حديث لا تسأل بعده...تأملات
حديث لا تسأل بعده
تأملات في آيات وحديث الاستقامة
فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا ۚ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (112) سورة هود
قال ابن عباس: ما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم آية أشد من هذه الآية ولا أشق، ولذلك قال لأصحابه حين قالوا له : لقد أسرع إليك الشيب يارسول الله ! فقال : شيبتني هود وأخواتها، وروي عن أبي عبد الرحمن السلمي قال سمعت أبا علي السري يقول : رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - في المنام فقلت : يا رسول الله ! روي عنك أنك قلت : شيبتني هود . فقال : نعم فقلت له : ما الذي شيبك منها ؟قصص الأنبياء وهلاك الأمم ! فقال : لا ولكن قوله : " فاستقم كما أمرت. " أخرج ابن أبى حاتم وأبو الشيخ عن الحسن أنه قال، لما نزلت هذه الآية قال صلى الله عليه وسلم شمروا شمروا، وما رؤي بعد ضاحكا، وقال الإمام ابن كثير ما ملخصه: يأمر الله- تعالى- رسوله وعباده المؤمنين في هذه الآية بالثبات والدوام على الاستقامة، لأن ذلك من أكبر العون على النصر على الأعداء،وينهاهم عن الطغيان وهو البغي، لأنه مصرعة حتى ولو كان على مشرك. ما قرأته في تفسير الوسيط للطنطاوي لهذه الآية ماجمعته لكم أعلاه.
تذكر لنا الدكتورة بشرى غرساوي في مقال لها من أنفع ما قرأت بعنوان: (ملامح من منهج النبي، صلى الله عليه وسلم، وأصحابه الكرام في بيان معاني القرآن):
" إذا تأملنا منهج الرسول، صلى الله عليه وسلم، في بيان القرآن الكريم، وجدناه يستمد تفسيره من القرآن نفسه، ويبين آياته الكريمة في سنته الشريفة، قولا وفعلا وتقريرا، ويتأول معانيه ومبادئه في سلوكه وأخلاقه وتصرفاته." ففي حديث صحيح مسلم عن سفيان بن عبد الله الثقفي قال: قلت يا رسول الله، قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا بعدك. قال: «قل آمنت بالله ثم استقم» ما يؤيد تأويله عليه الصلاة والسلام واقتباسه من ألفاظ القرآن الكريم. مما يؤكد لنا نهجه في تفسير القرآن بالقرآن، وتوضيحه بالسنة، وإقرار السلف على تفاسير الصحابة والتابعين، مما يجعل المؤمن يتأمل الآيات ويتدبرها في ظل تلك التفاسير وبما نفع الله به في علوم القرآن واللغة.
فلو تأمّلنا سياق الآية، تأتي بعد آية الدعوة إلى الاستقامة مجموعة من آيات الأمر والنهي لمن أراد الاقتفاء المستقيم في الاستقامة، فمن تلك الأوامر إقامة الصلاة والصبر وعبادته سبحانه وتعالى والتوكل عليه، ومن النواهي عدم الركون إلى أهل الظلم والضلال ومن شابهم.
فأمر الاستقامة عظيم، فقد وردت في اثنين وعشرين موضعا في القرآن الكريم، ومما تكرر ذكره والأمر به في شأن الاستقامة ماورد في في سورة الشورى:
{فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ}
ولعل من أجمل ما قرأت في تفسير ابن كثير
[الجمل العشر في قوله تعالى: (فلذلك فادع واستقم كما أمرت)]
وهذه الآية العظيمة اشتملت على عشر جمل في كل جملة حكم مستقل بذاته، وكل منها منفصلة عما قبلها، ولا نظير لها في القرآن كله إلا آية الكرسي، قال تعالى:
{فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ} [الشورى:15]، والجمل هي:
1 - (فَلِذَلِكَ فَادْعُ).
2 - (وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ).
3 - (وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ).
4 - (وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ).
5 - (وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ).
6 - (اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ).
7 - (لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ).
8 - (لا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ).
9 - (اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا).
10 - (وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ).
فهذه عشر جمل وفي كل جملة حكم قائم بذاته، ومعنى أراده الله عز وجل وأمر به، ومثلها آية الكرسي، قال تعالى: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [البقرة:255]
1 - (اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ).
2 - (الْحَيُّ الْقَيُّومُ).
3 - (لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ).
4 - (لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ).
5 - (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ).
6 - (يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ).
7 - (وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ).
8 - (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ).
9 - (وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا).
10 - (وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ).
وهذه عشر جمل وفي كل جملة حكم مستقبل بذاته.
وهذا من بلاغة وفصاحة القرآن إذ يأمر الله عز وجل فيها بأمر أو ينهى عن شيء.
فالله عز وجل أمر نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بأن يدعو الخلق لهذا الدين ولهذه الشريعة العظيمة.
ثم أمره بأمر آخر وهو أن يستقم على دين الله سبحانه كما أمر الله سبحانه وتعالى، والمعنى أن ينفذ جميع ما أمر الله به ويمتنع عن جميع ما نهى الله عنه، وهذا أمر بإقامة الدين كله، فمن حقه أن يشيب رأسه صلوات الله وسلامه عليه عندما يسمع ذلك.
يذكر لنا شيخنا الفاضل المنجد أن "الاستقامة باب عظيم يشمل الدين كله، ولذلك قد لا يمكن للناس أن يمسكوا بكل أطرافه."؛ لذا أمرنا الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام بالاستقامة دون تشديد ولا تفريط، وهي وسط بين الغلو والتقصير، وكلاهما منهي عنه شرعا، حيث قال عليه الصلاة والسلام فيما رواه الإمام مسلم:
" استقيموا ولن تحصوا."
ومن أهم أسباب الاستقامة والتي جل ذلك مذكور في أواخر آيات سورة هود:
١-إرادة الله لهذا العبد الهدية، وشرح صدره للإسلام وتوفيقه للطاعة والعمل الصالح.
﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ ﴾ [الشورى: 52، 53].
٢-الإخلاص لله تعالى ومتابعة رسوله عليه الصلاة والسلام.
﴿ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [الحج: 54].
٣-محاسبة النفس وحفظها من سبل الميل والزيغ والشهوة.
﴿ قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [يونس: 89]
٤-المحافظة على أداء الفرائض، وعلى رأسها إقامة الصلاة والذكر.
﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ ﴾ [فصلت: 6].
٥-طلب العلم الشرعي، وما لا ينبغي جهله.
﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا * يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا ﴾ [مريم: 41 - 43].
٦-الصحبة الصالحة.
♦ ﴿ وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ * وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ * وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ * وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ * وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾ [الصافات: 114 - 118].
٧-معرفة خطوات الشيطان وحزبه للحذر منها.
﴿ أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ ﴾ [يس: 60، 61].
ومن ثمرات الاستقامة:
١-طمأنينة القلب بدوام الصلة بالله عز وجل.
﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأحقاف: 13، 14].
٢-الاستقامة بالعصمة من الزلل.
﴿ أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [الملك: 22].
٣-تنزّل ملائكة بالرحمة والسكينة .
﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ ﴾ [فصلت: 30 - 32].
٤-حب الناس وتقديرهم للمستقيم.
﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ * لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ [التكوير: 27 - 29].
٥-وعد الله للمستقيمين بالنصر والفتح والرزق والجنة.
﴿ وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا ﴾
ماشاء الله بالتوفيق باذن بعد تمعن كافي بحروفك وهمساتك الاكثر من غاليه ندون ما نستحق هذه الكلمات الغاليه 🏻
ردحذفماشاء الله تبارك الله زادك الله علما ومعرفة وبصيرة وصباحك ثقافة وابداع
ردحذفماشاء الله طرح عميق ووافي بارك الله فيك ونفع بعلمك 🌷
ردحذفبكل صدق لم أجد عبارات توفي المقال حقة سواء أنه لب الحياة وبه تحيا القلوب وتسقى وأضيف أيضاً
ردحذفدعاء 🤲 اللهم بكل حرف من مقالك وكلماتك حسنات مضاعفة واجور وأسئل الله لك ولنا الثبات والأستقامة والفوز بالدرجات العلى من الجنة 🤲
أثابك الله وبوركتي في علمك ونفع الله بك البلاد والعباد ،
لقد حرك المقال ينابيع قلبي واسقاها شهداً من الذكر بالقرآن والسنة يالله مأجمل أنتقائك للعبارات وزادها جمالاً الاستشهاد بآيات الله وسنة رسوله محمد صل الله علية وسلم
والرسالة العظمى من المقال وهدفة
💜💜انتقاء رائع جداً✅✅✅
جزاك الله خيرا
ردحذف