الأربعاء، 29 نوفمبر 2023

التاءات الثلاثة لرحلة سلام وتناغم

 


يقال أن أسوء حروب النفس عندما العقل يرفض وقلب يريد … 

بالفعل إنها حرب ضروس طاحنة تلك التي تكون بين العقل والقلب، إذا اختلفا وتنافرا وعجزا في صناعة قرار متناغم متزن، تدور رحى تلك الحرب في النفس؛ فينشأ صراعا يزعزع الطمأنينة، وتتحول إلى نفس لوّامة أو أمّارة بالسوء…

هنا لابد من التدخل الخارجي، والتنظيم الداخلي لأدوار النفس وعملياته المتنوعة في إنهاء تلك الحرب ممثلا في اتباع تعاليم الدين القويم ابتداءا، والتسليم التام لحكم الله عز وجل انتهاءا، وعرض القضية التي نشأ منها الصراع للقضاء فيها وفق الكتاب والسنة، فإن كانت لا تتعارض مع الشرع في شيء، ولا زالت تلك الحرب قائمة يأتي دور المجاهدة بتجنيد النفس (الجسد والعقل والقلب) في العديد من الممارسات الضرورية، حتى تتصالح تلك الأقطاب الثلاثة وتتصافى في رحلة سلام داخلى، وتناغم كوني بديع، تسمو بتلك النفس، ومن أول وأهم تلك الممارسات التي تتنوع ما بين تعبدية روحية، ووجدانية شعورية، وذهنية عقلية:

أولاً: تقوى الله عز وجل في السر والعلن، واستشعار المعية الربانية، وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ (الطلاق:2-3) قال بعض السلف: هذه الآية أجمع آية في كتاب الله، أو قال: من أجمع آية في كتاب الله، لما فيها من خيري الدنيا والآخرة، ومن أعظم ثمرات التقوى تعليم الله للعبد، "وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ" (البقرة 282)، وتأمينها وحفظها من إضطرابات النفس، "فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ" (الأعراف 35)


ثانياً: التوازن النفسي بين للأقطاب الثلاثة في إعطاء كل جزء حقه في الانتصار لتلك القضية بما يتفق مع تعاليم الدين، فالعقل حقه العلم والوعي، " وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ ۖ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ (العنكبوت 43) " و يقول جل جلاله "إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (ق37)" فلا يكون إدراك الحقائق، وتمام العقل إلا بالعلم واليقين، وسماع صحيح النقل، فيكون حظ العقل هنا العدل والإنصاف، وأمّا القلب حقه السلامة والبراءة؛ ففي الحديث الشريف { عن النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ، يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:"‏ الْحَلاَلُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لاَ يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِيِنِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى، يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ‏.‏ أَلاَ وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلاَ إِنَّ حِمَى اللَّهِ فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ، أَلاَ وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ‏.‏ أَلاَ وَهِيَ الْقَلْبُ ‏"‏‏ } أخرجه البخاري ومسلم، يقول ابن قيم الجوزية رحمه الله: "القلب السليم هو الذي سلم من الشرك والغل، والحقد والحسد، والشح والكبر، وحب الدنيا والرياسة، فسلم من كل آفة تبعده من الله، وسلم من كل شبهة تعارض خبره، ومن كل شهوة تعارض أمره، وسلم من كل إرادة تزاحم مراده، وسلم من كل قاطع يقطعه عن الله")، فحظه بعد ذلك الإحسان والرحمة، والجسد حقه الحركة والنشاط الإبداعي، يقول سبحانه "قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ۚ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" (20 العنكبوت) فالسير يستوجب التأمل والاعتبار والتفهم المفضى إلى اتخاذ القرار الصائب.


ثالثاً: التفكير بإيجابية واتخاذ القرار الصائب وفق مفاهيم ومهارات ذهنية نتعلمها ونكتسبها؛ لتحقيق الوعي الذاتي من خلال مراقبة الأفكار والمشاعر والسلوك، وفحصها ونقدها، ومن ثم إدراك أفكار ومشاعر وسلوك الآخرين، ثم تنظيم تلك العلاقات ، وتعزيز أهمية مخالطة المتفائلين والمفكرين الإيجابيين، والاقتداء بأساليب وطرائق معالجتهم للذوات البشرية، ومما تجدر الإشارة إليه أسلوب "تبادل المهارات بفعالية"، حيث يعلن الأفراد عن المهارات التي يسعدهم مساعدة الآخرين على تعلمها، فالأشخاص الذين لديهم مجالات، وخياراتهم، ومجالات خبرة مختلفة،، هم بالفعل مصدر هام لاكتساب طرائق التعلم، والتقييم، التكيّف، وعامل مساعد لإدارة التغيير.

الثلاثاء، 21 نوفمبر 2023

الرحلة العلمية لبرنامج دبلوم العلاج بالفن












فاطمة الشريف
المقال منشور على الرابط : هنا

شَرُفَ مجموعة من فنانين وفنانات السعودية بالالتحاق في برنامج دبلوم العلاج بالفن الذي نظمته الشبكة الدولية للفنون التشكيلية بالتعاون مع جامعة إربد الأهلية والإتحاد الأوربي، ذلك البرنامج الذي جمع الكثير من المعارف التراكمية لدى المشاركين، وأضاف الجديد الماتع من خبرات الكادر التعليمي من الأساتذة والطلبة الذين كان أغلبهم مما لهم باع طويل في مجال الإرشاد النفسي والاجتماعي والعلاج بالفنون البصرية أو الأدائية؛ فجاء الدبلوم درجة أكاديمية كللت تلك المعارف والتجارب إلى خبرات تعليمية راقية نعتز بإضافتها في سجلنا الأكاديمي الذي حتمًا سيصنع منحنى تعليميًا جديدًا يرتقي بالفن والعلاج بالفن.

وقد كان من فعاليات الدبلوم الرحلة العلمية، والتي هدفت لتعزيز ثقافة العلاج بالفن، وإبراز أهميته، والتطبيق العملي للأساليب الحديثة له مثل: العلاج بالسيكو دراما، وبالموسيقا الهادئة أثناء الرسم الحر، والتفريغ النفسي عبر الرياضة واستخدام الرمل والطين، حيث شملت الرحلة فعاليات داعمة لتقنيات العلاج بالفن عبر المحطات التالية:

– المحطة الأولى رحلة وادي رم والرسم الحر لمعرض افتراضي قادم، ومحاضرة للدكتور خالد الحمزة، والتي أشار إلى أهمية إلمام المعالج بالفن بعلوم الفن بدءًا بتاريخ الفن، ونظريات الفن، والنقد الفني، والتربية الفنية، والعلاج بالفن، وكما أكد على أهمية ممارسة الفن أسلوبًا علاجيًا، والكتابة عن تلك العلوم والتعريف بها.

– المحطة الثانية خليج العقبة، وورشة الموسيقا وأثرها النفسي بالعلاج بالفن، والتي قدمتها الدكتورة تمارة نصير، وأكدت فيها على أهمية العلاج بالموسيقا كأداة تعبيرية تشمل أنواعًا عديدة ذات علاقة مثل: العزف، والغناء، والرقص، والاستماع، ومناقشة الموسيقا، والمستهدفون بالعلاج بها، وأشارت إلى رقي الموسيقا الشرقية ودورها الفاعل في التشافي النفسي مستشهدةً في ذلك للفنان والموسيقار العراقي (نصير شمة) وتجربته الموسيقية والتشافي من خلال أعماله (ملجأ العامرية) و(قصة حب شرقية).

في المحطة الثانية والتي استمتع بها المشاركون، ونالوا شرف رؤيتها مرتين بظروف متنوعة وبنفس درجة الإتقان: مرة في سلطة العقبة، والثانية في حفل التخرج في جامعة أربد… إنه العلاج بالسيكو دراما.

هنا لنا أن نقف ونتأمل الدور الريادي الذي قام به فريق مسرح نعم من مدينة الخليل بفلسطين بطاقمهم الثلاثي المبدع (بشرى الأطرش- سحر زماعرة – علا أبو سنينة) والطالب (الفنان محمد البيطار) من الأردن، وقد أشاد المنظمون بأن المسرحية وعرض الحكواتي:

“امتاز بحرفية عالية وتميز، لخصوا من خلاله فكرة العلاج بالفن، وشكّل العرض نقطة تفاعل حقيقية مع الخريجين والجمهور الحاضر، معلنين بذلك أهمية العلاج بالفن والفائدة التي يمكن أن تحقق منه.” وقد طرح العرضان المسرحيان أسلوبين من أساليب العلاج بالفن: القصة العلاجية عبر عرض الحكواتي، والرسم التخيلي عبر مسرحية نغم.

لقد قدّم العرض نموذجًا ممتعًا لمسرح المضطهدين بأسلوب فكاهي وجريء يبحث في عمق مشكلة اجتماعية تعاني من الاضطهاد والخلل المجتمعي الداخلي، وتميّز ببنائه الدرامي المتقن من حيث رصانة الحوار، وأبنية الشخصية، وبساطة السينوغرافيا المعبرة عن الحدث، وتنامي الصراع، وجودة الحبكة المسرحية التي راعت عنصر التشافي لدى الجمهور وأخذت بهم إلى التفاعل حيال الدور الرائد للمعالج بالفن بصورة إبداعية محبوكة. على مدار الثمان دقائق قدّم (مسرح نعم) صورة مشرقة للعرض المسرحي المحبوك، لتتجلى للمشاهدين خصائصه التفاعلية الحوارية، الجدير بالذكر أن (مسرح نعم) يعمل في مجال مسرح الفتيان وتعليم الدراما في مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية منذ قرابة الخمسة عشر عامًا من الخبرة الفنية والمهنية في تنفيذ الأنشطة والمشاريع والبرامج الدرامية التي تعمل على تنمية قدرات الأطفال والشباب عن طريق استخدام الدراما كأسلوب للتعبير عن الذات، وطرح المشاكل الحياتية والقضايا الاجتماعية أمام الجمهور، متحدّين بذلك الواقع السلبي للاحتلال، وفاتحين أمام أنفسهم آفاقًا جديدة للمستقبل، ومعبرين عن هويتهم وثقافتهم ومشكلاتهم الداخلية، بالفعل قدّم فريق نعم المسرحي صورة خلاّقة للعمل الدرامي الجاد والمثقف والواعي، فكان بجد أروع ما قدمته الرحلة، ولعل تتويج مسرحية «خيل تايهة» لفرقة مسرح «نعم» بالجائزة الكبرى لمهرجان المسرح العربي» في 2015 شاهد على ذلك الإبداع والتميز، وحصل مسرح نعم على المركز الأول افضل عمل مسرحي وأفضل إخراج وأفضل ممثلين وأفضل ديكور واضاءة في مهرجان الإسكندرية 2023، وتخلل تلك الأيام فعاليات حرة للاسترخاء، وتفريغ نفسي بالرمل، ومسير ليلي تحت النجوم، والإضاءات الخافتة، واستخدام الملح وطين البحر الميت.

– المحطة الرابعة حفل ختام الرحلة العلمية، وتكريم المشاركين، وتخريج الطلبة لدبلوم العلاج بالفن في مسرح الكندي في جامعة إربد الاهلية برعاية كريمة من رئيس الجامعة أ.د. أحمد الخصاونة، واللقاء مع الطلبة الذين اجتمعوا من ثمانية بلدان عربية، قضوا في دراستهم تسعة أشهر بما يعادل 300 ساعة تدريسية (نظري وعملي)، وقد تحدثت أ.د. نجوى الخصاونة وهي أحد أعضاء اللجنة الأكاديمية في الدبلوم عن دور الجامعة وشبكة الفنون التشكيلية في نجاح هذا الدبلوم وتميزه على مستوى اثنتا عشرة جامعة من الأردن والوطن العربي وأوروبا، وتميز الطلبة في مسيرتهم التعليمية والمخرجات العلمية التي تم تحقيقها.

وفي كلمة الخريجين تحدثت د. نادين غرة من لبنان عن الجهد الكبير الذي بذلته شبكة الفنون التشكيلية والجامعة والمحاضرين في هذا الدبلوم، وكررت شكرها وشكر الخريجين في تمكين الطلبة من تحقيق حلم تعلّم العلاج بالفن وفق أساسيات علمية.

واختتم الحفل بتكريم هيئة تدريس برنامج الدبلوم:

أ.د محمد المؤمني. وأ.د ناهض العلاونة. وأ.د نجوى الخصاونة. وأ.د موفق السقار. ومدير الشبكة الدولية للفنون والمستشار د. نمر رباح والفريق المساند معه. والطلبة الخريجين من الدول العربية.

وقد حظى بالحصول على دبلوم العلاج بالفن من المملكة العربية السعودية قرابة ثمانية عشر فنان وفنانة من هم:

محمد بنتن، فاطمة الشريف، هوازن الصافي، ياسمين صديق، بيداء شقدار، ليلى الشريف، عُريب أبو عياش، مناير الدوسري، أريج الفضل، نوره عاصي، دارين ناصف، منال بن محفوظ، بهية الجاسر، عفاف الحربي، حنان سعد.

ختامًا في عصرنا الحالي يمتلك الفن بأنواعه من الوظائف الجمالية، والتسجيلية، والتطهيرية، والتنفسية، والعلاجية ما يجعله يرقى بنفسه وبدوره إلى مصاف العلم والوظيفة والمهنة.

صور الرحلة العلمية ومحطات العلاج بالفن

    الهيئة التعليمية في الرحلة العلمية




لوحات المرسم الحر في وادي رم









لقطات من مسرحية نغم والعرض المسرحي الحكواتي







حفل التخرج

الاثنين، 20 نوفمبر 2023

صبراً آل غزة …سردية أبو اشتيه التشكيلية







(لتبقى غزة خالدة في ذاكرة الفن التشكيلي الإنساني)

بمناسبة العدد 100

نهدي القراء الكرام بقسم الفنون البصرية،

عن الفن التشكيلي الفلسطيني، تضامنا مع الإخوة والأخوات في معركة طوفان الأقصى في قطاع غزة في السابع من أكتوبر 2023

ومما زاد المقال إشراقا تواجد الفنان بين سطوره والتعليق عن المقال







إعداد_فاطمة الشريف 
رابط المقال المنشور انقر هنا

نقرأ مدينة غزة وتاريخها في لوحة تشكيلية مقاس 182*142 سم، والمسماة ” سنعود” (We Shall Return) للفنان عماد أبو اشتيه (Imad Abu shtayyah) فلسطيني الأصل، ستعود غزة داراً للسلام والأمان، إنها غزة رمز القوة والمنعة، بناها الكنعانيون قبل 3500 عام، وسموها “هزاتي”، ولعل من اسمها نصيب في الحروب ومآثر الجهاد والصمود، ففي الحضارات السابقة سميت بعدة أسماء؛ ففي الحضارة الفرعونية تسمى “غزاتو”، وفي الآشورية “عزاتي” ، و”عزة” لدى العبرية، أما العرب فيطلقون عليها اسم “غزة”، وكذلك “غزة هاشم” نسبة إلى جد النبي محمد صلي عليه وسلم، حيث مات ودُفن فيها، وبالإنجليزية (Gaza)؛ هي أرض المآثر والمعارك، ذات خضرة ومزارع، تشتهر بصناعة عصر الزيتون، وصناعة الفخار، وصناعة الغزل والتطريز.

غزة بدمارها ورمادها تتحول إلي امرأة فلسطينية عملاقة في لباسها التقليدي تبعث الحياة والأمل، في سيولة سريالية مذهلة شكّل جسد المرأة واستدارته بثبات وعزيمة، ونظراتها الحازمة الجازمة للأقصى الشريف ملامح القوة والمنعة والإصرار، وفي حالة تمتزج فيها زرقة السماء مع تراب الأرض صانعة سلم لوني أفقي وعمودي لدمار الحرب بألوان تذكرنا بصناعة الفخار وألوانه الترابية، وكما يمتزج العنصر النسائي في اللوحة في مواجهة صامدة حيال هذا الدمار والرماد، مشيرةً بنظراتها وخمارها الأبيض إلى القدس في تعبيرية بارعة تعكس مكانة وقيمة المرأة باعتبارها رمز عزيز في البنيان الغزاوي، وواجهة ثقافية في البيئة الاجتماعية الفلسطينية، تتسم بالفخر والاعتزاز بالتراث والتطريز الفلسطيني، وسريالية أسطورة الفينيق الباحث عن السلام والاستقرار، ورمزية دينية في اللجوء إلى في البشرى والنصر القريب، قد أحسن الفنان أبو اشتيه في وصف الجهاد الفلسطيني والرباط القدسي عبر رمزية وسريالية أعماله الكثيرة المشابهة.

تصور اللوحة أنقاض غزة خلال معاناة استمرار الحصار الإسرائيلي لها، حيث رسمها الفنان في عام 2014، وفي ظل الأزمة الحالية أعاد كثيرون نشر اللوحة على صفحات التواصل الاجتماعي، وشبهوها بطائر الفينيق الأسطوري (Phoenix) “يُحيي من رماده ويشفي من دمعه”، وهو يرمز “للخلود والحياة الأبدية، ويمثل السلام والمحبة، ويشعر بآلام البشر على الأرض، إذا بكى على أيِّ جرح يُشفى، وإذا مرَّ ترك وراءه رائحة المر واللبان.” وغزة كذلك خلال

سنوات الحصار منذ 2007، تموت في كل لحظة، ومع ذلك صامدة تنفض الرماد لتدب الحياة فيها مرة تلو المرة، مقاومة الحصار والإحتلال، وفي إطار السرد الزمني لمنشورات الفنان عبر صفحته في الفيس بوك خلال شهر إكتوبر2023، يتنقل القارئ في ترتيب وعي الفنان السيكولوجي من المعلوم إلى المجهول، ومن الوضع الحالي إلى المستقبلي، ومن المعلومة إلى المفهوم، ومن الممارسة إلى العقيدة، واصفا الواقع الأليم، متنقلا بين وحي الكلمة واللوحة تارة، وبين الأمل والتاريخ تارة أخرى.

لوحات الفنان في سردية واعية متصالحة عبر صفحته على الفيس بوك:

اللوحة الأولى:

ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَٱخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَٰنًا وَقَالُواْ حَسْبُنَا ٱللَّهُ وَنِعْمَ ٱلْوَكِيلُ) ال عمران 173

(وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) يوسف (21)




اللوحة الثاني:

اخلاقيات الحرب والتاريخ الأسود




اللوحة الثالثة:

سيدة الأرض والعابرون




جاءت اللوحة الثالثة في حالة تعافي وتشافي مبهر، مشيرة بألوانها وتكويناتها ورموزها الثقافية من حيث رمزية فلسطين عبر شجرة البرتقال، حيث حدا الفنان كغيره من فنانو فلسطين بتمثيل شجرة البرتقال وثمارها وأغصانها ” ‘رمزًا’ إشاريًّا إلى فلسطين،…” في لوحته الحافلة استعاد أهمّيّة تلك الشجرة في السرديّة الشعرية والتاريخيّة الفلسطينيّة، وبنى كغيره من الشعراء والفنانين رؤيته لتصوير المستقبل الفلسطينيّ، مجددًا بذلك البعد الدلالي للبرتقال في شعر محمود درويش الذي وظفه في شعره لإسقاط مشاعره عليها، مشيداً بجمال شكلها، وطيب ثمرها، وحمضية مذاقها، لقد أبدع الدكتور عاطف خلف العيايدة في مقاله النقدي:

الدلالة الرمزية “موتيف البرتقال” في شعر محمود درويش، والذي فسّر لقراء رمزية شجر البرتقال في التراث الفلسطيني، وبعض من القصائد (البرتقالية) التي ذكرت في المقال :

يقول في قصيدة «يوم»:

يا أوّل اللّيل الّذي اشتعلت يداه برتقال



يقول في قصيدة «السّجين والقمر»:

في آخر اللّيل التقينا تحت قنطرة الجبال

منذ اعتقلت، وأنت أدرى بالسّبب

ألأنّ أغنيةً تدافع عن عبير البرتقال

وعن التّحدّي والغضب

دفنوا قرنفلة المغنّي في الرّمال؟


قول في قصيدة «طوبى لشيء لم يصل»:

الشّيء أم هم؟

يدخلون الآن في ذرّات بعضهم

يصير الشّيء أجسادًا

وهم يتناثرون الآن بين البحر والمدن

اللّقيطة

ساحلًا

أو برتقالًا



يقول في قصيدة «الموت مجّانًا»:

كان الخريف يمرّ في لحمي جنازة برتقال…

قمرًا نحاسيًّا تفتّته الحجارة والرّمال

ويستمر أبو شتيه بأرواحنا إلى ما هو أسمى، إلى الوعد الإلهي، حيث أشارت اللوحة إلى القاعدة التاريخية للاستيطان والاحتلال في نمط الثاني، حيث أن الاحتلال الاسرائيلي في فلسطين زائل بوعد من الله ورسوله، وبما شاهده التاريخ، وصادق عليه بالمثل: بدءاً بمماليك الصليبيين والإفرنجة، وانتهاءً بجنوب إفريقيا وانغولا والجزائر، كل هذه الجيوب الاستيطانية والاحتلالية الغاشمة زالت بالمقاومة المستمرة والتصدي الجازم للعدوان والاحتلال الأجنبي… أما فلسطين تفوق عن مثيلاتها بوعد من الله ورسوله، ثم بالالتزام بآداب وتعاليم ذلك الوعد الرباني، مع أهمية الالتفاف حول قادة العالم الإسلامي، والسير قدمًا في كل ما شأنه السلام والأمان للشعب الفلسطيني.

الفنان المبدع من جعل من لوحاته سردية رمزية للحياة؛ فإذا هنالك حرب حتمًا سيكون هنالك سلام … وإن كان هنالك عسر فهنالك يسر… وتمضي الحياة بنكباتها وألآمها لتقول لنا: لن تتعلم حتى تتألم، مؤكدة أن السلام حق إنساني وعالمي لشعوب الأرض، ولن ينعم شعب بهذا السلام إلا بقيادة تخاف الله وتتقيه وتحفظه من ويلات الحرب والدمار، وبقانون بشري منصف، وليس بشعارات واحتجاجات غوغائية…

أخذنا أبو شتيه بروحه السامية، وألوانها الساطعة، وتكويناته المبدعة، في سردية تشكيلية يقول فيها:

صبرًا آل غزة …موعدكم الجنة

ختاماً

صبراً آل غزة مرتلين قوله تعالى في سورة التوبة:

قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ ۖ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا ۖ فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُم مُّتَرَبِّصُونَ (52)

ومنادين بتطبيق هديه عليه الصلاة والسلام حيث قال:

“العبادة في الهرج كهجرة لي”

ومنشدين شعر الأمام الشافعي لكم:

وإني لمشتاق إلى أرض غـــــزة… وإن خانني بعد التـفـرق كتمـانـي

سقى الله أرضاً لو ظفرت بتربها… كحلتُ به مـن شدة الشوق أجفانـي

فصبراً آل غزة وصبرًا آل غزة فإن موعدكم الجنة.

التحرر من حالة الاستقطاب والنمطية

 



من العيوب التفكير بإستخدام نمط محدد من أنماط التفكير أو مجموعة من الأنماط هو أنها تميل إلى الرسوخ والثبات مع الزمن، ويصعب تغييرها والخروج من دائرة سيطرتها ، أو أن الفرد يتمركز حول نمط معين وتصبح باقي الأنماط تابعة له ويتكون ما يشبه حالة الاستقطاب ، كما أن هذه الأنماط تصبح مثل القوالب الجاهزة الجامدة . من اجل التغلب على هذه العيوب قام ديبونو بابتكار مجموعة من الأساليب والوسائل التي تمكن الشخص من الخروج من سيطرة تلك الأنماط والانطلاق في عالم الإبداع… فابتكر للتفكير العمودي أو الرأسي التفكير الجانبي الذي يخرج من الاتجاه الأحادي في التفكير العادي…وعليه فإن التفكير التباعدي يقابلة التفكير التقاربي، وكلاهما مثل التفكير الجانبي والعمودي أساليب لمعالجة التفكير وأنماطه لزيادة فعالية الإبداع والتحرر من حالة الاستقطاب ...

منشورات منصة تفكيرك العلمية عن التفكير:












المعذرة عام 1447

 مع بداية عام 1447 أقدم اعتذاري له، حيث أني عند كتابة مقالي بعنوان الهجرة النبوية: رحلة عبر الزمنكان واللون افتتحت المقال بهذه الفقرة:  ...