اليوم العالمي للشباب 2022: آراء ومقترحات



الرياض_فاطمة الشريف

 الثاني عشر أب/ أغسطس يحتفي العالم باليوم العالمي للشباب، وموضوع عام 2022 هو:

التضامن بين الأجيال: صناعة عالم لكافة الأعمار.

وفي إطار منظومة الأهداف التي تسعى المملكة العربية السعودية إلى تحقيقها دعمًا لمسيرة الشباب وتعزيزًا لمشاركتهم في مرتكزات رؤية السعودية 2030 المتمثلة في مجتمع حيوي والاقتصاد المزدهر ووطن طموح، والتي تؤكد على أهمية بناء وتأهيل شباب واعي طموح، له دور هام  في دفع عجلة التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وعلى أهمية تمكين شباب اليوم لقيادة مجتمع حيوي واقتصاد واعد، دار نقاش بين مجموعة بقامات فكرية وثقافية وعلمية حول المحاور أدناه:

كيف يكون الشباب السعودي انموذجًا حيويًا في مجتمعهم وقدوة يحتذى بها ؟ 

ما دور الشباب لصناعة مجتمع حيوي؟

كيف يكون الدعم والمساندة لهم من قبل الجيل الأسبق؟ وما واجبهم حيال ذلك الجيل ؟

ما الركائز النفسية والاجتماعية والثقافية المؤهلة لهم حيال هذا الدور؟

فجاء النقاش معززًا لأهمية مبدأ الوسطية في سلوك الشباب، والاقتداء بالنبي محمد عليه الصلاة والسلام وعلى آله وصحبة الكرام، والحصانة العقدية والفكرية لهم، وحراسة القيم والفضيلة…

يؤكد أ.د. علاء البكري، رئيس مجلس إدارة  ومؤسس مجموعة مراكز الاستشارات والتدريب الدولية (جكتيك) أن:

“الشباب هم عماد المستقبل، والتحدي الكبير حاليًا هو كيفية تحصين الشباب في فضاء مفتوح من إعلام، وسرعة الوصول إلى المعلومة، ووسائط التواصل الاجتماعي، والمناهج التي تحتوي أشياء خلافية أحيانًا وغيرها من التحديات، كما يجب تأمين العمل للشباب، وحل مشكلة الفراغ وإشغالهم ببرامج وأنشطة موجهة للشباب؛ لتمكينهم وزرع الولاء والانتماء لقيادتهم ووطنهم ودينهم فيهم، وعندما يتم هذا التحصين فوقتها سنضمن وبشكل كبير عدم انجرافهم لتيارات غريبة وقبولهم لأجندات خارج منظومتنا العربية والمسلمة، وعندها يمكن إرسال الشباب إلى أي مكان في العالم للدراسة أو العمل دون أن نقلق بأنهم سيتأثرون في أي شيء خارج قيمنا وعاداتنا و تقاليدنا، وهذا التحصين هو التحدي الحقيقي لنا.”

فيما دعت د.هيا عبدالعزيز العواد وكيل وزارة التعليم السابق أهمية إجراء دراسات بحثية ميدانية معمقة في الجامعات والمراكز البحثية من الكفاءات العلمية المتخصصين في علم الاجتماع، للكشف عن بعض الظواهر المتعلقة بالشباب مثل (الإلحاد والتفسخ من القيم والانحراف عن الوسطية إما تطرفًا أو غلوًا) والكشف عن حقيقتها وخباياها: هل هي فعلا أمور قد زادت أم أنها طفت إلى السطح وظهرت في النور مع ثورة وسائل التواصل الاجتماعي التي كشفت العيوب المستورة وأظهرت الغث قبل السمين من مساوئ البشر في كافة المجتمعات؟ وهل فعلاً هذه العيوب هي عيوب أصيلة في مجتمعنا وبين شبابنا الذين نحسب غالبيتهم من الصالحين أم أنها أمور دخيلة يتبناها متلبسين للهوية السعودية وهم من دول أخرى وقد كُشف النقاب عن بعضهم؟

حتى يمكن البناء على نتائجها لطرح الحلول المنطقية والقابلة للتطبيق في مجتمعنا.

فيما يؤكد أ.د.عبدالرحمن بن عثمان الهليّل أستاذ الأدب والنقد بجامعة الملك سعود

 “مهما تعددت الآراء في الطرق الكفيلة لاستقامة الشباب والشابات على دين الله، مع ما يواجهون من إغراءات وتحديات، وغزوًا ساحقًا من الثقافات الضالة المنحرفة تطرفًا أو تفريطًا، ومهما كثرت الشروح في هذا الموضوع فإن الطريق الوحيد هو التمسك بمنهج الله الذي ارتضاه لعباده، وألزمهم بالتمسك به، وهذا لا يحصل إلا بتوفيق الله له، وإعانته عليه أولا، ثم بالتربية عليه منذ الصغر، فما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه ومن في حكمهم يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه، أو يعلمنانه إلى  آخره.”

ويعلّق أ.د غازي غزاي المطيري أستاذ الدعوة والثقافة الإسلامية بجامعة المدينة المنورة:

“إن جميع أفراد المجتمع عليهم أن يستوعبوا منظومة متنوعة علميًا وعمليًا ودعويًا واخلاقيًا، والتي تبدأ بغرس الثقة في النفوس بالمنهجية الشرعية، والتضلع في العلوم الشرعية والمدنية والوفرة والخبرة العملية، بما تسمح بفتح باب الحوار مع الأخر بثقة ووعي، ولاسيما فيما يتصل بالتخصص والمتانة الأخلاقية في مرامي الحياة المختلفة، والتي  لا ننهزم أمام أحداثها الجارية والمتغيرة أو تصاب بالدهشة أو المفاجأة، وقلب ظهر المجن لطرفي النقيض من الميوعة والتساهل أو الغلو والتشدد، مع وعي مكين بروح العصر، وأدبيات التعامل الراقي مع شرائح المجتمع المعاصر في ضوء فقه الشرع الحنيف، والانفتاح على الجديد المفيد دون تهوك أو ازدواجية أو انهزامية أو انعزالية، وهذا يستلزم دورات وخبرات واكتناز تجارب عملية، ولا نلقي الشباب والشابات في مجتمعات جديدة لا عهد لهم بها، كما قال: الأول ألقاه في اليم مكتوفًا وقال له: إياك إياك أن تبتل بالماء.

لاسيما مع وجود تحديات مقابلة وتنظيمات وخطط لاحتواء الشباب والشابات من الطرف الأخر؛ وقد قيل لا يعرف الإسلام من لا يعرف الجاهلية، وفي الحديث (خياركم في الإسلام خياركم في الجاهلية إذا فقهوا)”

كما يرى فضيلته أن “إدراك صيرورة الصراع و مآلاتها ضرورة علمية وعملية لتحقيق قصب السبق، فالصراع بين الحق والباطل مستمر والحرب بينهما سجال والعاقبة دائمًا للحق، متى توفر الحد الأدنى من الوسائل والأساليب الواجبة أو المندوبة أو المباحة، مما يملي علينا تصور حتمية هذا الصراع الذي عبر عنه أحد الشعراء المحبطين بقوله:

متى يبلغ البنيان يوما تمامه

إذا كنت تبني وغيرك يهدم

إذا ألف بانٍ خلفه هادم كفى

فكيف ببنان خلفه ألف هادم

وهذا المنطق اليائس لا نجد له صدى في حياة سادات المربين والمعلمين ( رسل الله وانبيائه) عليهم الصلاة والسلام ، فاعتناق لبوس الواقعية الممكنة والمثالية المرنة، ضرورية في هذا الطريق الطويل، وقد أصبحت المدرسة في نظري اليومَ فرعًا، بينما غدت أدوات  التواصل الاجتماعي أصلاً تلتهم الأوقات وتستنفد الطاقات بصور مذهلة حتى داخل الفصول الدراسية، وهذا لا يعني أن نحمل البيت أو الأسرة أو الشارع المسؤولية، بقدر ما يجب أن تكون هناك رؤية وطنية متجانسة ومتناغمة  تقلب ظهر المجن للتناقض بين المثالية والواقعية، وتقرب الرؤى وتحقق الطموحات، مسددة ومنظمة لتحقيق التوازن بين التحصيل العلمي والبناء الأخلاقي والتشييد النهضوي والحضاري، والترفيه البريء المعتدل، ولازلت أؤكد على حاجتنا للمراجعة الدورية و التفقر والالحاح لمعرفة الهنات والثغرات، ففي أمريكا تجري عملية المراجعة للمناهج الدراسية كل خمس سنوات، ويقرنون كل فشل أو اخفاق بمناهج التعليم بمعناها بما يشمل القائمين والبنية التحتية و الأنظمة و الإدارة واللوائح الخ، وهنا أسئلة ملحة تحتاج إلى إجابات صادقة ومقنعة، واخص بالذكر و التنويه والاشارة إلى  مناهج التعليم ..

-هل أحدثت لدينا نقلة حضارية أم لا ؟ تطير بنا في سرب الدول المتقدمة الكبرى؟؟

-ما مدى التناغم بين مخرجات التعليم والبناء الأخلاقي والتربوي في حياة شبابنا وشباتنا ؟؟

– ماهي اخطاؤنا  التعليمية والتربوية ذات العلائق النهضوية والحضارية وماهي أسبابها؟

– ما هو السبيل الناجع لتصبح القراءة المائدة  المستديرة التي يعب منها الجميع ؟؟

– هل ثمة معايير لمعرفة نمو  الوعي الشبابي والأسْري والمجتمعي لأهمية التعليم ؟؟ “

فيما يرى الأستاذ محمد بن عبدالله العمري أن منهج الوسطية وتعزيزه في الشباب يتشارك فيه أربع جهات على مستوى دول العالم المسلم:

-الحكومات الإسلامية وتوجيهها للقرار لديها، فمن خلال قرار واحد أو عدة قرارات  لوزير مسؤول يمكن السماح رسميًا بفعل يؤدي للقرب من القضية أو البُعد عنها.

ومن أمثلة تلك القرارات موقف بعض الحكومات الإسلامية مما يسمى المثلية، وهو في الواقع (امتداد وإحياء لقوم لوط)، وكذلك بعض القرارات الأخرى مثل السينما والأفلام الموجهة كما هو في فيلم إيراني يُعرض حاليًا في بعض دور السينما الخارجية ضد سيدنا محمد وسيدتنا عائشة والصحابة رضوان الله عليهم.

– البيت ودور الوالدين والأخوة، ووجود قدوة داخل البيت، وارتباطه بمجتمع الأسرة ومجتمع الحي والمسجد وهكذا، وزرع مبادئ الإسلام السمحة، والحوارات الهادفة بين رب الأسرة والشباب بشكل مستمر ومركّز وفاعل.

– التعليم والتعليم والتعليم، وربط المناهج بالواقع الميداني.

– الإعلام المحلي وتقويته وتنويعه والعمل على أن يكون جاذبًا للشباب والشابات.

جاء في ذلك النقاش العلمي آراء ومقترحات ثرية انبثقت من أهمية العمل على بناء وتأهيل وتمكين الشباب على مستويات فردية وأسرية ومجتمعية امتدادًا لعالمنا الإسلامي، نوجز أبرزها في النقاط أدناه لعموم الفائدة:

  • التربية بالقدوة أسهل الطرق وأنجعها، والتربية القائمة على المراقبة الذاتية فيغرس في ذات الشاب ونفسه: إن الله يراك، واليقين بها هو ما يدفع الشباب للدفاع عن القيم، ويحث على التوحيد، وينهى عن أراذل الأخلاق، ويدعو إلى معاليها.
  • أهمية مراجعة المناهج، واستبدال بعضها بأخرى تعمّق مفاهيم القدوة الصالحة والأسوة الحسنة، وتعالج اضطرابات وخلل الشباب، وتعزز مهارات التوافق والتواصل عبر التدريب والتلقي العلمي الرصين والممارسة العملية.
  • التأكيد على مبدأ التحصين والحصانة الفكرية واقتراح المشاريع التربوية الداعمة لذلك.
  • أهمية انتقال خبرة الكبار، وتذليل سبل وصولها للشباب، مع أهمية تركيز الكبار على التربية بالقدوة وتذليل السبل لهم حيال تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
  • الخبرة أمر هام سواء في التلقي فيعرف الشاب أو الشابة كيف يتلقى المعلومات ( العلم )، وممن يتلقى العلم ؟ وما هو العلم المناسب الذي يتلقاه ؟ وما هو العلم الذي يدعه ؟ ثم كيف يتصرف في المواقف ؟ فالحياة متقلبة وقد لا تصفو للفتاة أو الشاب ولكن كيف يتعامل معها ؟ وكيف يعرف الشاب أو الشابة عدوه من صديقه ؟ كل هذه التساؤلات تحتاج خبرة الكبار وتجاربهم.
  • أهمية اقتراح مشاريع وطنية إسلامية تخص الشباب على غرار “وثيقة مكة المكرمة”.
  • الحذر من التنظير الفكري بعيدًا عن التدريب والتلقي العلمي والممارسة العملية.
  • تدريس سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح في المدارس الابتدائية بالتدريج، حتى نهاية المرحلة المتوسطة لأن الطفل بطبيعته يبحث عن قدوة فإن لم يوجه التوجيه المناسب جعل قدوته والده أو المدير، اًو المعلم، أو اللاعب أو المغني وغيره، وليس الوالد أو المدير أو غيره قدوة  دائمًا.
  • دور الشباب الفاعل يكمن في المساهمة الجادة في نهضة الوطن.
  • أن يكون هناك احترام و تقدير بين الأجيال، و أن يستفيد الشباب من خبرات الأجيال السابقة، مع أهمية بعد التمحيص والنقد البناء لها.
  • من أهم الركائز الاجتماعية والثقافية المؤهلة حيال الدور في صناعة مجتمع حيوي احترام للكبير، والرحمة و العطف للصغير، وغرس القيم الفاضلة من خلال الإعلام و التعليم، ومؤسسات الوطن الحكومية و الأهلية.
  • الاجتهاد بالدعاء الصالح للشباب، للأبناء خاصة ولأبناء المسلمين عامة.

وتضيف د. منال بنت عبدالعزيز السالم 

 "الشباب مورد عظيم من موارد بلادنا. تنبهت القيادة الحكيمة إلى أهمية هذا المورد، واستهدفت في رؤيتها رؤية 2030 الاستفادة من هذا المورد المهم.

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا كيف نستثمر في هذا الجيل الصاعد؟

1- تطوير نظام التعليم والتدريب في المملكة، ليزود هذا الجيل بما يلزمه من مهارات ومعارف وقيم واتجاهات، ولا يقتصر دور التعليم على تقديم المعلومات فحسب، بل توظيفها وربطها بالواقع، وتحويلها إلى مهارات وسلوكيات حقيقية.

2- تعزيز الهوي والانتماء لدى هذا الجيل، بتقوية إيمانه، وتمتين وطنيته، وفخره بتاريخه ومكتسبات وطنه،واستيعابه للدور المأمول منه ليحقق لهذا الوطن الريادة بإذن الله، وهذا دور مشترك بين وسائل الاعلام، ومؤسسات التعليم، والأسرة، والمؤسسات الدينية.

3- إتاحة الفرصة لهم للعمل والعطاء واكتساب المهارات وتجريب ا أفكار، لذا فأنا أعتقد أن توجه رؤية المملكة 2030 تحقق بتشجيعها للعمل التطوعي أهدافًا أكبر من توسيع نطاق العمل غير الربحي في المملكة، فهي تدريب عملي حقيقي للشباب على العمل، والمسؤولية، ومهارات العمل بروح الفريق،والمهارات التنظيمية والإدارية، وحل المشكلات، والتواصل الفعال، واتخاذ القرارات ، وقائمة طويلة من القيم والمهارات الناعمة.

4- تقريب الجيل الحالي من الجيل السابق في العمل، بحيث يتم دمجهم في نفس المكاتب والأقسام والإدارات، لتتفاعل الدماء الجديدة والأفكار الواعدة مع الخبرات العميقة والقدرات المتينة، وتنتقل الخبرات المتراكمة بشكل سلس في مقر العمل من ذوي الخبرة إلى زملائهم الأصغر سنًا.


وتختم الاستاذة فاطمة الشريف بأن من أهم الركائز المعينة للشباب على هذا الدور طلب التوفيق والمعونة من الله سبحانه وتعالى ومجاهدة النفس بدفع الشبهات والشكوك القادحة في الإيمان باليقين والتثبت فيما يتعلق بدين الله، وجهادها بدفع الشهوات والإرادات بالصبر والتعلم، مؤكدة على ما أخبر به ابن القيم في كتابه زاد المعاد في قوله تعالى:
 {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ}

أنَّ إمامة الدين إنما تُنال بالصبر واليقين، فالصبر يدفع الشهوات والإرادات، واليقين يدفع الشكوك والشبهات


 ختامًا ما تقدمه الوزرات والهيئات السعودية من برامج تدريبية ومهنية لرفع مستوى الكوادر الوطنية في شتى المجالات، والتي تستهدف طلاب التعليم العام والجامعي وحديثي التخرج وطلاب الماجستير والدكتوراه أيضًا، والتي تركز على رفع نسبة القوى البشرية المؤهلة وضمان استدامتها، وتسعى لتقليص الفجوة بين المهارات المطلوبة في مجال التخصص ومتطلبات سوق العمل، وتوفير أفضل الوسائل لتمكين الشباب السعودي والأخذ بيدهم للانطلاق نحو آفاق النمو والتميز المهني والمعرفي، هو دور فعّال وعطاء مستمر يستحق الامتنان والشكر لله ثم توظيف ذلك كله من قبل شبابنا وشباتنا في نهضة وطننا المعطاء. 


نشر المقال في مجلة فرقد

 أنقر هنا

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

(12) مجالا لخطة 2024

قانون كونفوشيوس – قانون الغربنة في التدريب

كساء التوبة الضافي ... تأملات

مزاج البسطاء

تقنية السكينة السريعة للبروفيسور عبدالله العبدالقادر (Quick Coherence Technique )

قراءة فنية لجدارية كيث هارينغ