التاءات الثلاثة لرحلة سلام وتناغم

 


يقال أن أسوء حروب النفس عندما العقل يرفض وقلب يريد … 

بالفعل إنها حرب ضروس طاحنة تلك التي تكون بين العقل والقلب، إذا اختلفا وتنافرا وعجزا في صناعة قرار متناغم متزن، تدور رحى تلك الحرب في النفس؛ فينشأ صراعا يزعزع الطمأنينة، وتتحول إلى نفس لوّامة أو أمّارة بالسوء…

هنا لابد من التدخل الخارجي، والتنظيم الداخلي لأدوار النفس وعملياته المتنوعة في إنهاء تلك الحرب ممثلا في اتباع تعاليم الدين القويم ابتداءا، والتسليم التام لحكم الله عز وجل انتهاءا، وعرض القضية التي نشأ منها الصراع للقضاء فيها وفق الكتاب والسنة، فإن كانت لا تتعارض مع الشرع في شيء، ولا زالت تلك الحرب قائمة يأتي دور المجاهدة بتجنيد النفس (الجسد والعقل والقلب) في العديد من الممارسات الضرورية، حتى تتصالح تلك الأقطاب الثلاثة وتتصافى في رحلة سلام داخلى، وتناغم كوني بديع، تسمو بتلك النفس، ومن أول وأهم تلك الممارسات التي تتنوع ما بين تعبدية روحية، ووجدانية شعورية، وذهنية عقلية:

أولاً: تقوى الله عز وجل في السر والعلن، واستشعار المعية الربانية، وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ (الطلاق:2-3) قال بعض السلف: هذه الآية أجمع آية في كتاب الله، أو قال: من أجمع آية في كتاب الله، لما فيها من خيري الدنيا والآخرة، ومن أعظم ثمرات التقوى تعليم الله للعبد، "وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ" (البقرة 282)، وتأمينها وحفظها من إضطرابات النفس، "فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ" (الأعراف 35)


ثانياً: التوازن النفسي بين للأقطاب الثلاثة في إعطاء كل جزء حقه في الانتصار لتلك القضية بما يتفق مع تعاليم الدين، فالعقل حقه العلم والوعي، " وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ ۖ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ (العنكبوت 43) " و يقول جل جلاله "إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (ق37)" فلا يكون إدراك الحقائق، وتمام العقل إلا بالعلم واليقين، وسماع صحيح النقل، فيكون حظ العقل هنا العدل والإنصاف، وأمّا القلب حقه السلامة والبراءة؛ ففي الحديث الشريف { عن النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ، يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:"‏ الْحَلاَلُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لاَ يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِيِنِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى، يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ‏.‏ أَلاَ وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلاَ إِنَّ حِمَى اللَّهِ فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ، أَلاَ وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ‏.‏ أَلاَ وَهِيَ الْقَلْبُ ‏"‏‏ } أخرجه البخاري ومسلم، يقول ابن قيم الجوزية رحمه الله: "القلب السليم هو الذي سلم من الشرك والغل، والحقد والحسد، والشح والكبر، وحب الدنيا والرياسة، فسلم من كل آفة تبعده من الله، وسلم من كل شبهة تعارض خبره، ومن كل شهوة تعارض أمره، وسلم من كل إرادة تزاحم مراده، وسلم من كل قاطع يقطعه عن الله")، فحظه بعد ذلك الإحسان والرحمة، والجسد حقه الحركة والنشاط الإبداعي، يقول سبحانه "قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ۚ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" (20 العنكبوت) فالسير يستوجب التأمل والاعتبار والتفهم المفضى إلى اتخاذ القرار الصائب.


ثالثاً: التفكير بإيجابية واتخاذ القرار الصائب وفق مفاهيم ومهارات ذهنية نتعلمها ونكتسبها؛ لتحقيق الوعي الذاتي من خلال مراقبة الأفكار والمشاعر والسلوك، وفحصها ونقدها، ومن ثم إدراك أفكار ومشاعر وسلوك الآخرين، ثم تنظيم تلك العلاقات ، وتعزيز أهمية مخالطة المتفائلين والمفكرين الإيجابيين، والاقتداء بأساليب وطرائق معالجتهم للذوات البشرية، ومما تجدر الإشارة إليه أسلوب "تبادل المهارات بفعالية"، حيث يعلن الأفراد عن المهارات التي يسعدهم مساعدة الآخرين على تعلمها، فالأشخاص الذين لديهم مجالات، وخياراتهم، ومجالات خبرة مختلفة،، هم بالفعل مصدر هام لاكتساب طرائق التعلم، والتقييم، التكيّف، وعامل مساعد لإدارة التغيير.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

(12) مجالا لخطة 2024

قانون كونفوشيوس – قانون الغربنة في التدريب

كساء التوبة الضافي ... تأملات

مزاج البسطاء

تقنية السكينة السريعة للبروفيسور عبدالله العبدالقادر (Quick Coherence Technique )

قراءة فنية لجدارية كيث هارينغ