الأربعاء، 21 فبراير 2024

السعودية واليونسكو معاً لأجل الإنسانية









المنشور في مجلة فرقد في 01 فبراير 2023 07:55: م


“هناك عامل بشري مهم يرتبط بممتلكاتنا وعناصرنا الثقافية المسجلة، يحثنا على المعرفة عنهم والحفاظ عليهم وحمايتهم. نريد أن نعلّم جيل شبابنا كيف يفخر بتراثه الثقافي، من قهوتنا إلى نخيلنا وتمورنا وبطبيعة الحال،… نحن ندرك أن الروابط العالمية التي تتم من خلال الثقافة والمعرفة تظل واحدة من أقوى الوسائل للمضي قدمًا في معالجة الروابط بين تحديات التنمية،…”

صاحبة السمو الأميرة هيفاء آل مقرن المندوبة الدائمة للمملكة العربية السعودية لدى اليونسكو

بهذه العبارات المضيئة (التي تشعرنا بالفخر) نقف سويًا على رؤية وأهداف المملكة العربية السعودية في الانضمام إلى المنظمة العالمية للتربية والعلوم والثقافة اليونسكو التي تأسست عام 1945م لبناء جسور السلام والتعاون العالمي عبر تقديم خبرات دولية في مجالات التربية والعلوم والثقافة، وإثراء الثقافة التاريخية عبر الآثار والمتاحف، وممارسة التراث الحي وأشكال الفن المعاصر، وفي عام 1946م بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، كانت المملكة واحدة من عشرين دولة اجتمعت في عاصمة المملكة البريطانية لندن؛ للمشاركة في الأنشطة التأسيسية للمنظمة، وتم تعيين أول مندوب سعودي دائم لها لدى المنظمة معالي الدكتور حمد بن عبدالله الخويطر، وقد كان إسهام كبير في ميزانية المنظمة عندما انسحبت الولايات المتحدة الأمريكية من عضوية اليونسكو في العام نفسه.

وفي عام 1984م سجلت المنظمة في سجل ذاكرة العالم، أقدم النقوش الإسلامية بالخط الكوفي عن تاريخ وفاة الخليفة الثاني للإسلام، والمقدم من المملكة العربية السعودية، وفي عام 2006م ساهم برنامج الأمير سلطان بن عبدالعزيز لدعم اللغة العربية في الحفاظ عليها ممثلاً اللغة العربية لغة رئيسة في اليونسكو، كما تم في عام 2007م تأسيس أول كرسي بحثي سعودي في المنظمة بالتعاون مع جامعة الملك سعود، حيث سجلت المملكة موقع الحجر- مدائن صالح عليه السلام (Al-Hijr / Madā ͐ in Ṣāliḥ) كأول موقع أثري على قائمة اليونسكو، وقد فازت المملكة بعضوية المجلس التنفيذي مما زاد من حضورها الدولي والرئيس في صنع القرار بالمنظمة.

وفي عام 2009م أُقيمت أول أمسية شعرية سعودية في اليونسكو للشاعر غازي القصيبي – يرحمه الله – ​​وفي عام 2018م أُقيمت ثاني أمسية شعرية سعودية للشاعر الأمير بدر بن عبدالمحسن واللتين شهدتا حضورًا كبيرًا بين العرب والفرنسيين آنذاك. وفي العام ذاته سجلت المملكة موقع (حي الطريف) في الدرعية التاريخية (At-Turaif District in ad-Dir’iyah) كثاني موقع أثري لها على قائمة اليونسكو، وفي عام 2010م تأسس برنامج خادم الحرمين الشريفين عبدالله بن عبدالعزيز العالمي لثقافة الحوار والسلام في اليونسكو وفق اتفاقية موقعة من سمو الأمير فيصل بن عبدالله وزير التربية والتعليم السعودي مع المديرة العامة للمنظمة السيدة إيرينا بوكوفا، وكما أُقيم حفل تكريم جائزة خادم الحرمين الشريفين عبدالله بن عبدالعزيز العالمية للترجمة في مقر اليونسكو الرئيس في باريس، وكما كان للمملكة دور كبير في التصويت والدعم والتأييد لعضوية دولة فلسطين بالمنظمة.

توالت عطاءات المملكة في استمرار الكثير من المشاريع التنموية، وحصلت المملكة على عضوية المجلس التنفيذي للمرة الثانية، ومنصب نائب رئيس المجلس التنفيذي عن المجموعة العربية في عام 2011م، وكما تم تأسيس المركز الإقليمي الأول للجودة والتميز في التعليم في المنطقة العربية تحت رعاية اليونسكو، وتوقيع مذكرة تفاهم بين مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني واليونسكو لتعزيز قيمة الحوار بين الشعوب والأديان، وكما سجلت المملكة (موقع جدة التاريخية) (Historic Jeddah, the Gate to Makkah) كثالث موقع أثري على قائمة اليونسكو في عام 2014م .

في عام 2015م كان لرؤية المملكة 2030 إسهام بالغ الأثر في تطوير الأجندة العالمية للتعليم، والعمل مع اللجان الدولية في محور التعليم من خلال إقامة برامج وورش عمل إقليمية ودولية، كما سجلت المملكة (مواقع الرسوم الصخرية في جبة والشويمس بحائل )(Rock Art in the Hail Region of Saudi Arabia) كرابع موقع أثري لها على قائمة اليونسكو.

وفي عام 2016 – 2017م كان لمؤسسة مسك الخيرية دعمًا سخيًا للمنظمة لإقامة منتدى اليونسكو التاسع للشباب، مع توقيع مذكرة تعاون بين مؤسسة مسك الخيرية واليونسكو لتمكين الشباب حول العالم، وأطلقت المؤسسة جائزتها العالمية للمنظمات غير الحكومية بالتعاون مع المنظمة، وكان لاستضافة الرياض منتدى المنظمات غير الحكومية بالشراكة مع المؤسسة لتمكين شباب العالم أثر اجتماعي إيجابي، وكما رعت المملكة منتدى اليونسكو للمنظمات غير الحكومية المقام في موسكو- العاصمة الروسية، وسجلت في العام ذاته (موقع واحة الأحساء) (Al-Ahsa Oasis, an Evolving Cultural Landscape) كخامس موقع أثري على قائمة اليونسكو.

في عام 2019م وقع صاحب السمو الأمير بدر آل فرحان وزير الثقافة، والمديرة العامة لليونسكو السيدة أودري أزولاي مذكرة تعاون بين وزارة الثقافة السعودية واليونسكو، كما والتزمت المملكة العربية السعودية بتخصيص 25 مليون دولار أمريكي لتمويل برامج وأعمال اليونسكو الاستراتيجية المعنية بالحفاظ على التراث، وفازت المملكة العربية السعودية في المؤتمر الأربعين العام لمنظمة “اليونسكو”، بمقعد في المجلس التنفيذي في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة.

في عام 2020م تم تعيين سمو الأميرة هيفاء المقرن رسمياً مندوبة دائمة للمملكة العربية السعودية لدى اليونسكو، واستضافت المملكة العربية السعودية قمة قادة مجموعة العشرين (G20)، وفي عام 2021م تم تسجيل (منطقة حمى) الثقافية في منطقة نجران (Ḥimā Cultural Area)، ليصبح رصيد المملكة من التراث الثقافي المادي خمس مواقع تاريخية متفرقة في أنحاء المملكة العربية السعودية، وكما تم إضافة أرخبيل جزر فرسان الذي يضم أكثر من 170 جزيرة إلى شبكة محميات المحيط الحيوي العالمية، والذي يعد منطقة تعليمية مهمة للتنمية المستدامة في ظل سياقات بيئية متنوعة.

و تشترك المملكة العربية السعودية مع العديد من الدول العربية في بعض من التراث الثقافي غير المادي مثل الخط العربي: المعرفة والمهارات والممارسات، وحياكة السدو، ونخيل التمر: المعرفة والمهارات والتقاليد والممارسات، القهوة العربية: رمزٌ للكرم، والمجلس: مكان ثقافي واجتماعي، والبيزرة: تراث إنساني حي يجمع العديد من دول العالم، وتنفرد المملكة في التراث الثقافي غير المادي في كل من: فن القط العسيري: وهو فن من فنون النقش والزخرفة التقليديّة على جدران المنازل برعت فيه نساء منطقة عسير، ورقصة المزمار: رقصة تؤدّى باستخدام العصي على إيقاع الطبول، والعرضة النجدية: رقص وطبول وأهازيج شعرية في المملكة العربية السعودية.

ما نشره موقع الرسمي باسم (الوفد الدائم للمملكة العربية السعودية لدى اليونسكو) من إنجازات وإسهامات بلدنا الكريم المعطاء، ومن ثم حصره في هذه المقالة المختصرة ما هو إلا سرد تاريخي يعكس تفاعل المملكة مع المجتمع الدولي من خلال تسجيل أكثر من اثني عشر عنصرًا كتراث عالمي الذي يهدف بدرجة الأولى إلى الحفاظ على تراثنا وتعزيز دوره وصوره أمام المشهد العالمي، وإثراء التجارب الثقافية عبر زيادة أماكن سياحية وتاريخية جديدة لثقافات وحضارات امتدت على مدار آلاف الأعوام محتضنة بين جوانبها مشاهد استثنائية تعكس ديناميكية التفاعل الإنساني مع البيئة، وتحسين الوصول إلى التعليم، وتطوير مهارات الشباب والمنظمات غير ربحية، وتحقيق التقارب بين الثقافات العالمية عبر البرامج والأنشطة الإبداعية.

ومما يعكس اهتمام المملكة العربية السعودية بالتراث منجزات وإسهامات وزارة السياحة والآثار سابقا، ومن ثم هيئة التراث التي تعمل على الحماية والمحافظة على الثروة الثقافية، والمواقع الأثرية مع تمكين الابتكار والتطوير المستدام لمكونات قطاعات التراث: من آثار، وتراث عمراني، وحرف يدوية، والتقاليد الشفهية، وفنون الأداء، والممارسات الاجتماعية، والمعارف والممارسات المتعلقة بالطبيعة والكون، أو المعارف والمهارات المرتبطة بإنتاج الصناعات الحرفية التقليدية.

جهود حثيثة، وإنجازات متوالية؛ لحفظ التراث بأنواعه الذي هو إرث الحاضر وثروة المستقبل.

جناح التراث الثقافي المادي وغير المادي بالمملكة العربية السعودية








معرض جمال الروح












فاطمة الشريف

“الروح لا تستطيع التفكير بدون الصور” (أرسطو)

عندما تلقيت الدعوة لحضور فعالية جمال الروح صنعت كلمة الروح في ذهني سيناريوهات لعالم ثلاثي الأبعاد، نوراني الألوان، عالم روحاني جسّد جماليات الكون المادي في كينونة تشكيلية خلاّبة، أخذني المسمى إلى عوالم تمازجت فيه المشاعر والأفكار في عملية اتحادية للذكريات والتجارب الإبداعية، قد كان سفرًا عبر الزمن، فانتازيا الفن واللون والسمو، وما إن وقفت في بهو المكان أيقنت أن المعرض هو الأول في تلك الفعالية، سادت لوحاته وكست ألوانه المكان، تراصت لوحات الرواد يمينًا وشمالًا تحمل في ألوانها تفاصيل الحياة بكل ما فيها، وفي التفاف رشيق منتظم تباينت لوحات ومنحوتات المبدعين والهواة برموز روحانية حلقت بروحي فأحببت المكان وتحركت فيه كالفراشة وكأني من أهل الدار، وأيقنت أن جمال الروح كان في حضور وبهجة المشاركين والزوار، كما كان لتنظيم المعرض وتوزيع الأعمال بتلك الحرفية والانسيابية عامل آخر في صنع ذلك الجمال، ومما زاد ذلك الجمال الجلسات الحوارية وورش العمل الحر من سادة الملتقى.

المتجول في المعرض سريعًا دون تدقيق في تكوينات وألوان اللوحات يعيش البهجة والمرح، وعند الاندماج في عوالم وأسرار تلك الأعمال والحديث مع كبار الفنانين ويافعيهم وإذا بتجليات المسمى تتكشف أمام ناظري وأحاسيسي؛ ليكن جمال الروح في إشراقة بسمة، ونقاء ضحكة، وحلاوة حديث، وبساطة أسلوب من فنان رائد يقف بجوار لوحته لالتقاط الصور مع الزوار، أو يرسم لوحة جديدة. أما المتجول المتأني في جنبات المعرض يتلقى دروس وتجارب تشكيلية متنوعة لاتجاهات فنية متعددة بأساليب مختلفة، بالفعل جمال الروح في التنوع والاختلاف، في السلب والإيجاب، في التفاصيل والشمول، في رسم الجميل وحتى القبيح، في التمرير لما رصده الفنان من ألم، وشعر به من أمل.

فعالية جمال الروح الفنية بأبعادها الماتعة من فن تشكيلي بفنونه المتعددة من رسم وخط ونحت وخزف وتصوير، وجلسات حوارية ثقافية فنية، وورش عمل تشكيلية بقيادة الخزّافة الدكتورة ناهد تركستاني حدث فني أبهج عروس البحر جدة، ساد فيها روح الفن التشكيلي باتجاهاته ورموزه، وبات روحا لجمال اللون والتكوين والإحساس.

معرض جمال الروح من أجمل المعارض مشاركة من كوكبة متنوعة من رواد الفن أمثال الفنان التشكيلي ضياء عزيز، الفنان التشكيلي دكتور فؤاد مغربل، الفنان التشكيلي هشام بنجابي، والنحّات نبيل نجدي، والخزّافة ناهد تركستاني، وكبار الرسم والسيادة التشكيلية أمثال الدكتور عبد العزيز الدقيل، والدكتور عبدالله فتيني، والخطاط سعود خان، ورموز التشكيل والإبداع أمثال الفنانة التشكيلية سارة السديري، والفنانة التشكيلية زهرة خلف، والفنانة التشكيلية نوال السريحي، والفنانة التشكيلية الدكتورة سناء صميلان، وآخرون لوحاتهم شواهد فنية لاتجاهات حديثة تعكس خلفية تشكيلية رصينة وثقافة فنية خلاّقة.

لقد جاء المعرض النشاط البارز للفعالية الفنية، مصنفًا نفسه لفنون متعددة واتجاهات متباينة، كما كانت الجلسات الحوارية أفقًا متسعًا حلّق بنا في فضاء الشعور والتعبير، أما الفرصة الأثمن كانت في اللقاء مع الرواد والكبار والمحترفين والهواة في ورش فنية متنوعة.

من شواهد المعرض التي نعتز برصدها

رسائل تشكيلية:


الفنان التشكيلي والنحات الرشيق ضياء عزيز شامخًا بجوار لوحته وأبعادها الإنسانية في سبر المعاناة والمشكلة الاجتماعية وإبداعاته في التكوين واللون والضوء، وقدرته في توظيف ذلك كله لتقديم رسالة روحية وتخفيف حدة الألم. كل التحايا لروحه وعطائه وانتقائه لنتعلم.

أحاديث بجوار اللوحة:


الخزافة ناهد تركستاني المسؤول الأول في التخطيط والتنظيم لأنشطة الفعالية، المنسقة للمعرض، والذي جاء تنظيمه بدارسة واعية لجميع الأعمال معتبرة في التنظيم التقديم لأعمال الرواد ثم المبدعين، ثم الهواة، والتنوع في الخامات والأساليب والاتجاهات.


النحّات نبيل النجدي شامخًا بين منحوتاته سلة الحروف العربية وقمريات يرى أن إنتاجه يزداد جمالا وإبداعًا وأن أعداده تتزايد!


الفنان التشكيلي فؤاد مغربل حاملًا ريشته أمام لوحته التي بدأها في مرسم الملتقى يؤكد أنه ملتقى جميل جمع أكثر من جيل من الفنانين والفنانات، ويرى أن الارتقاء بالفن يكون بتواصل الأجيال، والعرض مع من سبقوا في هذا المجال، ويشيد بروح التعاون بين الفنانين والتشارك في الآراء عبر الجلسات الحوارية، ويؤكد أن المعارض فرصة لإثراء الفكر الثقافي، وصناعة جيل يقود عجلة التقدم الفني.


الفنان التشكيلي هشام بنجابي أمام لوحته في مرسم الملتقى يرسم بورتريه الدكتور عبد الحميد الرميثي، ويعد بنجابي عضو معه في فريقه النواخذة الإماراتي (مصطلح خليجي قديم يطلق على ربّان سفن الصيد البحري واستخراج اللؤلؤ) حيث يجمع الفريق بمن لهم مساهمات مجتمعية محمودة في الخليج العربي.


الفنانة التشكيلية سارة السديري القط العسيري نقطة تحول فنية لديها، وقصة قيم لونية، ودمج بين النقش الخاص بها مع زخارف الأبواب النجدية، وحياكة السدو قصة لوحة تراث حاضرة ومعرض شخصي قادم.


الفنانة التشكيلية فوزية موسى تعشق الماضي وآثاره القديمة التي تتجلى في تفاصيل الأبواب العتيقة والنوافذ والرواشين، وأزقة جدة التاريخية، فجاءت اللوحة لقطة تصويرية أثرية.


الفنانة التشكيلية ليلى زيدان هاوية ومحبة للفن، وتحب رسم الورد باتجاهات متعددة وبألوان في -الغالب- أحادية متدرجة.




ورشة الرسم الحر فضاء إبداعي سريع للممارسة الفنية والتعبير اللوني للفنانة ياسمين خياط



تأملات ممزوجة بمشاعر من السلام والبهجة مغمورة بجمال الفكرة والتكوين:


منحوتة ضياء عزيز حمامة وغصن الزيتون ممزوجا بنقوش عربية في دقة وجمال.




منسوجة الدكتورة سناء صميلان كلمات عربية مركبة بخامات قماشية بألوان متناغمة مضيئة.


التحفة الخطية لآية قرآنية بالخط الكوفي المصحفي القديم بقلم الخطاط المبدع سعود خان




الجامع الأزرق أو السلطان أحمد وجمال العمارة العثمانية، وذكرى بلاط الإزنيق الأزرق للفنانة التشكيلية سلمى الزهراني.

رابط فيديو لمقابلات مع الفنانين بعدسة

وإنتاج فاطمة الشريف





رابط جميع أعمال المشاركين والمشاركات

احساس 2023 وسيادة العلم







فاطمة الشريف*


فيما رأيت وجال فيه بصري، وسادت فيه احاسيسي في معرض احساس 2023: رحلة فنية معاصرة، تأخذك في رحلة بين الفنون المختلفة، معرض بمسماه الفريد، وشعاره الخلاّق؛ قفزة واثبة في الخط الزمني للفن السعودي، معرض مميز بتنوع لوحاته واتجاهاته، وتعدد فنونه من رسم وتشكيل، ونحت وخامات فنية، وأشغال يدوية، فرصة ثمينة للحوار مع الفنان عن لوحته بكل ثقة وانسيابية؛ والتعبير عن احاسيسه التي تمازجت مع ألوان وتكوينات لوحته؛ لتقدّم للمتلقي وثيقة نفسية بلون وعبارات الفنان الذي غاص في أعماق نفسه، باحثاً عن معنى لما يقوم به من عمل تشكيلي يرمي إلى تطهير وجدانه الحسّاس، ونفسه الشغوف، وفكره الراقي الذي يسمو بعقله السؤول وقلبه الرؤوم.

والمشاهد لفيديو المعرض بعدستي يلاحظ كيف أبدع من حاورته عن ترجمة معاني لوحته، وأوجز في تقديم صور عن أحوال النفس البشرية، وخلجات الذات الإنسانية: ما بين أفكار متناغمة، وأحاسيس صامتة، وتجارب صامدة، وخيالات مضيئة، ولحظات هاربة من ضجيج النهار وكوابيس الليل، ما بين مشاعر الحزن، والقلق، والخوف التي بددتها ألوان اللوحة، ومشاعر الفرح والصمود والمساواة التي رسمتها تكوينات اللوحة، كان معرض احساس بالفعل رحلة مبهرة في التعبير عن مكنونات الجرم الصغير في العالم الأكبر:


دَواؤُكَ فيكَ وَما تُبصِرُ

وَدَاؤُكَ مِنكَ وَما تَشعُرُ

أَتَزعُمُ أَنَّكَ جُرمٌ صَغير

وَفيكَ اِنطَوى العالَمُ الأَكبَرُ

فَأَنتَ الكِتابُ المُبينُ الَّذي

بِأَحرُفِهِ يَظهَرُ المُضَمَرُ

وَما حاجَةٌ لَكَ مِن خارِجٍ

وَفِكرُكَ فيكَ وَما تُصدِرُ

ومن اللوحات التي لامست الاحاسيس، وحاورت العقل، واستحسنت فكرتها المعبرة عن علاقة القلب والعقل في تنوع الانفعالات والمشاعر الإنسانية:


لوحة القلب والعقل التي كانت محور الطرح مع سادة للعلم والفكر، على النحو الآتي:

قراءة اللوحة في سياق المفاهيم الأدبيّة:

يقول البروفيسور السعودي ظافر العمري عن اللوحة :

“توسّلت بالعلاقة بين الفنون الكلاميّة، والفنون التشكيليّة، واقتراب الأدب من الشعور النفسيّ، وما يدعم ذلك من أسس التشكيل، والألوان، والأبعاد، والنُظم الذهنيّة.!

اللوحة تتكون من جملة من المعطيات. القلب وما يحيط به من اللون الأحمر. الدماغ وما يحيط به من اللون الأزرق. الخلفيّة الحديديّة ذات البعدين أحد الحاجزين مغلق تماما والآخر فيه متنفّس، ومنفذ بصريّ. اللون الأسود القاتم وخلفه منفذ بصريّ، وخلف المنفذ البصريّ مساحة واسعة مضيئة. الحالات المتباينة لتعابير الوجوه الثلاثة. التخطيط التقنيّ المختار لما يحيط بالقلب والدماغ. فهمت أنّ اللون الأحمر الذي يحيط بالقلب يدلّ على المعاناة، وأنّ اللون الأزرق المحيط بالدماغ يدلّ على الخروج من المعاناة. الحواجز وهميّة، ويحتاج صاحب المعاناة إلى التأمّل في تلك الحواجز وينفذ ببصره من وراء الحاجز المعتم إلى الحاجز الذي يمكّن النظر من النفاذ، إلى الحياة المشرقة من وراء الحاجزين كليهما؛ فهي أوسع من الضيق والعتمة التي يتوهّمها. الابتسامة في ملامح الوجه الثالث هي النتيجة التي يُراد الوصول إليها بعد المعاناة الوهميّة.!”



وفي علم الكون والطب يمكن أن نرمم اللوحة بقراءة في سياق المفاهيم الطبية:



تعكس اللوحة الفكر السائد والمنتشر حتى بين بعض الدوائر الطبية التقليدية أن الدماغ صانع قرار وشخصية، وله علاقة بالمشاعر البشرية، ووجوده في منطقة مركزية تساوي القلب بل تفوقه وتجعله له مخرجات قليلة مقارنة بالعقل، من خلال (نظرية الوعي الكوني قلبي المنشأ ) للبروفيسور السعودي عبدالله العبدالقادر التي تنافي فكر اللوحة، ومما يؤكد عليه دوما في حواراته عن سيادة علم القلب على الدماغ، أطال بعمره وبارك بعلمه يقول:

” أن القلب مهاد العقل، ومنشأ الوعي، وصانع القرار؛ هو بإيجاز ملك الأعضاء، وله في عالم الملكوت ما ليس لغيره من أعضاء الجسم، وفوق هذا يتفرد في عوالم الملك والشهادة بخصائص في غاية العجب، ومن ينظر للخصائص الضخية للقلب البشري كونه مضخة فقد جانب الصواب، بل هو آلة لتسيير أسباب الحياه في ملايين الدورات التي يبث فيها الدماء لتجري في الدورة الواحدة بما يعادل دورتين ونصف حول الكرة الأرضية في اقصى اتساعها على مدار خط الاستواء، ومما يزيد الأمر حيرة وعجبا هو حالة السكون الرهيبة التي يتم فيها هذا الدوران فلا صوت ولا أنين ولا ضجيج بل اغراق في السكينة والهدوء يصل إلى عدم الإحساس بما يجري، ‏وهذا من أعاظم النعم التي يغفل عنها بني البشر، ومما يزيد الأمر إعجاز هو كون هذه الدماء التي تجري هذه المسافات العظام في حالة هدوء تام هي سائل لزج جدًا مما يستعصي على المضخة الاعتيادية عمله، ‏ولقد تعودنا عندما يقوم أحدنا في تشغيل الدينامو في حديقته أن يؤدي اندفاع الماء إلى استقامة الأنابيب المعطوفة وما يحدث في الجسم البشري هو العكس حيث أن القوس الأورطي ينعطف مع اندفاع الدماء وليس العكس. كما أن عودة السوائل إلى المضخة يتطلب عملية دفع ناشئة من نفس المضخة وهو أمر غير متوفر في الدورة الوريدية الراجعة للقلب البشري. ولقد اعتاد المهندس من بني البشر أن يضع الآلة المسؤولة عن الضخ في اسفل المنشأة ليس في الثلث الأعلى كما هو القلب البشري. ‏وتعمل المضخة الاعتيادية التي نصنعها نحن البشر على مبدأ الدفع بينما تعمل البطينات في القلب البشري على مبدأ خلق ما يشبه العواصف التوربينية التي بأمر ربها تبث حرارة النفس في العروق مما يستوجب الحياه الدنيوية وعندما يأتي كتاب الأجل تأتي ملائكة الرحمن لتستقبل ما حواه هذا العضو الشريف لتعود للخالق البارئ المصور الذي خلق كل شيء وأحسن خلقه.” ويؤكد كذلك على أن للقلب إمكانية التواصل مع باقي الأعضاء تواصلاً عصبياً بيوكيميائياً عن طريق الهرمونات، تواصلا بيوفيزيائياً مع أعضاء الجسد قبل وصول الدم إليها، مما يعني أن له طاقة قلبية تعادل مئة ضعف كهرباء الدماغ، وفي مقارنة رقمية بين طول موجتي القلب والعقل تصل ٦٠: ١ لصالح القلب، وله مجال حامل للمعلومات، يتفاعل مع المجالات المحيطة مثل مجالات شومان، والرياح الشمسية، والانفجارات الكونية، وفي مقارنة مجال الدماغ مع القلب البشري تصل ١٠٠٠٠٠، بما يعادل الدوران حول الكرة الأرضية بمعدل أربع مرات لصالح القلب، ويتفاعل القلب مع هذه المجالات تفاعلاً مستمرا لا يتوقف، ….

وفي علم النفس ممكن أن نداوي اللوحة التي تعكس الحالات التي يمر بها الإنسان ما بين صمت وصمود، فرح وحزن، كمون وإشراق، حكمة وجنون؛ مزيج من المشاعر والأحاسيس التي تارة يترجمها العقل، وتارة يحكيها القلب، أن الصحة النفسية مطلب، وأن من مسببات الصحة والرفاهية والانسجام كما يراها أ.د عبدالله العبد القادر في افتتاحية كتابة: (القلب الملهم): رفع درجة الإدراك للذات والآخر والكون
بناء علاقات شخصية وكونية أقوى أذكى
المرونة في التعلم
استحضار الوعي وإدارات الحالات الانفعالية اليومية
التنظيم الذاتي للمشاعر والانفعالات
التحرر من النمطية باعتبار المحزون الداخلي المنسجم مع الالهام الداخلي وإدارته بوعي وإدارتك مع تبني أفكار جديدة وخلاقة وقيم أساسية
تحسن عملية التفكير واستشعار المستقبل

وفي بوح الشعر يمكن للوحة أن تناجي ألوانها وتكويناتها مستأنسة بقصيدة (علامة استفهام) للشاعر عبد الله زمزم، فلسطيني من قضاء عكا قرية أم الفرج بالأراضي المحتلة، تم تهجير أسرته إبان النكبة سنة 1948 م إلى الجنوب اللبناني، فهو من مواليد صور عام 1998 م
في داخلي مَوجٌ من الآلامِ
هل يَنتهي يومًا من الأيّامِ؟
أمشي وراءَ الوهمِ.. كم هو مُوجعٌ
ألّا يُواسيني سوى أوهامي!
خالفتُ فيكِ العقلَ.. حتّى خنتُهُ
وخدعتُ نفسي كي يَعيشَ غرامي
واللّٰهِ أعلَمُ أنّ قلبَكِ ليسَ لي
لكنْ أُكذِّبُ ما أراهُ أمامي!
كنّا نُؤمّلُ أن نكونَ غدًا معًا
ونُتِمَّ ذلكَ.. أجملَ الإتمامِ
حُلمٌ جميلٌ قد تعلّقنا بهِ
يا ليتَهُ ما كانَ غيرَ مَنامِ
يا ضحكةً في خاطري.. رَسَمَت على
وجهي العُبُوسَ، بقيّةَ الأعوامِ
قد أوقعوا بيني وبينكِ.. غيرةً
فرحلتِ دونَ علامةِ استفهامِ..
إن كنتِ صدّقتِ الذي جاؤوا بهِ
ظُلمًا.. فأنتِ أشَدُّ مِن ظُلّامي!
أبقيتُ بابَ القلبِ مفتوحًا.. ولم
تأتي، سوى ضيفٍ على أحلامي
لم أكتب الأشعارَ يومًا في الهوى
لو لم تكوني تقرئينَ كلامي
قد مَرَّ بي ألَمٌ، فأشفقَ.. قائلًا:
يَكفيهِ ما فيهِ من الآلامِ!
بيني وبين اللّيلِ ألفُ قصيدةٍ
مَكتوبةٍ بالدّمعِ لا الأقلامِ
ما أسوَدَ السّاعاتِ.. ليلةَ رؤيتي
غَيري ومَن أهوى معًا بِسلامِ!
يا ليلةً أقسى على مَن ذاقَها
مِن ليلةِ المَحكومِ بالإعدامِ!
سهَرٌ بلا جدوى.. على أنقاضِنا
خلّيتُ فيهِ الرّوحَ تحتَ حُطامي
اللّٰهُ يَهديني، لقد ضيّعتُني
أمشي وراءَكِ.. والنّجاةُ أمامي!

موقع الديوان: https://www.aldiwan.net/

وفي علم الذكاء الاصطناعي: يمكن تصحيح مفاهيم اللوحة العلمية وفقاً لنظرية البروفيسور عبدالله العبدالقادر (الوعي الكوني قلبي المنشأ).







ختاما: وددت مقابلة صاحبة اللوحة، التي بغيابها كانت هذه الرحلة التشكيلية العلمية في ثنايا ألوان وتكوينات اللوحة، كل التحايا للقامات الذين أثروا روافد المقال من معين علمهم المتدفق، والشكر موصولا لصاحبة اللوحة.



علّقت على المقال بصفحة المجلة : هنا
صاحبة اللوحة الفنانة:  
"اشكرك على المقال الرائع مع الفنانه : ود العسيري صاحبة العمل وشكراً لرأيك في عملي وتوضيح الشرح بمنظور جميل وفكر ابداعي وتحليل عميق وباذن الله نلتقي شخصياً في معارض ثانيه ولوحات سرياليه اقوى"

الفنانة ماجدة الشريف:
"بارك الله فيك أستاذة فاطمة على هذا النقل الطيب وعلى نشر لوحات معبرة تحاكي إحساس المتلقي .. الفنان هو مزيج بين المشاعر والمنطق الذي يرتبط كثيرًا ترابط يجعل منه فنان ذا فكر وعواطف يتحدث بها من خلال اللون والخطوط أي كان خطه ولونه هو بنهاية الأمر يخرج لنا مكنونات الإنسان قبل أن نرأها نحن لوحة فنان دمتِ متألقة🌹😊"

الكاتب خالد الصميلي في العملات السعودية
"ما شاء الله تبارك الرحمن مقالة رائعة تناولت الموضوع من عدة نواحي مع الشرح والتفصيل"

"إن حاولت ترجمة حديثي بريشة فنان، فلست بفنان..
وإن حاولت الحديث بقلم كاتب، فلست بأديب..
لكنني أنظر إلى الموضوع من خلال قلم فنان، وريشة كاتب!
كما فعلت كاتبة هذا المقال تماما..
لكن بما يسمى “رجع الصدى للقراء” ، فقد أبدعت الكاتبة الملهمة، من خلال الكلمة الرشيقة، والحرف الأدبي الجميل، في نقل الصورة الرائعة لنا كقراء، وكأننا نعيش الحدث..
كيف لا، وهي الكاتبة الأديبة، والفنانة المبدعة، والقيادية التربوية.
شكرا عميقا للأستاذة فاطمة الشريف على هذه الأحرف المبهجة، وهذا المقال الفني الأدبي الذي يتحدث بكل معاني الاحتراف، ويفرض كل معاني الاحترام، ولفريق العمل في مجلة فرقد الإبداعية وفي مقدمتهم د. أحمد الهلالي، وللأستاذة شريفة المالكي.
حامد العباسي"

الدكتور في النقد التشكيلي خالد البغدادي من دولة مصر

"مقال جيد متوازن فيه درجة عالية من التامل والعمق لشخص باحث وحالم فى نفس الوقت .. عنوان المعرض موفق احساس ٢٠٢٣ وتحليلك للوحة العقل القلب اعجبنى كثيرا تحياتى واحترامى"

طالبتي سابقا هيفاء الحربي

"المقال بحد ذاته لوحة فنيه ✍️ كتابة وتحليل ..ابرز جماليات اللوحات بانتقاءات للالفاظ والجمل بشكل ممتع وغني "

Faisal Mateen Artist
  1. It’s really great👏😊 always are getting new subject of the art era… Amazing articles for the art lovers… All the 👍💯 best for futures project. 

أعضاء مبادرة فكر وفن في معرض السعودية العظمى







هند القثامي*

رابط المقال:
 https://fargad.sa/?p=30786

انطلاقاً من مبدأ الاهتمام بالتراث السعودي، ومن خلال الفنون البصرية شاركت مبادرة فكر وفن ونشر في معرض السعودية العظمى، والذي نظمته مجموعة الأنامل الذهبية بقيادة الفنان ماهر العولقي.

المعرض الذي ضم كافة مناطق المملكة وجسدها في أعمال فنية متنوعة.

وكان للمبادرة حضور مميز ولافت من خلال اللوحات التي شاركن بها عضوات المبادرة والتي تحكي إرث المملكة وتدعمه، فنجد لوحة (نقوش حجازية) لمؤسسة المبادرة الفنانة فاطمة الشريف ولوحة (بستان مكة) للفنانة هند القثامي كما قدمت الفنانة ماجدة الشريف لوحة (جبل النور) ولوحتان للفنانة سلوى الأنصاري (رجل المعاناة) (أُريتا) حيث أعربن عن سعادتهن في المشاركة مع مجموعة الأنامل الذهبية وكُنّ جزءاً من نجاح المعرض الذي لاقى أصداءً واسعة بين فئات المجتمع.

الجدير بالذكر أن للمبادرة ولمجموعة الأنامل الذهبية أعمال فنية في مقالات ومعارض افتراضية، كما أن إصدارات المبادرة الأول والثاني تُعنى بالتراث السعودي والعربي وتوثقه من خلال الحرف واللون، أيضاً ومن خلال المشاركات في المعارض لإرساء أهدافها في تخليد الإرث الحضاري والثقافي الذي عاشته المملكة في ظل حكومتنا الرشيدة.



التشكيلية: فاطمة الشريف




التشكيلية: هند القثامي




التشكيلية: سلوى الأنصاري




التشكيلية: ماجدة الشريف



الثلاثاء، 6 فبراير 2024

في ذكرى التأسيس 2023 العوجا تحفة “الطراز السلماني”

 



فاطمة الشريف*

المقال منشور 

22 فبراير 2023 06:54: م 

في مجلة فرقد الإبداعية

 أنقر هنا

مع صدى الحروف، وعبر بحور الشعر وأبيات القصيد، وبين أقوال المؤرخين وأحاديث المبدعين؛ يتجدد اللقاء بنا على ضفاف وادي حنيفة بمنحوتاتها الصخرية، وواحات النخيل، وقصور حجار جبل طويق، وطمى أويته، يظهر قصر العوجا بالدرعية بطرازه السلماني البديع، وزخارفه الهندسية الخالدة. 

قصر العوجا أسطورة نجد المتجددة، رقش في خارطة المملكة العربية السعودية، نقش الشموخ وفخر نجد العظمى، في الدرعية حيث الملاحم والبطولات، وقصص السقوط والنهوض “على أسوارها وحصونها ذكريات البسالة والسؤدد، وعلى جدرانها وأبوابها ألوان الأصالة وعبق التراث، دوّنت أروع قصص صراع الخير والشر، والفضيلة والرذيلة، من جهل إلى نور، ومن شرك إلى توحيد، هي كذلك الدرعية ملحمة الحق المنير، والمنهج القويم نحو السلفية القائمة على النصح والإرشاد، وتبادل الأدوار السياسية والشرعية لنصرة الإسلام والسنة ومنهج السلف.”*

وتحديد على امتداد وادي حنيفة المتعرج، وبين حي الطريف على ضفته الغربية، وحي البجيري على ضفته الشرقية، يقع قصر ومزرعة سيد المؤرخين خادم الحرمين الشريفين سلمان بن عبد العزيز -بارك الله في عمره- العوجا، ملتقى الملوك والرؤساء، ومتحف المبدعين والعظماء، ومعرض صور بطولات التوحيد، ومشاهد الوحدة والتأييد؛ إحياءً لبطولات نخوة الدولة السعودية الكبرى، والتراث العربي الأصيل، والعمارة النجدية البسيطة في هويتها البصرية، وكثافة ملامحها الثقافية الحاضرة في كل أجزاء القصر. 

في مخيلتي التشكيلية الشغوف، وعبر صور القصر الرقمية، أجدني باحثة عن أبرز ما يميّز القصر، فأجد جمالاً بسيطاً في شكله، عميقا في مضامينه، جمالاً بسيطاً مريحاً بتصاميمه وزخارفه وتجويفاته المتوازنة المدروسة التي تشعرك بالتواضع والألفة، مما يُشّعر أننا في رحلة تاريخية عبر خط الزمان وعبقرية المكان، شاهدين على تناغم تكوينات العمارة النجدية التي جمعت بين المعاصرة والأصالة، حيث الشرفات الطينية المسننة ذات الشعاع العلوي، الأعمدة والأقواس الجصية، والفضاء المتسع المفتوح الذي يشكّل ما يسميه الباحث في تاريخ الرياض راشد بن محمد بن عساكر (بطن الحوي)؛ لتوسطه في القصر، وإحاطة المرافق الهامة به. حاملاً على جدرانه صور تاريخية متعددة ذات شروحات تعريفية لها، وعدد من البنادق التاريخية، والأدوات الحربية الصغيرة، والمعلقات المنسوجة ذات الألوان الزاهية والعناصر الشعبية، وتتميّز الجدران والحوائط أنها مسمكة ذات نقوش جصية بيضاء ذات أشكال هندسية متعددة مثل: الدوائر، والمثلثاث، والنجوم، والمعّينات، والخطوط. إضافة إلى اللوحات التذكارية، والقناديل الضوئية، ويعد المثلث العنصر الزخرفي االرئيس بأشكاله المتعددة ما بين متساوي أو مختلف الأضلاع، أو متساوي الساقين، والأسقف ذات التكوينات الخشبية، والأرضيات ذات السجاجيد المزركشة بالأشكال الهندسية ذات الرموز الثقافية، وتتداخل في (بطن الحوي) الألوان الذهبية، والترابية، والبيضاء، والزرقاء، وكأنهم جميعًا في عناق بين ضياء السماء، ورمال الصحراء، ما يجعلنا نحلّق عاليًا نلامس الأطباق النجمية البيضاء المنتشرة على الحوائط والمثلثات العلوية الشعاعية، مستمتعين برائحة الطين، والقهوة السعودية، وبخور العود النجدي، وأحاديث السلمان عن المنهج القويم والصراط المستقيم، والتراث السعودي وحب الوطن، والإسلام والعرابة رمز الخيرية والوسطية. لقد عكست العمارة السلمانية قيم الأصالة، وبساطة العيش، والابتكار والاستدامة.

قصر العوجا أنموذج  “الطراز السلماني في أحضان النفوذ وبين منحوتات جبل طويق، تحفة الدرعية جسدّت أروع تجربة حضارية معاصرة كان الإنسان فيها عنصراً مستداماً محباً لبيئته، قصر العوجا؛ ترنيمة الشعر الشعبي الخالد الذي ذكّرنا بقصيدة خادم الحرمين الشريفين فهد بن عبد العزيز -رحمه الله تعالى- (حنا هل العوجاالمرسلة إلى الأمير فهد بن سعد -رحمه الله- في رحلته العلاجية لبريطانيا في شهر شوال من عام 1385:

يابو سعد صارت على اخوك غارات

شهرين اقاسي من شديـد الغرابيـل

سو المرض يحمل على اخوك حملات

مافي يدي حيله ولا في يـدي حيـل

والله فزع من فوق سبع السمـاوات

وانا احمد الله يوم صارت تساهيـل

ماينفع الخايـف والايـام عجـلات

الخوف ماينفـع ولا القـول والقيـل

حنا هـل العوجـا ولا بـه مـروات

شرب المصايب مثل شرب الفناجيـل

لاشك انا مشغول في كـل الاوقـات

على الـذي حنـا بظلـه رجاجيـل

ماني على نفسي كثيـر الحسافـات

لاسلم راسه روسنا رفـاع بالحيـل

حامـي حمانـا بالليالـي المخيفـات

لـو صـار بالعالـم كثيـر الزلازيـل

فخر العروبـة بالعـدل والمسـاواة

هذا هو (الفيصـل) ولا فيـه تشكيـل

يشهد له اللي شاهـدوا منـه ليـات

ويشهد له التاريخ جيـل بعـد جيـل

 وأبيات الشاعر محمد أبو نهية:

وأبكي على عوجا ربينا بربعها

صغار كبار نشتري ونبيع

 

و الشاعر فهد بن دحيم:

ليا قيل أبو تركي من العوجا ظعر

تزلزلت نجد ورقص شيطانها

صور رقمية للقصر:

*كاتبة وفنانة تشكيلية سعودية

المعذرة عام 1447

 مع بداية عام 1447 أقدم اعتذاري له، حيث أني عند كتابة مقالي بعنوان الهجرة النبوية: رحلة عبر الزمنكان واللون افتتحت المقال بهذه الفقرة:  ...