حديقة الرسام الفرنسي “أوسكار كلود مونيه” في طائف الورد (My Visit for Monet's House in France)

 


فاطمة الشريف

المقال منشور في مجلة فرقد الإبداعية النسخة الثانية على الرابط: هنا

بفعاليات متنوعة انطلقت النسخة الثانية من مهرجان “طائف الورد” بمدينة الطائف خلال الفترة من 5-19 مايو2022، وأقيمت فعالياته في 3 مواقع رئيسية على مدى 14 يوماً، وكان من أبرز تلك المواقع حديقة الردف التي حوت العديد من المناشط الثقافية والتشكيلية المتنوعة مثل: ورش عمل فنية ومهنية، ومقصورات الشارع الثقافي، ومعرض الرسوم، وأكبر سلة ورد في خيمة حديقة الردف، وحديقة مونيه في فعالية الورد في الفن.

حديقة الرسام الفرنسي أوسكار كلود مونيه (Oscar-Claude Monet) التي جاء اختيارها موفقاً ومناسبا لفعاليات مهرجان “طائف الورد 2022”، وملهما لمحبي الورد والطبيعة، ودعوة جادة إلى أهمية الانتماء للمكان والزمان، وتتبع آثارهما الجمالية وأبرز كل ذلك عبر اللون والتكوين، حيث تم عرض أهم جزء من حديقة مونيه عبر شاشة عرض عملاقة تعرض ثلاث عناصر رئيسة في أشهر لوحات مونيه: الحديقة ومحتوياتها من شجر وثمر وزهر، البركة المائية وانعكاسات ضوء الشمس والقمر عليها، والجسر الياباني بمنزله في مدينة جيفرني (Giverny) بأقليم نورماندي (Normandy) في الشمال من فرنسا، تلك الحديقة أكبر مصدر إلهام له مدة 40 عامًا، فقد رسم أشهر مجموعاته التشكيلية فيها. 

في تلك الأجواء الطائفية، أمام تلك الشاشة العملاقة، التي عرضت بأسلوب فني ضوئي مبهج أشجار الصفصاف وزنابق الماء، ومع رؤية البركة المائية، وأصوات المياه المتدفقة، والشتول المعلقة في مقصورات عرضت كذلك بعض من لوحات مونيه؛ لتظهر بعض من أشجار وأزهار ونباتات الحديقة، مما يشعرك بروائح زكيّة تعانق نسمات الطائف العليل، مع أصوات العزف الهادئ، وأصوات الطير، وتمايل أوارق الشجر، مما يجعلك تشعر أنك ماثلا أمام مونيه نفسه تتحدث معه عن فنه، وأنك جزءاً من تلك الحديقة الغنّاء، نعم لا يمكن للزائر أن يمرر تلك التجربة الفنية دون التنقيب في ذاكرته التشكيلية، واسترجاع بعض مما شاهده أو قرأه عن إبداعات مونيه الفنية الفريدة.  

من أقوال مونيه الشهيرة:

مما كتبه في رحلته في الجزائر:

“الألوان الفاتحة والحيوية لشمال إفريقيا تحتوي على بذرة تطلعاتي الفنية والمستقبلية”.   

وكتب ذات مرة عن نفسه لصديقه:

“يا صديقي، أنا لست صانع معجزات، أنا فقط أستخدم الكثير من الألوان وأستهلكها، فالألوان هي هوسي ومتعتي ووجعي، أنا لم أتحول لرسام انطباعي فقد كنت كذلك بالفعل طوال حياتي.” 

ويقول دوما:

“المهم ليس ما ترسمه بل ما تصوره “، “أحب الرسم كما يغني الطائر”. 

محطات ورحلات مونيه:

ارتبط فن مونيه بالمعمار والطبيعة، وكان شغوفا برسم الأماكن التي عاش فيها أو زارها، واشتغل كثيرا  بتأثير الضوء على مرئياته، فهو يرسم انطباعاته فيما يشاهد، ويرصد من التفاصيل الدقيقة ما يعيد السمات الطبوغرافية للمناظر كما يراه هو، لقد طوّر لغة بصرية جديدة خاصة به، وآلية رسم مبتكرة تعتمد على تفتيت الأسطح، وإظهار مراحل الرسم المتمثلة بضربات الفرشاة.

يذهب الرسامون في عصره إلى متحف اللوفر لنسخ اللوحات المعروضة هنالك، أما هو فكان يرسم إطلالة المتحف الخارجية من إحدى نوافذه، فهو يرى أهمية بذل الجهد في إثبات ذاته كرسام متفرد بأسلوبه وآليته الخاصة به، وعرض لوحاته للنقد الفني، وهو لا يرغب مقارنة أعماله بكبار فناني الماضي.

كان مونيه ينتقى اختيار مشهده التشكيلي بعناية وحذر، فجاءت لوحات محطة القطار تعكس الانبهار بالسكة الحديدية، والتطور والحداثة في ذلك العصر، فنرى السرعة والاندفاع وتلألأ الحياة هي القوة الدافعة واللحظة الخاطفة الذي أرادها وضعها في مشاهد تلك اللوحات.

كان مونيه يراقب الظل والضوء والحركة على الماء وتحتها وهو على جسر حديقته، متتبعا أثر الضوء الذي يخرج بين حقل أشجار البامبو والزهور المائية، ويتسلل مختالا بين قضبان الجسر الخشبي، إنه بالفعل  جسر ضوء  ليلة قمر، الذي يسمح تصميمه بمرور الضوء، فكانت الحديقة مركزا الهام، ومنبع ايحاء له في رصد ألوان ورق شجر الصفصاف، وزهور اللوتس، وزنبق الماء، فهي يؤمن أن لضوء الشمس، ونور القمر، وانعكاسهما المبهر على الموجودات والأماكن حولهما تعطي انطباعا رائعا.  

يعد مونيه الأكثر غزارة في الإنتاج التشكيلي في الفترة من 1858 إلى 1925؛ وذلك لتنوع خبراته، وتعدد تنقلاته فقد وثّق حياته وسيرته التشكيلية عبر لوحاته، رسم الكثير من اللوحات عن نهر التايمز وحدائق لندن الشهيرة، وزهور التوليب في هولندا، والمعالم الطبيعية  والبحرية في البندقية، ومنازله في كل من باريس، وأرجنتوي (Argenteuil) فيتاي (vetheuil)، جيفرني (Giverny)، أدى به طموحه إلى توثيق الريف الفرنسي عبر أسلوب خاص لرسم المشهد عدة مرات، والتقاط الضوء المتغير، وأثر الفصول الأربعة على المشهد ذاته. من أشهر تلك المشاهد التشكيلية: سلسلة أكوام القش (Grainstacks)، ولوحات كاتدرائية روان (Rouen Cathedral at sunset)، ولوحات زنابق الماء 

(Water Lilies,)، وشجر الصفصاف (Poplars) في حديقته في جيفرني. 

كانت باريس (Paris)، مسقط رأسه، والتي درس فيها الفنون والتقى بكبار أساتذة الفن في ذلك الوقت أمثال ( Eugène Boudin ) الذي شجعه على الرسم في الهواء الطلق، وأبرز أهم معالم فرنسا في الحدائق ونهر السين في كافة المواسم دون ملل من باريس حتى البحر، وعلى ورشته الفنية على قارب لرسم أكثر ما يفضله في النهر، ورسم النهضة العمرانية المتمثلة في سكك الحديد، والجسور، والكاتدرائيات.

من أشهر لوحته في باريس:

 (Women in Garden –  La Pointe de la Hève at Low Tide and Mouth of the Seine at Honfleur – The Woman in the Green Dress and Pavé de Chailly

أنتقل بعد ذلك إلى مدينة إتريتا ( Étretat ) حيث طور رسمه في دمج أسلوبه الخاص في رسم الشخصيات “البرجوازية المعاصرة” في الهواء الطلق، ومن لوحات تلك المدينة، كما رسم جروف إيتريتا بطريقة مختلفة أعاد تشكيل شواطئها بأسلوبه، وطريقته الفنية، معيدا فيها انعكاسات الضوء على الماء والحجارة.

من أشهر لوحته في إيتريتا:

(The Beach at Sainte -Adresse and On the Bank of the Seine- The Cliffs at Etretat)

تعد إقامته في في مدينة أرجنتوي  (Argenteuil) الفترة الذهبية في انتاجه التشكيلي، والتي جاءت بعد قضائه فترة الحرب الفرنسية الألمانية في لندن، حيث حسّنت تلك المرحلة الكثير من تقنيات الضوء لديه لاسيما بعد التقائه مع العديد من مشاهير الرسم آنذاك (John Constable & J. M. W. Turner )، فعاد إلى مدينة أرجنتوي الفرنسية، مجسدا إقامته بها بمشاعر السلام والسكينة والاستقرار لديه بعد الحرب الفرنسية الألمانية، فدرس نظريات الضوء مستعينا بدراسات وأبحاث العالم الكيمائي ( Michel Eugène Chevreul)، ورصدت لوحاته الأنشطة الترفيهية للطبقة البرجوازية في تلك المدينة، ورصدت فترة تاريخية هامة لها، تعتزم بلدية المدينة تحويل منزله إلى متحف فني، ومن أشهر لوحات تلك المدينة:

 ( Gladioli – Camille Monet on a Garden Bench)

في معرضه الأول، في عام 1874، في باريس عرض مونيه لوحاته: 

Impression: Sunrise – Luncheon – Boulevard des Capucines) 

كتب الناقد الفني (Louis Leroy)  نقدا معادياً لتلك الأعمال، مع التعليق بشكل خاص إلى (Impression ) إلى لوحة انطباع الشمس، والتي تصور ميناء لوهافر بأسلوب ضبابي، صاغه تحت مصطلح “الانطباعية”، والذي كان يشير إلى اللوحة على أنها غير مكتملة، في حين أشاد آخرون أمثال (Louis Edmond Duranty) على أن أسلوب مونيه تحديدا “ثورة في الرسم”، ومن هنا أشتهر بلقب رائد الانطباعية، وواصل مونيه سلسلة معارض يعزز فيها أسلوبه الجديد بتقنيات ومشاهد تشكيلية متنوعة.

انتقل بعد ذلك إلى مدينة فيتياي (vetheuil )، رسم هنالك ما يقارب  240 منتقيا أفكاره، ملتقطا اللحظة؛ ليرسم المستحيل المبهر، ومن لوحات تلك المدينة:

(Camille Monet On Her Deathbed – Vétheuil in the Fog)

في لحظات خاطفة عبر نافذة القطار متنقلا من مدينة لأخرى لمح في إقليم نورماندي مدينة جيفرني (Giverny) الساحرة، فقرر الانتقال إليها لسحر طبيعتها الخلابة.

من إطلالة منزله، وبين جنبات حديقته الغناء، عقد مونيه علاقة مع  التصوير؛  ليفهم تفاصيل أجزاء تكويناته المختارة بعناية فائقة، ويبني لوحاته عليه، فكان يصوّر الواقع نفسه، فكانت لوحاته تتجاوز لقطاته الفوتوغرافية لمشاهد التشكيلية إلى ما وراء الواقع؛ ليجعل الواقع المتغير تكتلات لونية ملموسة بانطباعات الرسام المختلف عن أقرانه وجيل عصره.

أصبحت حديقته وموجوداته سمة لوحاته زهاء الأربعين سنة الأخيرة من حياته، عكست لوحات تلك الفترة بتكدس ووفرة الألوان والنشوة التي كان يشعر بها، وتأثير الضوء والطقس والتوقيت لسمات حديقته، فحاول فهم زنابق الماء وانعكاسها على سطح الماء، فقد أجاد تمثيل طفو الزهرة على سطح الماء، مظهرا الضوء والمساحة بدقة تعكس انطباعه حيال زنابق الماء، وكأنه بستاني محترف، تتكون سلسلة زنابق الماء من من حوالي 250 لوحة زيتية، وبالرغم من معاناته من إعتام عدسة العين، والذي يُظهر ظهور اللون الأحمر في أغلب لوحاته الأخيرة، ومن أشهر لوحاته خلال إقامته في جيفرني: 

  ( Waterloo Bridge series  –  seriesThe Bridge over a Pond of Water Lilies  – Water Lilies series -Flowering  Arches- Rouen Cathedral series – Grainstack in the Sunlight, Snow Effect

انتشرت أعماله في جميع متاحف العالم ( فرنسا – كبريات مدن أمريكا الشمالية والجنوبية – لندن – أستراليا – اليابان – فينسيا – المانيا – هنغاريا)، وضمن المقتنيات الخاصة لوحة واحدة في متحف عائشة فهمي في مصر. 

عند نسخ أسماء اللوحات المشار إليها أعلاه في المدن التي تنقّل بينها، والبحث عنها في محرك صور جوجل، والوقوف عليها فنياً، ندرك تماما أن مونيه كان رساما انطباعيا، وإنه لم يعرف غير هذا الأسلوب في الرسم، فقط كان حريصاً على تعزيز تجاربه اللونية، متحررا من جميع معايير اللوحة السابقة التي كانت شائعه في عصره، كما كان مصورا بارعا للريف الفرنسي، وموثقا أمينا لجنبات حديقته ومنزله وحياته عبر لوحات بارعة، والتي تراها اليوم في مقتنياته في منزله في جيفرني عبر ما التقطته عدسة فاطمة الشريف من لوحات بمنزله وحديقته في فرنسا 2019:


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

(12) مجالا لخطة 2024

قانون كونفوشيوس – قانون الغربنة في التدريب

كساء التوبة الضافي ... تأملات

مزاج البسطاء

تقنية السكينة السريعة للبروفيسور عبدالله العبدالقادر (Quick Coherence Technique )

قراءة فنية لجدارية كيث هارينغ