حوار مع شاب عن التجربة الحياتية


  



 في أمسية أتسمت بالهدوء والشفافية مع أبني الأصغر كان حوارنا

 كيف يخوض الشاب التجربة الأرضية بسلام؟ 

وكيف يقود رحلته إلى الله بأمان ومتعة... ؟

لأجد نفسي استحضر ثلاث محاور أبحرت معه ومع كل الشباب والشابات في معانيها تبعا لتجربتي الحياتية ...


  المحور الأولتزكية ذاتك

  عليك أن تدرك أن أعظم عملية يقوم بها الإنسان هيتزكية النفس (روح - مشاعر - أفكار -)


قد أفلح من زكّاها وقد خاب من دسّها

ومن جميل ما قرأت في مبحث تزكية النفس

قول الشيخ عبدالرزاق البدر -حفظه الله-:

           " فَأَعظَم مَا تَزْكُو بِهِ النَّفْس القُرْآنُ الكَرِيم، 

الَّذِي هُوَ كِتَابُ التَّزكِيَةِ ومنبعُها ومعينُها وَمَصْدَرُهَا، 

      فَمَن أَرَاد لِنَفسِه التَّزكِيَة فَلْيَطلُبهَا فِي كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ. "

             قَالَ ابْن عَبَّاس -رضي الله عنهما-: "ضَمِنَ اللهُ لِمَن اتَّبَعَ الْقُرْآنَ أَن لَا يَضِلَّ فِي الدُّنيَا، وَلَا يَشقَى فِي الآخِرَة،  ثُمَّ تَلَا : ﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشقى﴾".    

             وقال تعالى : ﴿يا أَيُّهَا النّاسُ قَد جاءَتكُم مَوعِظَةٌ مِن رَبِّكُم وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدورِ وَهُدًى وَرَحمَةٌ 

لِلمُؤمِنينَ﴾

قال ابنُ القَيِّم -رحمه الله-:

            ️"القُرآنُ هُو الشِّفَاء التَّامّ مِن جَمِيع الأَدوَاء القَلبِيَّة وَالبَدَنِيَّة، وأدواء الدُّنيَا وَالآخِرَة". أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف


فالذات البشرية هي دوما في هذه العملية حتى تطمئن وتسكن وتتيقّن


وتذكر يا ولدي:


أن الانتصار على ملذات الذات هو ركيزة في أساسية في تزكيتها...في قصة طالوت و الشرب من النهر:

 قول الله تعالي في كتابه العزيز


"فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاقُوا اللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ، وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِين، فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء وَلَوْلاَ دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ". 


  علّق الدكتور مصطفى محمود في هذه القصة مقولة جميلة:


نقاوم ما نحب و نتحمّل ما نكره"

 العظة من القصة : الانتصار يتحقق بالانتصار على النفس أولا ثم العدو ثانيا .. على الداخل ثم الخارج...فالهزيمة ما تفتك بالداخل قبل الخارج.


 المحور الثاني هوقيادة ذاتك التي تتقوم على ثلاث ركائز رئيسة:


الركيزة الأولى: 

الوعي الذاتيمعرفة نفسك جيدامن حيث الخفايا القضايا المشكلات القرارات الأهداف الانجازات...وقدرتك المستمرة في تحديث نسخة ذاتك بتوليد معارف ومهارات جديدة عن ذاتك ..أولى خطوات الوعي:


  1.  إدراك عجيب صنع الله فيك، ،أنك خلق مكرم ومسخر له كل شيء.
  2. كن منتبه لكل شيء، مراقبا محدثا مطور المنظومة الرباعية لوعيك: أفكارك، قيمك، معتقداتك، مشاعرك...  
  3. أفحص وتسائل عن نفسك بنفسك، وتذكر أن أنك في مرحلة بناء ذاتك إلى أخر لحظة بحياتك، وأنك دوما في تزكية هذه النفس بدور منك وبمعالجة ربانية تتباين بين المحكات، والصعاب، والبلاءات، والامتحانات إما لمحو خطايا أو رفع في الدرجات.
  4. تسامح مع نفسك وتخلص من المشاعر السلبية مثل : الغضب، الخوف، الكبرياء، العار والتأنيب، الشهوة واللامبالاه، الحزن واليأس..
  5. أضبط تفكيرك وتحلى بالشجاعة، والحكمة.
  6. كن مستعدا لكل دور مشرف ومهمة راقية، واستقبل هبات الله لك من ظروف وفرص.
  7. كن إيجابيا تتسم بالحب والسلام والبهجة.
  8. أنوي الخير في كل ما تعمل، وأنشره في كل مكان.

الركيزة الثاني:

الإنضباط الذاتي: قدرتك على التحكم في انفعالاتك، والرغبات، والنزوات، والتصرفات في جميع المواقف وعند جميع الأحداث يجعل منك شجاعا تتسلح:

  1.  بالوضوح في التفكير والتنقل بين أنماطه ومستوياتها بوعي واحترافية.
  2.  تغلب على القلق والخوف بالشجاعة والإصرار على كل ما يفيد ويحقق أهدافك.
  3. صياغة رؤية ورسالة وأهداف يومية شهرية سنوية...
  4. تذكر إن النجاح رديف الإصرار والعزيمة والتوكل على الله.
  5. التعلم المستمر والتدريب الدائم على المهارات التي تصقل شخصيتك وما ينفعك ..
  6. أعلم أن الصحة الجيدة والمال الحلال هو الطريق الأول للاستثمار الحقيقي للتواجد الحيوي للأنسان.
  7. حدد نقاط قوتك وأصقلها، وتخلص من كل العادات التي لا نفع ولا فائدة منها.

 الركيزة الثالثة:

التحفيز الذاتيتحريك العوامل الداخلية والخارجية، وتنمية الدوافع، وتحفيز الرغبة لتحقيق هدفك، وتشجيع العطاء الإيجابي للنجاح بأقل جهد وأسرع وقت. وهو يساعد على جودة التخطيط نحو تحقيق الأهداف، واتخاذ القرار الصحيح، ويبث فيك التفاؤل والأمل واليقين وحسن الظن بالله..



  المحور الثالث: المرونة مع الصور المتعددة للحياة

 

 أعلم أن الحياة لها صورة مثلى للحياة، فهي معنى وتحتل النسبة الأعلى في حياة الشباب، ومتعة تحتل نسبة الربع أو أقل في حياتهم ؛ لذلك أرشدنا الله محذرا كما في قصة قارون قائلاً :


وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ.


وأن الحياة لعب ولهو وزينة هي الصورة المضللة للحياة؛ لذلك حذرنا الله من هذه الصورة:


وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ ۖ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ ۗ أَفَلَا تَعْقِلُونَ


وبين هاتين الصورتين هنالك حقائق كثيرة عن الحياة عليك أن تدركها بعض من أهمها


  1. عمرك الحقيقي بدأ وأنت في رحم أمك...ورحلة التكليف بدأت مابين السابعة والعاشرة...ومرحلة  المحاسبة وكتابة الحسنات والسيئات بدأت منذ سن الحلم... من هنا عليك أن تدرك مهام ومسؤليات تزكية وقيادة ذاتك في قادم عمرك ..وصولا إلى مرحلة الإنجازات المبهرة والقرارات الرشيدة.
  2. الخيال أولى خطوات التحقيق ثم الإرادة و المثابرة والتخطيط وصولا لما تريد.
  3. لحظة الآن هي اللحظة الحاسمة والحقيقية للبدء في صناعة ما تريد..تعلّم من الماضى وأرسم للمستقبل.
  4. الفشل والسقوط عثرات ممكن أن تقع فيها...لا تفشل فيما نجح فيه الأخرين، وتقبّل الفشل إذا لم يحالفك النجاح الذي خططت له ...وتذكر أن الفشل مرة أو مرتين ولا تزد..فالمعرفة والبحث في تجارب الآخرين والاسترشاد بخبرات المتميزين قلّصت من إحتمالية الفشل..فأنتبه.
  5. الوقت بزيادة كفاءته وفعاليته هو سبيل التقدم والانتاجية
  6. العلم ونشره مهمة النبيين وسبيل الصالحين.
  7. الجسد وما حوى (عقل وقلب وجوارح) أمانة ووديعة الرحمان لديك فحافظ عليهم.
  8. المال نعمة وجنيه مهمة وصرفة أمانة وتزكيته نماء وزيادة.
  9. الموت في قفى الحياة، كما أن الحياة في قفى الموت، فهو رحلة نستعد لها كل لحظة بما يرضي الله، وبما ينقلنا إلى مراحل الإنسان المتبقية (برزخ، بعث، حشر، حساب،....وصولا إلى الجنة....)

تذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم:


 (لا تزولُ قَدَمَا عبدٍ يومَ القيامةِ حتَّى يُسألَ عن أربعٍ عَن عُمُرِه فيما أفناهُ وعن جسدِهِ فيما أبلاهُ وعن عِلمِهِ ماذا عَمِلَ فيهِ وعن مالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وفيما أنفقَهُ)، وجاء في بعض الأحاديث عن شبابه فيم أبلاه...



         قد كانت أمسية ماتعة مع ولدي، فالحديث مع الشباب جميل لطيف ممتع لا يمل...ومرحلة الشباب ما ينعشها هو الحوار والبحث والإطلاع...والاستئناس بتجارب الوالدين في الحوار نفسه.. ولو كانت أمسية تدريبية للناضجين ، لأخترت ما أختار الكاتب J.D.Landis تغريدته 

 في كلمة ماذا تنصح شاب السابعة عشر ...لترى عشرات الكلمات (آمن - خطط -أعتقد - أقرأ -العلم - ....)


 فماذا لو حدث بينكما حوار ما أهم ثلاث محاور تعرض من خلالها تجربتك الحياتية لإبنائك؟ شاركونا في صندق الرد...ماذا لو كانت الإجابة لكلمة نصح لشاب السابعة عشر..


موقع للتنمية الذاتية مفيد وبسيط ومختصر

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

(12) مجالا لخطة 2024

قانون كونفوشيوس – قانون الغربنة في التدريب

كساء التوبة الضافي ... تأملات

مزاج البسطاء

تقنية السكينة السريعة للبروفيسور عبدالله العبدالقادر (Quick Coherence Technique )

قراءة فنية لجدارية كيث هارينغ