في ذكرى التأسيس 2023 العوجا تحفة “الطراز السلماني”
فاطمة الشريف*
المقال منشور
22 فبراير 2023 06:54: م
في مجلة فرقد الإبداعية
مع صدى الحروف، وعبر بحور الشعر وأبيات القصيد، وبين أقوال المؤرخين وأحاديث المبدعين؛ يتجدد اللقاء بنا على ضفاف وادي حنيفة بمنحوتاتها الصخرية، وواحات النخيل، وقصور حجار جبل طويق، وطمى أويته، يظهر قصر العوجا بالدرعية بطرازه السلماني البديع، وزخارفه الهندسية الخالدة.
قصر العوجا أسطورة نجد المتجددة، رقش في خارطة المملكة العربية السعودية، نقش الشموخ وفخر نجد العظمى، في الدرعية حيث الملاحم والبطولات، وقصص السقوط والنهوض “على أسوارها وحصونها ذكريات البسالة والسؤدد، وعلى جدرانها وأبوابها ألوان الأصالة وعبق التراث، دوّنت أروع قصص صراع الخير والشر، والفضيلة والرذيلة، من جهل إلى نور، ومن شرك إلى توحيد، هي كذلك الدرعية ملحمة الحق المنير، والمنهج القويم نحو السلفية القائمة على النصح والإرشاد، وتبادل الأدوار السياسية والشرعية لنصرة الإسلام والسنة ومنهج السلف.”*
وتحديد على امتداد وادي حنيفة المتعرج، وبين حي الطريف على ضفته الغربية، وحي البجيري على ضفته الشرقية، يقع قصر ومزرعة سيد المؤرخين خادم الحرمين الشريفين سلمان بن عبد العزيز -بارك الله في عمره- العوجا، ملتقى الملوك والرؤساء، ومتحف المبدعين والعظماء، ومعرض صور بطولات التوحيد، ومشاهد الوحدة والتأييد؛ إحياءً لبطولات نخوة الدولة السعودية الكبرى، والتراث العربي الأصيل، والعمارة النجدية البسيطة في هويتها البصرية، وكثافة ملامحها الثقافية الحاضرة في كل أجزاء القصر.
في مخيلتي التشكيلية الشغوف، وعبر صور القصر الرقمية، أجدني باحثة عن أبرز ما يميّز القصر، فأجد جمالاً بسيطاً في شكله، عميقا في مضامينه، جمالاً بسيطاً مريحاً بتصاميمه وزخارفه وتجويفاته المتوازنة المدروسة التي تشعرك بالتواضع والألفة، مما يُشّعر أننا في رحلة تاريخية عبر خط الزمان وعبقرية المكان، شاهدين على تناغم تكوينات العمارة النجدية التي جمعت بين المعاصرة والأصالة، حيث الشرفات الطينية المسننة ذات الشعاع العلوي، الأعمدة والأقواس الجصية، والفضاء المتسع المفتوح الذي يشكّل ما يسميه الباحث في تاريخ الرياض راشد بن محمد بن عساكر (بطن الحوي)؛ لتوسطه في القصر، وإحاطة المرافق الهامة به. حاملاً على جدرانه صور تاريخية متعددة ذات شروحات تعريفية لها، وعدد من البنادق التاريخية، والأدوات الحربية الصغيرة، والمعلقات المنسوجة ذات الألوان الزاهية والعناصر الشعبية، وتتميّز الجدران والحوائط أنها مسمكة ذات نقوش جصية بيضاء ذات أشكال هندسية متعددة مثل: الدوائر، والمثلثاث، والنجوم، والمعّينات، والخطوط. إضافة إلى اللوحات التذكارية، والقناديل الضوئية، ويعد المثلث العنصر الزخرفي االرئيس بأشكاله المتعددة ما بين متساوي أو مختلف الأضلاع، أو متساوي الساقين، والأسقف ذات التكوينات الخشبية، والأرضيات ذات السجاجيد المزركشة بالأشكال الهندسية ذات الرموز الثقافية، وتتداخل في (بطن الحوي) الألوان الذهبية، والترابية، والبيضاء، والزرقاء، وكأنهم جميعًا في عناق بين ضياء السماء، ورمال الصحراء، ما يجعلنا نحلّق عاليًا نلامس الأطباق النجمية البيضاء المنتشرة على الحوائط والمثلثات العلوية الشعاعية، مستمتعين برائحة الطين، والقهوة السعودية، وبخور العود النجدي، وأحاديث السلمان عن المنهج القويم والصراط المستقيم، والتراث السعودي وحب الوطن، والإسلام والعرابة رمز الخيرية والوسطية. لقد عكست العمارة السلمانية قيم الأصالة، وبساطة العيش، والابتكار والاستدامة.
قصر العوجا أنموذج “الطراز السلماني“ في أحضان النفوذ وبين منحوتات جبل طويق، تحفة الدرعية جسدّت أروع تجربة حضارية معاصرة كان الإنسان فيها عنصراً مستداماً محباً لبيئته، قصر العوجا؛ ترنيمة الشعر الشعبي الخالد الذي ذكّرنا بقصيدة خادم الحرمين الشريفين فهد بن عبد العزيز -رحمه الله تعالى- (حنا هل العوجا) المرسلة إلى الأمير فهد بن سعد -رحمه الله- في رحلته العلاجية لبريطانيا في شهر شوال من عام 1385:
يابو سعد صارت على اخوك غارات
شهرين اقاسي من شديـد الغرابيـل
سو المرض يحمل على اخوك حملات
مافي يدي حيله ولا في يـدي حيـل
والله فزع من فوق سبع السمـاوات
وانا احمد الله يوم صارت تساهيـل
ماينفع الخايـف والايـام عجـلات
الخوف ماينفـع ولا القـول والقيـل
حنا هـل العوجـا ولا بـه مـروات
شرب المصايب مثل شرب الفناجيـل
لاشك انا مشغول في كـل الاوقـات
على الـذي حنـا بظلـه رجاجيـل
ماني على نفسي كثيـر الحسافـات
لاسلم راسه روسنا رفـاع بالحيـل
حامـي حمانـا بالليالـي المخيفـات
لـو صـار بالعالـم كثيـر الزلازيـل
فخر العروبـة بالعـدل والمسـاواة
هذا هو (الفيصـل) ولا فيـه تشكيـل
يشهد له اللي شاهـدوا منـه ليـات
ويشهد له التاريخ جيـل بعـد جيـل
وأبيات الشاعر محمد أبو نهية:
وأبكي على عوجا ربينا بربعها
صغار كبار نشتري ونبيع
و الشاعر فهد بن دحيم:
ليا قيل أبو تركي من العوجا ظعر
تزلزلت نجد ورقص شيطانها
صور رقمية للقصر:
*كاتبة وفنانة تشكيلية سعودية
وافق القلم الرفيع للكاتبه المتألقه والفنانه المبدعه فاطمه الشريف وافق تاريخ عز وفخار يعزف على قلوب استوطنها حب هذا الوطن و ولاة أمره يحفظهم الله فكان رنينا يضج صداه في كل وادٍ عميق... علّق مشكورا في المجلة البرفيسور عبدالله العبدالقادر
ردحذفمقال جميل هو لوحة فنية منثورة وثقت به الفنانة التشكيلية المبدعة فاطمة الشريف صفحة مضيئة من تاريخنا السعودي المجيد متمثلة في الطراز السلماني لعمارة قصر العوجا الأثري بجماليته ورمزيته الأصيلة العزيزة على قلب كل محب لثرى هذه الأرض الطيبة حفظها الله وحفظ قادتها وأبناءها الأوفياء. د. حصة الحارثي
ردحذف