الثلاثاء، 30 أغسطس 2022

الدرعية: صور وتواريخ في ذكرى تأسيس السعودية الأولى 2022

 





فاطمة الشريف

في 27 يناير 2022م، الموافق 24 جمادى الآخرة 1443هـ، صدر أمرٌ ملكي يقضي باتخاذ 22 فبراير (شباط) من كل عام يومًا لذكرى تأسيس الدولة السعودية باسم “يوم التأسيس“…

 يُعد القرار التاريخي دعوةً مهمة للمهتمين بتاريخنا، لا أقول لإعادة كتابته فهو مكتوب ومدون وموثق، بل لإعادة قراءته بتمعن شديد وتحليله لإظهار أدق ما انطوى عليه من تفاصيل، وبالتالي إضافة شيء جديد لفهم أوسع لتاريخنا وأشمل بدلًا من الانكفاء على اجترار ما سبقنا إليه الآخرون.

اللواء الركن متقاعد الدكتور بندر بن عبد الله بن تركي آل سعود

  منصة تفكيرك

الدرعية: ماض جدّد التوحيد.

على ضفاف وادي حنيفة، وفي الدرعية تحديدًا، سجّل التاريخ أسماء مدن، وأبطال عظماء، ومعارك فاصلة، بمفارقات عجيبة قبل الإسلام وبعده، هناك تواريخ، وأحداث، ومواقف، وأقوال حفظها التاريخ انتشر من خلالها نور التوحيد، وشعّ خلالها ضياء التجديد للدين الأعظم، والمنهج الأسلم لأمة الإسلام.

وقبل مئات السنين على أطراف ذلك الوادي قرى وهجر ساد فيها التناحر والتفكك، وانتشر الجهل والأمية، وشاء الله أن تكون الدرعية في ذلك الوقت الحصن المتين والدرع القويم لكل سهم معادٍ للعلم والعقيدة الصحيحة على يد مؤسس الدولة السعودية الأولى الإمام محمد بن سعود –طيّب الله ثراه- وأول حكام الأسرة السعودية الأولى بعد تأسيسها، شخصية أضاءت سيرتها صفحات التاريخ، وكتبت بأفعال رجالها ملاحم العزة والكرامة، وسطرت أروع ملاحم الجهاد في سبيل كلمة التوحيد.

الدرعية بقعة ضوء في رقعة العالم الإسلامي، ورمز شرف وفخر للسعودية العظمى، في الدرعية ملاحم وبطولات، سقوط ونهوض، على أسوارها وحصونها ذكريات البسالة والسؤدد، وعلى جدرانها وأبوابها ألوان الأصالة وعبق التراث، دوّنت أروع قصص صراع الخير والشر، والفضيلة والرذيلة، من جهل إلى نور، ومن شرك إلى توحيد، هي كذلك الدرعية ملحمة الحق المنير، والمنهج القويم نحو السلفية القائمة على النصح والإرشاد، وتبادل الأدوار السياسية والشرعية لنصرة الإسلام والسنة ومنهج السلف. 

يذكر المؤرخ العربي “ابن غنام” في كتابه (روضة الأفكار) أن الإمام محمد بن سعود قدّم خدمةً جليلة للإسلام حين آوى ونصر ابن عبد الوهاب، فلولا مناصرة ابن سعود -بعد الله- ما كتب لدعوة ابن عبد الوهاب التوفيق والذيوع، ولولا التقاؤهما -بعد الله- ما كانت الجزيرة العربية تمتلك دولة عزيزة رفيعة المكانة في الصف الأول من دول العالم العربي والإسلامي معًا. 

يصف ابن غنام أن أهل نجد والأحساء: “غارقين في الرجس، منهمكين في الشرك، يتبعون  ما زينت لهم الأهواء والشياطين، وتركوا كتاب الله وسنة رسوله، ولم يعبأوا بالدين الصحيح، وعقائدهم فاسدة، فعدلوا عن عبادة الله وحده، إلى عبادة الصالحين والأولياء، وجدوا في الاستغاثة بهم في النوازل والخطوب، وأقبلوا عليهم يطلبون قضاء الحاجات والمطالب حتى اعتقدوا في الأحجار والأشجار أنها تنفع أو تضر…”

ثم أخذ ابن غنام يعدد بعض الأمثلة على ما قال في انتشار البدع والضلالات، فذكر أن في بلدة الفدا بها نخل معروف بــ “الفحال” يأتيها الناس لارتكاب المنكر، ويصلون ويتبركون به، و بالدرعية هناك كهف على سفح جبل يسمى “بنت الأمير” يحجون إليه ويستغيثون به، وقبر رجل أعمى في الخرج كان له كرامات فلما مات عكفوا على قبره فعبدوه.

وفي كتاب (آل سعود) لمؤلفه أحمد على عن تحالف ابن سعود وابن عبد الوهاب: “وعن هذا التحالف بين الدين والسياسة، نشأت في الجزيرة دولة سياسية عظم أمرها واشتد خطرها، حتى أشفق منها الترك…

الدرعية من أسمائها “العوجا” نخوة الدولة السعودية، يذكر الدكتور فهد بن عبد الله السماري مؤلف كتاب (أهل العوجا) أن إحدى دلالات هذه الكلمة لوصف المكان الذي أسست فيه الدولة السعودية “الدرعية التي تتسم من الناحية الجغرافية الطبيعية بالموقع غير المستقيم، والذي فرضه تكوين المنطقة على طرفي وادي حنيفة المتعرج، …”، وعندما نقول “أهل العوجا” أي أنهم أهل “الملة العوجا هي التوحيد، وسميت عوجاء لميلها عن الشرك كالحنيفية من الحنف وهو الميل، والحنيف هو المائل عن الشرك إلى التوحيد، ومنه وصف إبراهيم عليه السلام حنيفًا، أي: مائلًا عن الشرك إلى التوحيد، ومعنى حتى يقيم به أي: حتى يجعل الدين قائمًا به ومستقيمًا، ومنه قوله تعالى: “دينًا قيمًا ملة إبراهيم حنيفًا” وقوله: “ذلك الدين القيم”.

الدرعية: تـواريخ حاسمة في سجل الجهاد والنضال:

عام 850 هـ – 1446 م

تأسست الدرعية على ضفاف وادي حنيفة عام 850 هـ / 1446م، حينما قدم مانع بن ربيعة المريدي جد الأسرة الحاكمة إليها، وتحديدًا الجد الثالث عشر لخادم الحرمين الشريفين سلمان بن عبد العزيز حفظه الله، واضعًا اللبنة الأولى لتأسيس الدولة؛ لتصبح مركز استقرار لسيادة حريصة على التحضر والازدهار؛ ليتناوب على حكمها أبناؤه وأحفاده، فكان حفيده سعود (الأول) بن محمد بن مقرن بن مرخان ممكنًا آل مقرن للملك والتأسيس، وهو والد المؤسس للدولة السعودية الأولى الإمام محمد بن سعود.

 

عام 1139 هـ –  1727 م

تولّى الإمام محمد بن سعود إمارة الدرعية معلنًا تأسيس الدولة السعودية الأولى، لتبدأ مرحلة جديدة لدولة ذات جذب اقتصادي واجتماعي وفكري وثقافي زهاء أربعين عامًا مدة حكمه، ومن بعده أولاده وأحفاده.

عام 1157هـ – 1744م

تحالف الإمام محمد بن سعود مع الشيخ محمد بن عبد الوهاب عام 1744م لتأسيس دولة سلفية تقوم على الشريعة الإسلامية والسنة النبوية ومنهج السلف الصالح، فكان اتفاق الدرعية القائم على شرطين: استمرارية ولاء ومناصرة ابن عبد الوهاب لابن سعود وعدم التخلي عن ذلك بحثًا عن حظ آخر مع آخرين، وحق جباية الضرائب والفوائد من الرعايا وفق قوانين البلاد دون التنازل عن أي حق يراه.

بين عامي 1750 – 1753 

تمكّن الإمام محمد بن سعود الذي خاض حروبًا مع إمارات الرياض ونجد والأحساء لنشر الدعوة السلفية من صناعة كيان قوي يمتلئ بالازدهار العلمي والاقتصادي، مؤسسًا أنظمة إدارية ومالية وفقًا لتعاليم الشريعة الإسلامية، محققًا معايير الدولة المنيعة ذات حضارة وسؤدد.

عام 1172 هـ – 1758 م

تم بناء سور الدرعية في عهد المؤسس، والمكون من سوريين متوازيين من الطين وبينهما حجارة لتدعيمه، وطوله سبعة أكيال بأبراج لتحصين الدرعية من هجمات القرى والمدن المحيطة.

عام 1179 هـ/1765م

 توفي الإمام محمد بن سعود بنوبة قلبية في هذا العام بعد أن سطّر لنا إنجازات تاريخية عظيمة، ومشاهد حضارية في أعمال البناء والتشييد، حيث أمر -رحمه الله- ببناء قصر سلوى جاعلًا من عمارة وتشييد القصور رمزًا للتوسع والاستقرار والازدهار.   

تمتعت الدولة السعودية الأولى بمكانة سياسية قوية لاعتمادها على المبادئ الإسلامية، واتسعت رقعتها الجغرافية نظير حرصها على نصرة الإسلام وخدمة المجتمع والرقي به فكريًا واجتماعيًا، وتولى حكمها بعد وفاة الإمام المؤسس أبناؤه وأحفاده على التوالي:

 الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود (1133- 1766 / 1218 – 1803)، ثم ابنه سعود (الثاني) بن عبد العزيز (1218 – 1803 / 1229 -1814 )، ثم عبد الله (الأول) بن سعود بن عبد العزيز بن محمد بن سعود (1229 – 1814 / 1234 – 1818 ) الذين ساهموا في محاربة الجهل والأمية، الأمر الذي جعل الدولة العثمانية تخشى من اتساع نفوذه؛ فنشبت حرب أدت إلى سقوط الدرعية.

1234هـ  – 1818م

 اتسعت رقعة الدولة السعودية الأولى، وساهمت مساهمة كبيرة في محاربة الجهل والأمية، وشجعت على التعليم والحركة العلمية بشكل كبير، وازدهرت اجتماعيًا وسياسيًا مما أدى إلى حنق الدولة العثمانية التي لم تكن راضيةً عن هذه الإنجازات، لذلك سخّرت طاقاتها لإسقاط الدولة السعودية الأولى ظلمًا وعدوانًا، وبعد حروب متواصلة استمرت قرابة سبع سنوات سقطت الدرعية في هذا العام، وأسر أميرها عبد الله (الأول) بن سعود بن عبد العزيز بن الإمام محمد بن سعود وقتل في تركيا، وخُرّبت الدرعية ومعظم القرى النجدية على يد قائد الحملات العثمانية إبراهيم باشا.

 1235 هـ – 1820 م

الدرعية قصة نهوض وسقوط ثم نهوض، حيث عاد الأمير مشاري بن سعود بن عبد العزيز بن الإمام محمد بن سعود لاسترداد إمارة الدرعية وملك آبائه في هذا العام في محاولة جادة منه لتأسيس الدولة السعودية من جديد، إلا أن المحاولة فشلت، واستمرت الدرعية تحت الهيمنة العثمانية حتى قامت الدولة السعودية الثانية على فترتين في 1236-1821.

1419هـ – 1998 م إلى 1443 هـ – 2022 م

 منذ ذلك اليوم ومدة ثلاثة قرون والدرعية في رحلة صمود للحفاظ على مهد الدولة السعودية الأولى، وقصة شموخ لملتقى العلماء والتجار، خلّدت اسمها على مر تلك القرون، ونقشت بطولاتها على أسوارها وقلاعها وأبراجها، تحتوي على آثار ومعالم تراثية، وعليه صدرت الموافقة السامية في 17 جمادى الآخر 1419هـ على برنامج تطوير الدرعية التاريخية بمسؤولية من الهيئة الملكية لمدينة الرياض، وتحظى اليوم بكونها من أهم وأوائل معالم المملكة التراثية المعترف بها في منظمة اليونسكو عام 2010 لتحظى مرةً أخرى بتأسيس هيئة تطوير بوابة الدرعية المعلن عنه في شهر يوليو عام1438 هــ – 2017م بهدف “تطوير وترميم الدرعية والمحافظة على مواقعها التاريخية وتعزيز مجتمعها لتصبح واحدة من أهم المواقع العالمية، ومركزًا للثقافة والفنون والتراث والسياحة في السعودية.”  كما وقعت الهيئة حديثًا في فبراير 2022 م مع المعهد الملكي للفنون التقليدية مذكرة تفاهم “لتنفيذ عدد من المشاريع والمبادرات المشتركة في مجال التدريب والتعليم في الفنون التقليدية، والتراث العمراني وحماية المواقع التراثية، وحصر وتوثيق التراث المادي وغير المادي وإجراء الدراسات وتبادل الخبرات، بالإضافة إلى تفعيل دور المجتمع المحلي من خلال حفظ تراث الدرعية وتقديم البرامج والخدمات لمجتمع الحرفيين السعوديين إلى جانب التعاون لإنشاء مكتبة للفنون والحرف التقليدية الخاصة بالدرعية ومنطقة نجد.”

الدرعية: صور في ذكرى تأسيس السعودية الأولى 2022

 

الدرعية قديمًا موقع دارة الملك عبد العزيز

 

مسجد الإمام محمد بن سعود بالدرعية (موقع المستودع الدعوي الرقمي)

 

إطلالة الدرعية ذات القصور والأبراج (الصورة من موقع السياحة السعودية)

 

الحفل الملكي لتدشين بوابة الدرعية 

المصادر 

– كتاب الإمام محمد بن سعود وجهوده في تأسيس الدولة السعودية الأولى – عبد الرحمن بن علي عريني.

– كتاب الدرعية قاعدة الدولة السعودية الأولى – محمد الفهد العيسى.

– تقرير/ الدرعية نواة الدولة السعودية – موقع وكالة الأنباء السعودية (واس).

– المواقع الرسمية لكل من: دارة الملك عبدالعزيز – الهيئة الملكية لمدينة الرياض – هيئة تطوير بوابة الدرعية.

 


الإبل: رمز فخر وزينة وحداء

 





فاطمة الشريف

وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا ۗ لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5) وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (6)وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَىٰ بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنفُسِ ۚ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ (7) وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً ۚ وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (8) [النحل]

يلعب الحيوان  دورًا مهمًا في حياة الإنسان، وبينهما علاقة وطيدة تُبنى على المنافع والمصالح، بجميع أنواعه وهبه الباري من الدلائل والقدرات الربانية ما يجعلنا ندرك أهمية ذلك في تحقيق دور الخلافة على هذه البسيطة، بل تتنوع  تلك العلاقة فنرى مثلاً أن هنالك علاقة مودة وضحك ولعب مع القطط، وعلاقة فن وشعر وجمال مع الخيل، وعلاقة نثر وشعر وغزل مع المها، وعلاقة فخر وغناء وزينة مع الإبل… 

عند تلاوة سورة الغاشية في القرآن الكريم، والوقوف على الآية

أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (8

نتساءل إلى ماذا ننظر في الإبل؟ ما هي دلائل القدرة العظيمة عند النظر في هذا المخلوق العجيب؟ ما مواطن الجمال والإبداع في هذا الخلق البديع؟ ما المنافع والعبر من هذا الخلق العظيم؟ وما علاقة الإنسان مع الإبل؟

يذكر والدنا الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله- في موقعه الرسمي عند الشرح لهذه الآية “هذه الإبل التي جعلها الله للناس متاعًا يحملون عليها أثقالهم، ويأكلون من لحومها، ويشربون من ألبانها، ويوقدون من بعرها، ويستمتعون بجلودها، لهم فيها منافع عظيمة، لهم فيها منافع كثيرة، …”

من دلائل قدرة الله سبحانه في هذا المخلوق العجيب، الهيئة التي خلقه الله بها فجعلته حيوانًا مميزًا، فله أذنان صغيرتان قليلة البروز مغطاة بالشعر وذات قدرة على الالتصاق بالرأس، أما منخراه شقين ضيقين ومحاطة بالشعر قابلة للتحكم بالفتح والإغلاق، وله عينان ذات رموش معكوفة قابلة للطبق، كل ذلك لحمايته من رمال الصحراء وعواصفها، وله قوائم طويلة تساعد على خفة الحركة واتساع الخطوة، وللقدمين خف جلدي قوي غليظ مبطن بوسادة عريضة لينة تتسع عندما يسير فوق الرمال بكل سهولة ويسر، وله عنق طويل مرن يساعده على التقاط ما على الأرض وما فوق الشجر، والشفة العلوية مشقوقة تساعده على أكل أوراق الأشجار الشوكية دون ضرر، وله وسائد في مفاصل الأرجل ومقدمة الصدر مغطاة بجلد سميك تمكنه من الافتراش على الرمال الحارة دون التأثر بحرارتها وأيضًا تحافظ على اتزانه أثناء البروك، أما سنام الجمل على الظهر يعد مخزن الطاقة والغذاء والماء، ووجوده يضمن للجمل التأقلم مع الحرارة، والتكيف مع المعيشة في ظروف الصحراء.

يعد رعي الإبل من المهن القديمة والشائعة في صحراء المملكة العربية العربية، وراوينا عن هذه المهنة إبراهيم الضوان البلوي مالك أحد مرابض الإبل بالعُلا يؤكد تمسكه وأهالي العلا بمهنة رعي الإبل، وأنهم أكثر اهتمامًا بالإبل وحرصًا على التمسك بتراث أجدادهم، كما أشار إلى أن لكل قبيلة في المنطقة وسم خاص بها يتم وشمه على رقبة الإبل أو فخذها، للتأكيد على تبعيتها للقبيلة؛ حفاظًا على حقوق الناس ومنعًا للمشاكل، وعن تفاصيل المهنة يحدثنا قائلًا:

إن رعي الإبل مصدر للرزق، ومصدر هام للحصول على اللحم واللبن، وينفع الحليب والبول في العديد من الأغراض العلاجية المجربة منه شخصيًا مثل: تنظيف المعدة، والتهابات القولون. وتعد مهنة تجارية مربحة لاسيما أن الفحل الواحد يستطيع تخصيب إناث عدة ينتجن صغار الإبل، يطلق على بعض صغار الإبل المزايين (الحيران) ويتم بيعها في مهرجان مزاين الإبل بمبالغ تتراوح ما بين خمسين ألف ريال إلى ثلاثين مليون، ومن أغلى أنواع الإبل (الوضح) الإبل ذات اللون الأبيض (وهو الأغلى)، و(الحُمر) حمراء اللون، والصُفر، منوهًا أن الإبل تعيش لمدة تصل إلى 35 سنة.

ومما تجدر الإشارة إليه أن الإبل نوعان: (المجاهيم) تتميز بالألوان الغامقة، والداكنة، والتي تصل إلى السواد، ومنها الإبل الصهب، وصفراء المجاهيم، والإبل الزرق، وتتميز بأن حجمها كبير، وإدرارها للبن كثير، وباهظة الثمن، حيث تتراوح أسعارها ما بين ستة ملايين للأنثى إلى خمسة عشر مليون للذكر، والنوع الآخر (المغاتير) وهي الأجمل والأوسط من حيث الحجم والإنتاج، ويطلق عليها اسم إبل العفر أو إبل الوضح، ومنها إبل الشقح، والحمر، والصفر، وتختلف المجاهيم عن المغاتير في حجم الأذن، والخف، والذيل، حيث تميل المجاهيم دوما إلى العرض والكبر والطول في هذه الأعضاء عن المغاتير.

ومما يميّز الإبل بعضها عن بعض مواطن الجمال، والتي تسبّب تفاوتًا في الأسعار، ويعد الرأس مكمن الجمال، فكلَّما كانت السبال (البراطم) طويلة، والعرنون (الأنف) مرتفعًا، واللحى طويلة، والخد عريضًا كان ذلك أفضل، ويكمن جمال الإبل أيضا في الرقبة والسنام، حيث تفضل أن تكون الرقبة طويلة، ومنطلقة للأمام في ارتفاع، مع اتساع نحر الناقة، وتكون عظام القوائم كبيرة وطويلة، وأن يكون السنام راجعًا للخلف.

 وعن مهنة الرعي يذكر إبراهيم الضوان البلوي : “كانت الإبل أو الأغنام قديمًا ترعى في الأماكن التي تسقط عليها الأمطار، وتتحرك من موقع إلى آخر بناء على ذلك، لكن الآن مع قلة تساقط الأمطار، أصبحت الإبل تأكل من الشعير والبرسيم وغيرها من الأعلاف التي تتم زراعتها أو شراؤها” فيما يؤكد  راعي الإبل ماجد الضوان البلوي: “ينتعش عملنا في موسم الربيع، حيث نطلق الإبل في الساعة السادسة والنصف صباحًا لترعى طوال اليوم حتى وقت مغيب الشمس، لنقوم بعدها بربطها وحلبها عند موعد صلاة العشاء، مع إمكانية رعيها لمدة أربعة أيام متواصلة دون حاجة الإبل إلى شرب الماء”

عن الجمّال أو راعي الإبل والصاحب والمهيمن على هذا الخلق العظيم يؤكد إبراهيم الضوان البلوي قائلًا: “الإبل تعرف أصحابها وأصواتهم، وتصبح مع الوقت كفرد من العائلة، تقضي مع الراعي وقتًا طويلًا وتسافر معه، بل وتحرص على تدفئته في البرد بالجلوس بقربه وتغطية جسمه لحمايته من المطر.” “كل ناقة أو جمل لديه شخصية مختلفة نميزها، كما أننا نميز أشكالها وأسماءها، وهي بدورها تستجيب للاسم الذي نطلقه عليها” “وللراعي أدوات بسيطة تعينه على تأدية مهمته منها (الصميل أو الشكوه) وهي عبارة عن قربة لحفظ الحليب بعد حلبه من الناقة لمدة تصل إلى ثلاثة أيام، (اللبيد) وهو عبارة عن وعاء من الصوف يضع فيه الراعي مستلزماته الضرورية مثل (العفل، والمجاميع، والاصرة، والشمايل) وغيرها من الأدوات الخاصة بالإبل، فيما يستخدمه (الغرب) لخض اللبن وتكوين الزبدة. 

ويوضّح سلطان البقمي، المتحدث الرسمي لمهرجان الملك عبد العزيز للإبل لعام ١٤٣٩هـ  في لقاء معه على موقع إشراق أن راعي الإبل عمد إلى تطويع مواد بيئته لتصنيع كل ما يحتاجه من أدوات تتطلبها مرافقته للإبل، بل أنه صنع من المواد المتوفرة حوله في محيطه زينة وزخارف تزين الإبل وتبرز جماليتها وخلقتها العظيمة.

في صور جمالية أضاف البقمي إلى أن العرب اتخذوا زينةً بارزة لرأس البعير وعنقه لأنه أول ما يواجه الناظر إليه، فاتخذوا لذلك (الأقاليد والبُرى)، و(البُرة) قطعة من الصفر تجعل أحد جانبي مُنخر البعير، و(الإقليد) هو البُرة التي يشد فيها زمام الناقة وهو طرفها يثنى على الطرف الآخر ويلوى ليّا شديدًا، كما اعتنوا بمعذر الناقة وهو ما يحيط برأسها من خلف الأذنين وحاكوا له ما يسمى (العذار)، وزينة (الجدايل) توضع في الرسن، وزينة (الزرج)  في آخر حبل المقود الذي يقاد به البعير (الخطام) تربط على غزالة الشداد، وزينة (الخناقة) وهي عبارة عن أهداب من الخيوط الملونة حول عنق المطية، وزينة (الجرس) المصنوع من الصوف الملون بأصباغ يكون على شكل عُقدة كبيرة يعلق في عنق بدون صوت، وتزيّن مقدم الراحلة ومؤخرتها (الدباديب)، وتتخذ من خشب أو نسيج مشدود بقوة بطول الشبر أو أقل توضع على ظهيرة الشمالة في الجزء الخلفي، كما يذكر أن هناك نوعًا آخر منه يسمى (الكتافة) يوضع على غارب الناقة ويكون على الشمّالة، تزين جوانب (الرحل) وهو السرج الذي يوضع على الناقة ليجلس عليه الراكب زينة، (السفايف) وهي ما تدلى من الرحل من الحبال المزينة بالألوان والربث للزينة، وتكون من نسيج الصوف، وهي كذلك تشكل حزامًا عريضًا تحقّب به الراحلة وله طرفان طويلان يتدلّيان عن يمين الراحلة وعن يسارها مزينان بالكتل والأهداب الملونة، ومن زينة المتاع ما يطلق عليه (الدّشِن)، وهو ما تزين به الراحلة من الأمتعة الجميلة ذات الأهداب والألوان الزاهية والفرش، وتُصنع من الصوف المصبوغ بالألوان.

وفيما يتعلق بزينة الهودج، أو الغبيط، أو الظعائن، والظعن الذي يجعل على ظهــر البعـير فوق الرحـل؛ لتجلس فيـه المرأة وهي في ستر،  فيما يطلقونه عليها (الجِزْجِزَة) ويعرف أيضا (الرجازة)، وهي خصلة من صوف تعلق بالهودج يزين بها، و(حبل الغوى) وهو زينة توضع على الجمل الذي يحمل القن وهو خشب الهودج، كما يلحقون بها (الذَّباذب) وهي أشياء تعلق على الهودج أو رأس البعير للزينة، وكذلك (النحيزة) وهي نسيجة طويلة يكون عرضها شبرا تعلق على الهودج.

في وصف دقيق للبقمي عن أدوات وزينة الإبل نلاحظ  تعدد المهن المستخدمة في تلك الأدوات موظفة الصوف الطبيعي والصناعي، وقطع القماش والجلد، والحبال الملونة الذهبية والفضية، وبعض القطع المعدنية والخشبية، فنجد مهنة السدو والخياطة والنجارة.

مع رموز الفخر والعز، والجمال والزينة، يتجلى رمز البهجة والفرح مقترنًا بحداء الإبل أو الحَدو كما جاء في “تاج العروس” للجوهري “سَوق الإبل والغناء لها،….”حول الحداء يذكر نايف بن ناصر السيحاني، أحد ملاك الإبل في السعودية: كل مالك إبل يدربها على أوامر صوتية قائمة أوزان محددة للورود إلى الماء، أو الرحيل، أو الوقوف، أو التجمع” ويتخذ الحداء شكلين هما الهوبال والعوبال، فالهوبال هو “غناء يخص مسير الإبل في الصحراء، يقوم به الراعي كي يحكم سيطرته على قطيعه أثناء المسير وينجح في توجيهها بشكل منظم، فهي تستأنس لصوته وتتجمع حوله ولا تتفرق في الصحراء، أما العوبال فيقول السيحاني: “غناء يُؤدَّى أثناء سقاية الإبل عند توريدها على الماء، فيؤديه الراعي أو يتبادل راعيان الغناء بالترداد بينهما، وإن كانوا أكثر من اثنين فيجتمع كل اثنين ويتبادلان الغناء.” ويضيف: “أنهما ضربان متقاربان يقومان على أبيات خفيفة الوزن يطرب بها الراعي نفسه وإبله، وغالباً ما يكون على وزن (مستفعل ومستفعلن) على شطر واحد غالبًا وليس شطرين كما جرت العادة في الشعر الشعبي، ومن الممكن أن يكون ثلاثي الوزن (مستفعلن مستفعلن مستفعلن) أو رباعي (مستفعلن مستفعلن مستفعلن مستفعلن)”.

الإبل من الأنعام عظيمة الخلق، ذكية حاذقة التواصل، أنيقة وجميلة الطلة بما تملك من زينة وشموخ، نعم إنها الإبل  ملهمة الشعراء والكتّاب والفنانين، رمز فخر وزينة وحداء قديمًا وحديثا.

ازدانت حروف المقال بمعرض تشكيلي مصغر سكبت الفنانات ألوانهن رسمًا وتفصيلًا لمكامن الجمال الرباني للإبل، فجاءت كل لوحة معبرة عن عظمة هذا الخلق العجيب.

لوحة العربي مع إبله للفنانة التشكيلية شمايل الشريف

 رصدت اللوحة تصور تجريدي لعلاقة الود والتواصل والانسجام بين الراعي العربي وإبله في تكوينات لونية متناغمة.

 

لوحة الإبل الثمودية للفنانة التشكيلية فاطمة الشريف

يتخذ الإبل صور عديدة وفقًا للنقوش العربية الموجودة في الجزيرة العربية، عليه فقد رصدت اللوحة تصور تجريدي للإبل العربي وفقا لتلك النقوش، وجاءت الصورة السابعة واصفة النقوش الحديثة التي في الغالب تستخدم في تزيين الإبل.

 

لوحة الإبل  للفنانة التشكيلية زهرة خلف

 

لوحة الإبل  للفنانة التشكيلية منيرة الحبسي

 

لوحتان عن الإبل العربي للفنانة التشكيلية عفاف الجديبي

 

لوحة الفنانة التشكيلية غادة القرشي

المعذرة عام 1447

 مع بداية عام 1447 أقدم اعتذاري له، حيث أني عند كتابة مقالي بعنوان الهجرة النبوية: رحلة عبر الزمنكان واللون افتتحت المقال بهذه الفقرة:  ...