا وطنيًا حضاريًا. 

 

 

 

 

 

معروضات الفنان التشكيلي محمد حماس (1953)

عبارة عن ست لوحات كبيرة الحجم، تعكس اتجاهات متعددة للفنان، وتعكس ميله إلى التجريد باستخدام تقنيات متعددة لخامات لوحاته التي تشع بالألوان الزاهية المتداخلة مع بعض من الرموز التراثية، مع عرض مرئي يتحدث عن تجربته الفنية، مشيرًا إلى أن المجتمع والطبيعة المحيطة لهما أثر في ثقافة وتطور الفنان، وذكر أنه أنتج قرابة (5000) عمل فني يضاهي التجريدية العالمية، متنقلًا من التجريدية المنتظمة إلى التجريدية العشوائية التي تعكس هويته التراثية وألوان الشرق الساحرة.

 

 

 

 

 

معروضات الفنان التشكيلي الدكتور عبد الرحمن الرصيص (1950)

عبارة عن سبع لوحات متعددة الأحجام والألوان والاتجاهات، مع عرض مرئي يتحدث عن تجربته الفنية، وهو يرى أن البيئة معطاءة للفنان، وأن الفن خبرة وممارسة، وتعامل مع الأدوات الفنية من قلم الرصاص، والحبر، والفرشاة، مع مراعاة حركة اليد والإيماءات والتفاعلات، والاستلهام من البيئة حتمًا يعطي فكرة تخرج لوحة بأسلوب خاص بالفنان، وانطلاقًا من التركيز على جماليات العمارة في الفن الإسلامي، والتسطيح، وانعدام المنظور، والتجريد الهندسي المختزن كل أولئك كوَّنوا ثروةً فنية مميزة للرصيص.  

 

 

 

 

معروضات الفنانة التشكيلية تغريد البقشي (1975)

عبارة عن سبع لوحات كبيرة الحجم، تعكس الاتجاه التعبيري للفنانة الذي يركّز على عنصر المرأة وجوانب الحياة الاجتماعية لها، مع عرض مرئي تتحدث عن تجربتها الفنية قائلةً: “البيئة هي الإلهام الحقيقي لي – الفنان لا يتوقف – الانطلاقة إلى عالم متشعب – اللون والفن لا حدود لهما”.  لذلك كانت قضايا المجتمع والمرأة والإنسان سلسلةً من الحوارات الصامتة التي تصل إلى وعي المشاهد، كما ترى أن الشغف والإصرار والذاتية عناصر هامة لأن تكون سفيرًا لوطنك ونقل الفكر محليًا وعالميًا عبر لوحاتك.

 

 

 

 

 

 

 

 

معروضات الفنان التشكيلي عبد العزيز عاشور (1963)

عبارة عن ثماني لوحات مختلفة الحجم والشكل والخامة، تعكس تقنيات التجريد مع الخامات المتعددة وتقنية الكولاج، مع عرض مرئي يتحدث عن تجربته الفنية التي لم تتأثر بالبيئة الساحلية، وإنما تتأثر بالتحولات الفكرية في قضايا المجتمع مثل الحروب (حرب الخليج)، الميديا والانفجار المعلوماتي والتقني، كان باحثًا شغوفًا عن لغة تجريدية أصيلة خاصة به، ومعاصرة تعكس فكره، ومركزًا على أهمية تعميق هويته لإنتاج أعمال إبداعية جديدة. 

 

 

 

 

 

لمشاهدة تغطية بصرية ماتعة للمعرض أنصح بزيارة قناة شماريخ على الرابط أدناه

  هنا

معرض شواهد على الفن: تفاصيل محفورة في ذاكرتي التشكيلية (الجزء الأول)

 

 

فاطمة الشريف

المقال منشور في مجلة فرقد الإبداعية (النسخة الثانية) 

منذ افتتاح معرض شواهد على الفن برعاية وزارة الثقافة -المُقام في المتحف الوطني بمدينة 

الرياض والإعلان عن أهدافه وفعالياته خلال الفترة من 27 سبتمبر إلى 6 نوفمبر 2021- وأنا 

أنتظر الوقت المناسب لزيارته والتشرف بالوقوف على رواده وشواهده، فكان الاطلاع باستمرار 

على التغطيات الصحفية رشفات تروي الظمأ، وجرعات تطفئ لهيب الشوق له، إلا أن “ونارٌ من 

الأشواق يشقى بها الجمرُ”.

فيما أكدت جميع الأخبار والمقالات أن المعرض عبارة عن رحلة بصرية توثّق تاريخ الفنون

 التشكيلية في المملكة، وتعرض التطور الفني السعودي على مستوى الشكل والموضوع والفكرة،

 واحتفاء بجهود الفنانين الروّاد والمؤسسين، وحفظ تاريخهم وتقديمه للأجيال الجديدة، الأمر 

الذي لا يمكن معه سوى السفر إليه، والوقوف على عتباته الوثائقية وسجلاته النوعية. 

حتى جاء يوم الخميس الموافق الرابع من نوفمبر 2021، أي قبل إغلاق المعرض بيومين، ولديّ 

مع الافتتاح والاختتام قصة وذكرى، فمتى كانت الجهود متظافرة فلا تعدو أن تكون النهاية بداية 

أخرى لقصة جديدة مشوقة، قضيت مساء يومين في التجوال في جنبات المعرض، فكان لقائي 

الأول برواد ومؤسسي ومبدعي الفن التشكيلي السعودي على مدى خمسة عقود ممتعًا مميزًا، 

فرأيت أعمالًا وقرأت أسماء بعضها أعرفها تمامًا، وبعضها أول مرة أرى لها وأقرأ عنها، وبعضها

 قرأت عنها ولم أرَ لها إلا في المعرض.

وها هنا اليوم أعود معكم بذاكرتي للمعرض، وكأنه كتاب مرئي أمام ناظري، تقلّبه أناملي وكأنه

 سجل تاريخي أشارك في نثر تفاصيله المحفورة في ذاكرتي، الممزوجة بأجندة تخيلية من وحي 

أمنياتي وطموحاتي لذلك المعرض الذي حوى قاعتين كبيرتين: 

قاعة العرض الرئيسة رقم (١٠) والتى أسميتها باكورة الخمس العقود الأولى للفن السعودي 

حيث يستقبلك ممر موزع يحدد لك مدخل ومخرج المعرض، له ثلاث جداريات خضراء، دوّن عليها 

فقرات تعريفية عن المعرض، من أبرز عباراتها: 

مقتنيات وزارة الثقافة لأعمال الفنانين السعوديين في معارض ومسابقات رعاية الشباب. 

قائمة بأسماء الفنانين والفنانات، وعددهم تسعة وثلاثون فنانًا وفنانة.

كلمات الدكتورة مها السنان تحكي بدايات رحلة المقتنيات الفنية من رعاية الشباب لوزارة الثقافة، 

 قائلة فيها:   

“معرض شواهد على الفن يدعوكم إلى رحلة بصرية تبدأ من سبعينات القرن الميلادي وحتى بدايات الألفية الجديد، تقدم الأعمال صورة لتاريخ الفن السعودي الحديث، تساهم في تقديم مادة مناسبة لدراسة الفنون البصرية في تلك المرحلة وتدوينها.”             

أنتجت تلك الكلمات حديثًا شائقًا في جلسة حوارية بعنوان: “رحلة المقتنيات الفنية من رعاية 

الشباب لوزارة الثقافة” استضافت فيها الدكتورة مها السنان كلًا من الدكتورة سوزان اليحيى 

والدكتورة حنان الأحمد، فريق المشروع الوطني في توثيق وتصنيف وتدقيق أعمال رواد الفن 

السعودي زهاء نصف قرن، حيث كانت مقتنيات فنية مملوكة للرئاسة العامة لرعاية الشباب 

(وزارة الرياضة حاليًا) فجاءت رحلة حفظ تلك المقتنيات وتخزينها، ثم انتقالها للهيئة العليا 

لتطوير مدينة الرياض (الهيئة الملكية لتطوير مدينة الرياض حاليًا) وقالت: “إن عملية النقل 

والحصر والتوثيق والحفظ تمت في عام 2015، من قبل شركة ليان الثقافية، حيث بلغ عدد الأعمال

 الفنية حوالي 2000 عمل فني، عمل عليها الفريق من خلال الفرز الأولي، وفتح الأعمال وتنظيفها 

وتدوين معلوماتها ثم تغليفها، حتى انتقلت ملكيتها إلى وزارة الثقافة في عام 2019.

تبدأ الرحلة البصرية -التي وددت لو أن لوحاتها كانت مصنفة وفق التسلسل التاريخي لعرضها؛

 ليتسنى للقارئ تصنيف اتجاهات ومدارس تلك اللوحات- بلوحة استغاثة ٢ أغسطس للفنان 

عبد الله عبد الكريم الشيخ، والتي تستحق أن تكون لوحة تحكي معها حدثًا تاريخيًا في ذلك 

الوقت (الغزو العراقي للكويت) ثم تتراص اللوحات الفرادى بين مجموعة كبار الفنانين، فكانت 

مجموعة الفنان بالود حسن بالود هي الأولى، تلتها مجموعة الفنان عبد الله حماس وهي الأغزر 

والأمتع، ثم مجموعة الفنان عبد الرحمن السليمان خلال الثمانينات والتسعينات، ثم ثنائية 

الفنان إبراهيم النغيثر، ثم مجموعة الفنان محمد السليم في الثمانينات، ثم مجموعة الفنان

 محمد سيام المبهرة، ثم  ثنائية الفنان حسن علي عسيري، ثم مجموعة الفنان جاسم زمان (٢٠٠٠)،

 ثم مجموعة الفنان عبد الله عبد المحسن المرزوق في الثمانينات، ثم مجموعة عبد العزيز عاشور 

السيد في الثمانينات، ثم مجموعة الفنان إحسان عبد الجليل برهان في التسعينات، ثم مجموعة

 الفنان علي الصفار في التسعينات، ثم مجموعة الفنانة تغريد البقشي (٢٠٠٤)، وثنائيات الفنان

 ناصر الموسى، وثنائيات الفنان عبد الله الشلتي، ويغلق المعرض بلوحات عبارة عن مجموعة فنية

 لكل من الفنان فهد خليف، والفنان إبراهيم الفصام، والفنان عبد الله إدريس، وتتداخل مع تلك 

اللوحات جداريات سوداء دوّن عليها اقتباسات من كتاب الفن التشكيلي السعودي في المنطقة

 الشرقية للفنان عبد الرحمن السليمان

منصة الجلسات الحوارية والذكريات التشكيلية

تتوسط قاعة العرض الرئيسة قاعة فرعية أسميتها منصة الجلسات الحوارية والذكريات التشكيلية، حيث ضمّ المعرض خمس جلسات حوارية، شارك فيها مجموعة من الأكاديميين والنقاد والفنانين  للحديث عن تاريخ الفنون البصرية في المملكة العربية السعودية، والتي وددت أنها كانت في أيام متصلة ليتسنى الحضور

 والانتظام في جميع الجلسات، عرضت المنصة صور تذكارية لتشريف ودعم كل من الأمير فيصل

 بن فهد، والأمير نواف بن فيصل بن فهد، والأمير سلطان بن فهد، وحوت طاولات عرض زجاجية 

لبعض الكتب التشكيلية خلال تلك العقود الطليعة: بدايات الفن التشكيلي السعودي 

(ولعله أقدم نسخة معروضة)، وكتاب تاريخ الفن التشكيلي في المملكة العربية السعودية، 

وكتاب مسيرة الفن التشكيلي السعودي، وكتاب الصحراء في التصوير التشكيلي السعودي،

 وكتاب محمد الرصيص المعلم والفنان، وكتاب الرضوي في مشواره الفني، وكتاب الموسوعة 

الوصفية لحركة الفن التشكيلي النسائي بالمملكة العربية السعودية، وكتاب المرأة والفن التشكيلي في المملكة العربية السعودية، وكتاب ضياء عزيز ضياء، وكتاب التشكيليون السعوديون، وكتاب معارض 

التربية الفنية ومعارض الفنانين المختصين، وكتاب إبداع لا ينضب، وكتاب

 Saudi Arabia: An Artists View of the Past باللغة الإنجليزية والعربية للفنانة صفية 

بنت زقر.        

تسريبات راقتني من الجلسات الحوارية اقتبستها من التغطيات الإعلامية للصحف المحلية:  

الدكتور محمد الرصيص يؤكد أن الحركة التشكيلية مرت بمرحلتين، بدءًا من الستينات حتى 

منتصف القرن العشرين، ثم المرحلة اللاحقة التي أطلق عليها الفن المعاصر، موضحًا أن معظم 

الفنانين السعوديين تتلمذوا بمعهد التربية الفنية (لم يكن هناك كلية للفنون الجميلة تخرج فنانين محترفين).

الفنان التشكيلي المصري إيهاب اللبان يعتقد أن الفنون بمثابة أساسيات راسخة لكل المجتمعات،

 تنطلق منها الثقافة بمختلف أنواعها؛ لتشكل ملامح الأفراد الفكرية، وتكوّن التوجهات والآراء 

غالبًا، وأشار إلى أن المجتمعات العربية في حاجة للتحول من الإنتاج الثقافي إلى الاستثمار 

الثقافي، وتحويل الفنون إلى ضرورة مجتمعية.

أشادت الدكتورة إيمان الجبرين بالفنانة السعودية التي أثبتت قدرتها في إدارة الثقافة التشكيلية، مشيرةً إلى أن الفنانة صفية بن زقر مثال على تخطي التحديات، مؤكدةً ضرورة المبادرات الفردية، ومبادرات 

القطاع الخاص، وعدم الركون إلى الإنفاق الحكومي، مشددةً على ضرورة أن يكون الفنان والفنانة

 مشاركين في القضايا الوطنية والإقليمية والعالمية، ومتشابكين مع البيئات المختلفة ومصادر 

الثقافة المتعددة.

أشار الفنان والكاتب التشكيلي فيصل الخديدي إلى أن الفنان التشكيلي جزء من مجتمعه، 

وأن الجماعات الفنية بمنهجياتها وفلسفاتها قدمت فكرًا تقدميًا وتنويريًا جديدًا على المجتمع، 

حيث راعت حاجات الفنانين الاجتماعية والتنظيمية.

قدم الفنان والكاتب التشكيلي عبد الرحمن السليمان لمحة تاريخية عن اقتناء الأعمال الفنية 

وبدايتها، وقال: “نقيس الاقتناء بعمر الساحة الفنية، وابتداءً بالمعارض المُبكرة التي شهدتها 

الستينيات من القرن الماضي، عندما أقام الفنانون الكبار آنذاك معارضهم الفردية، وكانت

 الإهداءات السمة الأكبر في ذلك الحين، ثم طلبت أرامكو السعودية من الفنان عبد الحليم رضوي

 أن يرسم بعض المواضيع المتعلقة بالبترول لاختيار لوحة توضع على غلاف التقرير السنوي

 للشركة، فكانت أولى مبادرات الاقتناء المحلية ذات القيمة”.

قال الفنان التشكيلي بكر شيخون: “إن القط العسيري ألهمه منذ أن كان صغيرًا، حيث كانت 

والدته تنقش الأنماط الهندسية فيما ساعدها بالتلوين.”  وأردف: “من غير شك أن الطبيعة هي

 المدرسة الفنية الأولى، ووجودي في بيئة زاخرة بالمظاهر الأخاذة زرع بداخلي بذرة تسارعت في 

النمو لاحقاً…”

استعرضت الفنانة التشكيلية مها الملوح تجربتها: “أثار حفيظتي الفنية أثناء دراستي بعض الأدوات المنزلية التي كنت على وشك التخلص منها، لكن وضعتها على مكبر فوتوغرام، الأمر الذي أنتج أعمالًا فنية وإبداعية، أقمت من خلالها معرضًا شخصيًا عام 2007م بالرياض…”

قدّم المعرض إرثًا تشكيليًا جديرًا بهذا الاحتفاء والتكريم، ومادة خصبة وغنية للمهتمين في دراسة 

الفنون البصرية، وسجلًا تاريخيًا موثقًا الدور الرائد والرعاية المستمرة والعطاء المادي والمعنوي 

 للفنان السعودي من قبل القطاعات الثقافية بالمملكة منذ نشأتها، الأمر الذي صادقت عليه كما هو

 مكتوب على إحدى الجداريات الخضراء في مدخل المعرض، دفع بالكثير من الأسماء للتميّز 

والاستمرار في التطور لتمثيل هويته الثقافية والافتخار بها، إنها ليست دوافع الفوز وصناعة

 الاسم فحسب، بل للرقي بالحركة الفنية في هذ الوطن.  

صورة من جريدة الرياض الإلكترونية لوسط المعرض

بعدستى للوحات 

معرض شواهـــــ على الفن ـــــــــــــد 

لوحة غير معرفة ومؤرخة على سطحها للفنان إبراهيم النغيثر 

لوحات في الثمانينات

لوحة الفنان بكر شيخون (زيت على كانفس ١٩٨٣)

لوحات الفنان محمد السليم في (١٩٨٧)

لوحة تكوين للفنان محمد المنيف (١٩٨٩) 

لوحات في التسعينات

لوحة استغاثة ٢ أغسطس، للفنان عبد الله عبد الكريم الشيخ (١٩٩٠)

لوحة الفنان خليل حسن خليل (١٩٩٢)

ثنائية علي الصفار (١٩٩٧- إكليريك)

لوحات في ٢٠٠٠ 

لوحة تكوين حروفي (باستيل) الفنان مفرح علي عسيري (٢٠٠٠)

اللوحات النسائية في المعرض (عددها ٦)

لوحة غربتنا (طباعة) الفنانة رائدة عاشور (٢٠٠٠)

لوحة رضية برقاوي (زيت)

لوحة علا حجازي (٢٠٠٢)

لوحة من المجموعة الثلاثية ضوء من الداخل (زيت) الفنانة تغريد البقشي (٢٠٠٤)

مجموعة فنية في لوحة

الفنان إبراهيم الفصام 

الفنان فهد خليف

الفنان عبد الله إدريس

منصة الجلسات الحوارية والذكريات التشكيلية

عرض الطاولات الزجاجية للكتب المنشورة خلال العقود الخمسة

ختامًا، تهنئة لكل فنان ولوحة حظيت بالدخول في معرض شواهد على الفن باعتبار المعرض التشكيلي من أوائل إنجازات وزارة الثقافة في توثيق الفن السعودي خلال العقود السابقة.

جزء مقصوص من جدارية أسماء الفنانين والفنانات المشاركين في المعرض باللغة العربية والإنجليزية

لمشاهدة تغطية بصرية ماتعة للمعرض أنصح بزيارة قناة شماريخ على الرابط أدناه

انقر هنا

الجزء الثاني





المعذرة عام 1447

 مع بداية عام 1447 أقدم اعتذاري له، حيث أني عند كتابة مقالي بعنوان الهجرة النبوية: رحلة عبر الزمنكان واللون افتتحت المقال بهذه الفقرة:  ...