الرحيل والخروج ... تأملات
فلسفة الرحيل
سيأتي يوما وكأن شيئا لم يكن ...
كل شيئا يزول...
ولا يبقى إلا ماعلمته وتعلّمت منه...
أصعب قصة زوال : رحيل الأشخاص إما بسفر أو بعاد أو فراق أو بموت ...
أصعب مافي ذلك الزوال أن تجلس مع نفسك فلا تجدها... بل وتتلاشى ملامح ذكرياتك مع أولئك الأشخاص..
لتجد أن الذاكرة قد أمتلأت بعشرات قصص المعاناة والألم...ومئات الجروح تحملها في قلبك الصغير...
وأشقّها وأشقاها عندما تجد كل نفسا ما عملت من سوء تود لو أن بينهما أمداً بعيدا...
فأحفظوا قلوبكم الصغيرة من العبث، وارعوها بالإيمان والصبر والاحتساب، وانتقاء الأتقى والأجمل والأزكى لها...
وأرحموا أفئدتكم ولا تلقوا بها في غياهب الجهل فتهلكوا في ترهات الضلال والزيغ ...
صور الرحيل
الصورة الأولى:
الصمت أولى عتبات الرحيل بين الأحبة إنه رسالة تحذيرية لكسر خوف أو الكشف عن المكنون...
عندما نصمت فقد أدركنا عمق المعاناة...لمسنا الجرح... وجدنا إجابة لا ترضي ذواتنا لكنها حقيقة وواقع...
الصورة الثانية:
أعمارنا أيام تتسارع وأوراق تتساقط..
البعض يحسبها باللحظات السعيدة، والفرص الجيدة ...
والبعض يجعلها أحداث رتيبة و تغيرات دائمة...
نعم أعمارنا مراحل وانتقالات: لا نجتازها حتى يموت شيء بداخلنا...
أويرحل عنا جزء منا...
لنجد أنفسنا في وحدة وتساؤلات قد تلملمك أو تبعثرك...
قد تهتدي بها أوتضل... قد تنعم فيها أو تشقى...
الصورة الثالثة:
مع أهوال ذكرى الفقد الأليم...
و أنات القلب المتألم الحزين...
على عتبات الرحيل و الوداع الأخير...
يتأسف القلب على فقد القلب الكبير...
الصورة الرابعة قصة رحيل نبي ... وهنا أرتع وأتكأ إيها القارئ/ة
الإنبياء منهم من رحل ومنهم من هاجر ومنهم خرج ...كلهم يعودون فقط إن مُكِنوا وتمكنوا من إعلاء كلمة الله، وتحقيق نصرة الحق ودحر الظلم... خرج موسى ثم عاد، وخرج محمد ثم عاد، وخرج هود وصالح ولوط مبلغين منذرين وقوهم مهلكين...عليهم أفضل الصلاة وأزكى التسليم
في فضاء اللاعلم واللامعرفة، ونكران الذات، وفي لحظات الخوف من المستقبل والهروب من الواقع الأليم، رحل موسى بقلبه وجسده من مصر...أما روحه تشتاق إلى نصرة الحق ورفع الظلم ...
رحل من مصر بعد نصرة مظلوم، ونزل بمدين وسقى للماشية المرأتين في سلوك بشري متضاد نصرة لضعيف، ابتغاء الأجر والمثوبة... أي عزم وأي ثبات استقر في نفس موسى الشاب قبل احتفاء وكرامة النبوة...وأي أمنية ونية حملها في قلبه حتى أصطفاه الله بالرسالة والتبليغ عليه الصلاة والسلام وعلى رسولنا أتم الصلاة وأزكى التسليم...
همس موسى لربة في نفسه قائلا:
"ربي إني لما أنزلت إلى من خير فقير" يريد الطعام
فأكرمه الله بهبتين من أعظم الهبات الربانية لموسى الإنسان الفار من الظلم والاستبداد، كانت متمثلة في وظيفة تعكس الرزق المادي، وعمله بأجر مع شعيب مدين، وزوجة تعكس الاستقرار النفسي...فكان ذلك العطاء خاصة لوضع موسى المادي والنفسي آنذاك... إما الهبة العظمى والمنحة الكبرى شرف النبوة والدعوة إلى الله حتى يعود لمصر، داعياً للتوحيد، ودحراً للكفر بكل صوره، ورافعاً ظلم الإنسان لإخيه الإنسان...
فيا ترى كيف يرد الله العليم الخبير بخفايا ذواتنا التي قد نجهل مبتغاها وصلاحها لو دعى احدنا بدعاء موسى؟
لا يخفف من وطئة الرحيل، مثل لذة اللجوء إلى الله، وطلب عونه عندما تكون وحيدا...
ولنا في قصة خروج موسى عبرة...
تعلمّنا قصة موسى:
أخلاقيات الرحيل والترحال والخروج والنزول بدءا
-أخذ الحيطة والحذر والتدابير الهامة مع السرعة في الخروج من ديار الظلم والاستبداد.
-الدعاء وطلب معية الله أمنة من الخوف والقلق، (فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ).
-أدب الترحال في بلد الأمن والأمان.
-فقه الدعاء حيث دعا بما يحتاجه في اللحظة الحالية "ربي إني لما أنزلت إلى من خير فقير" (الطعام كما أجمع المفسرين)، وحسن التعامل مع النسوة الذي تجلّى في تحقيقي معاني العون لهن احتسابا، والعفة والحشمة منهن ( حيث ضربت أبنة شعيب مثلاً راقياً في حياء المرأة ( كما وصفها عمر بن الخطاب لم تكن سلفعا من النساء خرَّاجة ولاجَة, قائلة بيدها على وجهها( إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا)، وقبل ذلك قالتا " لَا نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ الرِّعَاءُ ۖ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ " ).
- مهارات الحديث والطرح والنقاش مع الرجال" فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ ".
- حسن صحبة الأرحام، والوفاء على التمام بما طلبه من شرط النكاح :
قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَىٰ أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ ۖ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ ۖ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ ۚ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27) قَالَ ذَٰلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ ۖ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ ۖ وَاللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (28)
لطائف مع أسماء ومعاني في قصة موسى من كتب التفسير:
الشجرة التي أستظل بها شجرة سَمُرة أتى عليها موسى...
قال عنها عبدالله بن العباس"حثثت على جَمَل لي ليلتين حتى صبحت مدين, فسألت عن الشجرة التي أوى إليها موسى, فإذا شجرة خضراء تَرفّ, فأهوى إليها جملي وكان جائعا, فأخذها جملي, فعالجها ساعة, ثم لفظها, فدعوت الله لموسى عليه السلام , ثم انصرفت."
امرأة موسى هي صفُّورا ابنة يثرون (يثري)حبر مدين، إبن أخي النبي شعيب، وهي التي قالت: " إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا"
العصا عصا استودعه مَلَك في صورة رجل طارت إلى موسى عندما طلب منه أن يأخذ عصا ليهش بها على غنمه، وفي كل مرة يراجعه فيها إلا أن العصا استقرت في يد موسى فقال لإبنته إن زوجك لنبي.
سلمت فكر راقي سطر عبارات بقلم واعد 🌸🌸
ردحذفجمال في الصياغة وتأثير في المعنى 🌸🌸
سلمت 🌸🌸🌸 كاتبة تحمل من العلم والوعي ما يبهر القاريء ويمتعه سطرت بقلمك جمال التعبير وقوة التأثير 🌸🌸🌸
ردحذف
ردحذفقرأت فلسفة الرحيل للمرة الأولى وجد فيها معاني عميقة من خلال مفردات اكثر من رائعه في استخدامها ، وأعد قراءتها للمرة الثانية وجد فيها مشاعر لامست قلبي الحزين لفقد أشخاص كانوا في حياتنا ، وأعد قراءتها للمرة الثالثة وجد فيها عظة. وعبرة وتسلية من قصة موسى عليه السلام .
كان بالإمكان أن أجد كل هذا من خلال قراءة للمرة الأولى ولكن تعمدُ أن أعيد قراءتها للاستزادة من المتعة وكذلك لتأخذني تلك التأملات الي وقفات داخل نفسي أجهلها أو احيانا أتجاهلها ولكن مع مقالتك الرائعه كان لابد من الاستسلام واعيش كل مفرداتها . لك كل الشكر على قلمك الجميل 🌹👍
ماشاء الله تبارك الله . ماده قيمه ثريه بمعانيها وسرد ديني بسيط وعميق بدون مغاله ولا إطالع في سرد الاحداث النبويه . الله يوفقك .. ويهدينا سواء السبيل
ردحذفصديقاتي الرائعات مروركم شرفا لصحفتي، وحروفكم ألقا أنار أركان مدونتي... شكر لكل من مر وقرأ وعلّق ولامست حروفي قلبه وطرقت فكره فكتب لي أجمل الحروف ونقش لدي أحلى الذكريات…
ردحذف