المحافل الدولية.. بألوان أحمد المغلوث

189
0فاطمة الشريف
في مشهد من الأصالة السعودية، تراصت الخيول العربية الأصيلة، وتلألأت السيوف النجدية، وتعطّر المكان برائحة القهوة السعودية، وأطايب العود، ترحيبًا ملكيًا يليق بالزيارة الكريمة للرئيس الأمريكي السابع والأربعين، دونالد ترامب، في الثالث عشر من مايو المنصرم. لم يكن الحدث مجرد مراسم بروتوكولية، بل تجلٍّت معه ذكريات العلاقة التاريخية بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية، في رمزية تجدد في الأذهان دور قوتين دوليتين لإرساء سبل السلام العالمي، وتعزيز الاستثمار والشراكة الاستراتيجية.
في قلب المشهد التشكيلي السعودي، وعبر أزمنة العقود السابقة، يبرز الفنان أحمد المغلوث بوصفه أحد رواد الفن الذين ساهموا في بناء سردية بصرية موثقة عن المملكة العربية السعودية، وقاد تجربة فريدة تتشابك فيها القيم التاريخية والإنسانية، المغلوث يعجز القلم عن سرد بطولاته التشكيلية وتاريخ لونه الفريد، تنوعت تكويناته، وتعددت موضوعاته، متنقلًا بين الذاكرة البصرية، والهوية الوطنية؛ لتوثيق التاريخ والأحداث على المستوى المحلي والدولي.
وما زال يحمل اللون والفرشاة موظفًا أساليبه التعبيرية لتدوين المحافل الدولية والمناسبات المحلية، معززًا فنه عبر لوحات قماشية متعددة الأحجام، وأخرى مبتكرة على الخوص (سعف النخيل)، وجداريات ضخمة، ولوحات كاريكاتيرية يدوية ورقمية، محتفظًا بثيم واحد لربط التراث بالمعاصرة في سردية تشكيلية سعودية.
في حديث عابر محتفى به عن لوحاته أكد المغلوث أنه ممن رسم الملوك السعوديين طيلة مسيرته الفنية في كلاسيكية راقية، ووثّق الكثير من المحافل الدولية والمناسبات الوطنية بواقعية ذات رمزية متفردة به، وأرّخ عبر تكويناته التعبيرية لبدايات التنمية والعمران والحرف الشعبية في المنطقة الشرقية والإحساء على وجه الخصوص، ورصد المرأة السعودية ويومياتها بتعبيرية مفرطة تبعث الحياة والديمومة في أرجاء لوحاته عنها.
اقتنيت الكثير من لوحاته، وعُرضت في الكثير من المعارض المحلية والعالمية، ونُشر عدد منها على المواقع العالمية، وقد أشار في حديثه إلى أن أعماله كانت جزءًا من أول معرض لرواد التشكيل في المملكة عام 1398هـ،، الذي افتتحه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حينما كان أميرًا للرياض، وقد اقتنيت لوحاته كلها في ذلك المعرض، كما أكّد أن أعماله تنال دومًا تقدير الفنانين والنّقاد بشكل عام، وقد أشاد بفنه الفنان المصري العالمي جمال قطب، الذي اعتبر أعمال المغلوث “امتدادًا لصورة الوطن في المخيلة العربية”. وعن رصيده الفني الوطني، يقول بتواضع وفخر: “أنا أول من رسم ألعاب البنات والطفولة في لوحات فردية وجماعية، وأول من وثّق الحرفيين المحليين في أعمال تشكيلية”.
يعد المغلوث ناشطًا اجتماعيًا، وقلمًا تشكيليًا، له أسلوبه في توثيق مسيرته التشكيلية الذي دومًا يبدأ بعبارة: (كتب أحمد المغلوث) ومصورًا كاريكاتيريًا تعتز به الصحافة السعودية، ويعد اسمًا بارزًا في توثيق أعمال رواد الفن السعودي، ومن آرائه في حقوق التشكيليين أن ظاهرة اختفاء بعض الأعمال الفنية من مقراتها الرسمية، وانتقال بعض اللوحات دون موافقة الفنان تُعدّ في حكم المسروق وفق القوانين الدولية لحماية الحقوق الفنية، وأن توثيقها لا بد أن يشمل مكان اقتنائها وتاريخها وسياق عرضها.
من أولى لوحاته التي نُشرت في الصحافة العربية (القارئة الصغيرة)، وقد ظهرت في مجلة العربي الكويتية عام 1976؛ لتعلن عن ميلاد تجربة سعودية أصيلة، تدمج بين الواقعية والرمز، وبين التوثيق والروح الإنسانية.
من أبرز لوحاته: (اللقاء التاريخي السعودي الأمريكي) التي تصور اجتماع الملك عبدالعزيز والرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت، حيث قال: “في لوحتي للقاء التاريخي، رسمت العَلَمين السعودي والأمريكي على الطاولة الصغيرة، ووضعتهما في خلفية المشهد، بينما تجاهلهما معظم من رسموا هذا الحدث. هذه اللمسة البصرية كانت محاولة مني لتمييز لوحتي عن غيرها، والتأكيد على التفاصيل الرمزية” وممن رسموا الحدث الفنان الأمريكي وليم جونسون (William Johnson) في معرضه (Fighters for Freedom) حيث تفوق المغلوث في رسم الحدث بواقعية لائقة راقية بعيدة عن التعبيرية والرمزية التخيلية، مؤكدًا: “جميع الصور الخاصة بالقيادتين السعودية والأمريكية، التي رسمتُ منها اللقاء التاريخي، كانت مأخوذة من سجلات الرئاسة الأمريكية. من يدّعي أنه يرسم مثل هذه اللوحات من الخيال، فهو إما واهم أو مضلل، الخيال الفني لا يعني الانفصال عن المرجعية البصرية، خصوصًا في المواضيع التاريخية”.
ينتقل المغلوث من الحديث عن تجاربه الخاصة إلى تأملات عميقة في مفهوم الرسم من الخيال مستحضرًا في هذا السياق تجربة المستشرقين في رسم الشرق العربي والإسلامي. ويشرح كيف أن كثيرًا من هؤلاء الفنانين لم يكونوا يرسمون من الخيال المطلق، بل من ملاحظة دقيقة، و”إعداد مسرحي” يكاد يشبه إعداد مواقع التصوير السينمائي. بعضهم كان يستأجر منازل، ويؤثثها بما يناسب رؤيته، ويشتري الملابس التي يحتاجها، ثم يجلس أمامه “الموديل” –فتاة أو طفل– لأيام أو شهور. بعض اللوحات استغرق إنجازها سنوات، كما حدث مع لوحة “الموناليزا”، التي أنجزها دافنشي خلال فترة تتراوح بين سبع إلى تسع سنوات. ومع اختراع الكاميرا، أصبحت الأمور أسهل، فالصورة تُوثّق اللحظة، ثم يضيف الفنان لمساته لتجسيد فكرته”.
ويختم حديثه قائلًا: “الفن مسؤولية، وهو وعي بالزمن، وتوثيق للهوية، واستشراف للمستقبل”.
ختامًا تُعد تجربة المغلوث نموذجًا فريدًا من الفن الملتزم بالسردية الوطنية والهوية الثقافية، لم يكن مجرد رسّام لوجوه، بل فنانًا ذا رؤية، يسعى لحفظ الذاكرة البصرية للسعودية من خلال عمل فني عميق، يمكن أن يُدرّس ويُعرض في صالات ومتاحف دولية. وهو بذلك يجمع بين الأثر الجمالي والدور التوثيقي للفن، متجاوزًا حدود الزمان والمكان.
لوحة القارئة الصغيرة:
طريقة توثيقه لأحد أعماله المنشورة في مواقع التواصل، على إكس والفيس بوك:
“كتب أحمد المغلوث_ جمعه مباركة. ومبارك فوز فخامة الرئيس دونالد ترامب برئاسة أمريكا للمرة الثانية محققًا فوزًا ساحقًا على منافسه الرئيس السابق بايدن. وكنت رسمت فخامته في هذه اللوحة من وحي زيارته السابقة للمملكة ومشاركته مع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان رقصة العرضة. اللوحة موجودة في سفارة المملكة في واشنطن.. أعيد نشرها بمناسبة تسلمه قيادة أمريكا من جديد…”.
لوحة اللقاء التاريخي السعودي الأمريكي:
لوحة الفنان الأمريكي وليم جونسون (William Johnson) في معرضه (Fighters for Freedom) بعدستي
لوحة الاحتفاء بالشراكة الاستراتيجية بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية.
من لوحاته الكاريكاتيرية:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق