صبراً آل غزة …سردية أبو اشتيه التشكيلية
(لتبقى غزة خالدة في ذاكرة الفن التشكيلي الإنساني)
بمناسبة العدد 100
نهدي القراء الكرام بقسم الفنون البصرية،
عن الفن التشكيلي الفلسطيني، تضامنا مع الإخوة والأخوات في معركة طوفان الأقصى في قطاع غزة في السابع من أكتوبر 2023
ومما زاد المقال إشراقا تواجد الفنان بين سطوره والتعليق عن المقال
إعداد_فاطمة الشريف
رابط المقال المنشور انقر هنا
نقرأ مدينة غزة وتاريخها في لوحة تشكيلية مقاس 182*142 سم، والمسماة ” سنعود” (We Shall Return) للفنان عماد أبو اشتيه (Imad Abu shtayyah) فلسطيني الأصل، ستعود غزة داراً للسلام والأمان، إنها غزة رمز القوة والمنعة، بناها الكنعانيون قبل 3500 عام، وسموها “هزاتي”، ولعل من اسمها نصيب في الحروب ومآثر الجهاد والصمود، ففي الحضارات السابقة سميت بعدة أسماء؛ ففي الحضارة الفرعونية تسمى “غزاتو”، وفي الآشورية “عزاتي” ، و”عزة” لدى العبرية، أما العرب فيطلقون عليها اسم “غزة”، وكذلك “غزة هاشم” نسبة إلى جد النبي محمد صلي عليه وسلم، حيث مات ودُفن فيها، وبالإنجليزية (Gaza)؛ هي أرض المآثر والمعارك، ذات خضرة ومزارع، تشتهر بصناعة عصر الزيتون، وصناعة الفخار، وصناعة الغزل والتطريز.
غزة بدمارها ورمادها تتحول إلي امرأة فلسطينية عملاقة في لباسها التقليدي تبعث الحياة والأمل، في سيولة سريالية مذهلة شكّل جسد المرأة واستدارته بثبات وعزيمة، ونظراتها الحازمة الجازمة للأقصى الشريف ملامح القوة والمنعة والإصرار، وفي حالة تمتزج فيها زرقة السماء مع تراب الأرض صانعة سلم لوني أفقي وعمودي لدمار الحرب بألوان تذكرنا بصناعة الفخار وألوانه الترابية، وكما يمتزج العنصر النسائي في اللوحة في مواجهة صامدة حيال هذا الدمار والرماد، مشيرةً بنظراتها وخمارها الأبيض إلى القدس في تعبيرية بارعة تعكس مكانة وقيمة المرأة باعتبارها رمز عزيز في البنيان الغزاوي، وواجهة ثقافية في البيئة الاجتماعية الفلسطينية، تتسم بالفخر والاعتزاز بالتراث والتطريز الفلسطيني، وسريالية أسطورة الفينيق الباحث عن السلام والاستقرار، ورمزية دينية في اللجوء إلى في البشرى والنصر القريب، قد أحسن الفنان أبو اشتيه في وصف الجهاد الفلسطيني والرباط القدسي عبر رمزية وسريالية أعماله الكثيرة المشابهة.
تصور اللوحة أنقاض غزة خلال معاناة استمرار الحصار الإسرائيلي لها، حيث رسمها الفنان في عام 2014، وفي ظل الأزمة الحالية أعاد كثيرون نشر اللوحة على صفحات التواصل الاجتماعي، وشبهوها بطائر الفينيق الأسطوري (Phoenix) “يُحيي من رماده ويشفي من دمعه”، وهو يرمز “للخلود والحياة الأبدية، ويمثل السلام والمحبة، ويشعر بآلام البشر على الأرض، إذا بكى على أيِّ جرح يُشفى، وإذا مرَّ ترك وراءه رائحة المر واللبان.” وغزة كذلك خلال
سنوات الحصار منذ 2007، تموت في كل لحظة، ومع ذلك صامدة تنفض الرماد لتدب الحياة فيها مرة تلو المرة، مقاومة الحصار والإحتلال، وفي إطار السرد الزمني لمنشورات الفنان عبر صفحته في الفيس بوك خلال شهر إكتوبر2023، يتنقل القارئ في ترتيب وعي الفنان السيكولوجي من المعلوم إلى المجهول، ومن الوضع الحالي إلى المستقبلي، ومن المعلومة إلى المفهوم، ومن الممارسة إلى العقيدة، واصفا الواقع الأليم، متنقلا بين وحي الكلمة واللوحة تارة، وبين الأمل والتاريخ تارة أخرى.
لوحات الفنان في سردية واعية متصالحة عبر صفحته على الفيس بوك:
اللوحة الأولى:
ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَٱخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَٰنًا وَقَالُواْ حَسْبُنَا ٱللَّهُ وَنِعْمَ ٱلْوَكِيلُ) ال عمران 173
(وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) يوسف (21)
اللوحة الثاني:
اخلاقيات الحرب والتاريخ الأسود
اللوحة الثالثة:
سيدة الأرض والعابرون
جاءت اللوحة الثالثة في حالة تعافي وتشافي مبهر، مشيرة بألوانها وتكويناتها ورموزها الثقافية من حيث رمزية فلسطين عبر شجرة البرتقال، حيث حدا الفنان كغيره من فنانو فلسطين بتمثيل شجرة البرتقال وثمارها وأغصانها ” ‘رمزًا’ إشاريًّا إلى فلسطين،…” في لوحته الحافلة استعاد أهمّيّة تلك الشجرة في السرديّة الشعرية والتاريخيّة الفلسطينيّة، وبنى كغيره من الشعراء والفنانين رؤيته لتصوير المستقبل الفلسطينيّ، مجددًا بذلك البعد الدلالي للبرتقال في شعر محمود درويش الذي وظفه في شعره لإسقاط مشاعره عليها، مشيداً بجمال شكلها، وطيب ثمرها، وحمضية مذاقها، لقد أبدع الدكتور عاطف خلف العيايدة في مقاله النقدي:
الدلالة الرمزية “موتيف البرتقال” في شعر محمود درويش، والذي فسّر لقراء رمزية شجر البرتقال في التراث الفلسطيني، وبعض من القصائد (البرتقالية) التي ذكرت في المقال :
يقول في قصيدة «يوم»:
يا أوّل اللّيل الّذي اشتعلت يداه برتقال
يقول في قصيدة «السّجين والقمر»:
في آخر اللّيل التقينا تحت قنطرة الجبال
منذ اعتقلت، وأنت أدرى بالسّبب
ألأنّ أغنيةً تدافع عن عبير البرتقال
وعن التّحدّي والغضب
دفنوا قرنفلة المغنّي في الرّمال؟
قول في قصيدة «طوبى لشيء لم يصل»:
الشّيء أم هم؟
يدخلون الآن في ذرّات بعضهم
يصير الشّيء أجسادًا
وهم يتناثرون الآن بين البحر والمدن
اللّقيطة
ساحلًا
أو برتقالًا
يقول في قصيدة «الموت مجّانًا»:
كان الخريف يمرّ في لحمي جنازة برتقال…
قمرًا نحاسيًّا تفتّته الحجارة والرّمال
ويستمر أبو شتيه بأرواحنا إلى ما هو أسمى، إلى الوعد الإلهي، حيث أشارت اللوحة إلى القاعدة التاريخية للاستيطان والاحتلال في نمط الثاني، حيث أن الاحتلال الاسرائيلي في فلسطين زائل بوعد من الله ورسوله، وبما شاهده التاريخ، وصادق عليه بالمثل: بدءاً بمماليك الصليبيين والإفرنجة، وانتهاءً بجنوب إفريقيا وانغولا والجزائر، كل هذه الجيوب الاستيطانية والاحتلالية الغاشمة زالت بالمقاومة المستمرة والتصدي الجازم للعدوان والاحتلال الأجنبي… أما فلسطين تفوق عن مثيلاتها بوعد من الله ورسوله، ثم بالالتزام بآداب وتعاليم ذلك الوعد الرباني، مع أهمية الالتفاف حول قادة العالم الإسلامي، والسير قدمًا في كل ما شأنه السلام والأمان للشعب الفلسطيني.
الفنان المبدع من جعل من لوحاته سردية رمزية للحياة؛ فإذا هنالك حرب حتمًا سيكون هنالك سلام … وإن كان هنالك عسر فهنالك يسر… وتمضي الحياة بنكباتها وألآمها لتقول لنا: لن تتعلم حتى تتألم، مؤكدة أن السلام حق إنساني وعالمي لشعوب الأرض، ولن ينعم شعب بهذا السلام إلا بقيادة تخاف الله وتتقيه وتحفظه من ويلات الحرب والدمار، وبقانون بشري منصف، وليس بشعارات واحتجاجات غوغائية…
أخذنا أبو شتيه بروحه السامية، وألوانها الساطعة، وتكويناته المبدعة، في سردية تشكيلية يقول فيها:
صبرًا آل غزة …موعدكم الجنة
ختاماً
صبراً آل غزة مرتلين قوله تعالى في سورة التوبة:
قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ ۖ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا ۖ فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُم مُّتَرَبِّصُونَ (52)
ومنادين بتطبيق هديه عليه الصلاة والسلام حيث قال:
“العبادة في الهرج كهجرة لي”
ومنشدين شعر الأمام الشافعي لكم:
وإني لمشتاق إلى أرض غـــــزة… وإن خانني بعد التـفـرق كتمـانـي
سقى الله أرضاً لو ظفرت بتربها… كحلتُ به مـن شدة الشوق أجفانـي
فصبراً آل غزة وصبرًا آل غزة فإن موعدكم الجنة.
تعليقات
إرسال تعليق