احساس 2023 وسيادة العلم







فاطمة الشريف*


فيما رأيت وجال فيه بصري، وسادت فيه احاسيسي في معرض احساس 2023: رحلة فنية معاصرة، تأخذك في رحلة بين الفنون المختلفة، معرض بمسماه الفريد، وشعاره الخلاّق؛ قفزة واثبة في الخط الزمني للفن السعودي، معرض مميز بتنوع لوحاته واتجاهاته، وتعدد فنونه من رسم وتشكيل، ونحت وخامات فنية، وأشغال يدوية، فرصة ثمينة للحوار مع الفنان عن لوحته بكل ثقة وانسيابية؛ والتعبير عن احاسيسه التي تمازجت مع ألوان وتكوينات لوحته؛ لتقدّم للمتلقي وثيقة نفسية بلون وعبارات الفنان الذي غاص في أعماق نفسه، باحثاً عن معنى لما يقوم به من عمل تشكيلي يرمي إلى تطهير وجدانه الحسّاس، ونفسه الشغوف، وفكره الراقي الذي يسمو بعقله السؤول وقلبه الرؤوم.

والمشاهد لفيديو المعرض بعدستي يلاحظ كيف أبدع من حاورته عن ترجمة معاني لوحته، وأوجز في تقديم صور عن أحوال النفس البشرية، وخلجات الذات الإنسانية: ما بين أفكار متناغمة، وأحاسيس صامتة، وتجارب صامدة، وخيالات مضيئة، ولحظات هاربة من ضجيج النهار وكوابيس الليل، ما بين مشاعر الحزن، والقلق، والخوف التي بددتها ألوان اللوحة، ومشاعر الفرح والصمود والمساواة التي رسمتها تكوينات اللوحة، كان معرض احساس بالفعل رحلة مبهرة في التعبير عن مكنونات الجرم الصغير في العالم الأكبر:


دَواؤُكَ فيكَ وَما تُبصِرُ

وَدَاؤُكَ مِنكَ وَما تَشعُرُ

أَتَزعُمُ أَنَّكَ جُرمٌ صَغير

وَفيكَ اِنطَوى العالَمُ الأَكبَرُ

فَأَنتَ الكِتابُ المُبينُ الَّذي

بِأَحرُفِهِ يَظهَرُ المُضَمَرُ

وَما حاجَةٌ لَكَ مِن خارِجٍ

وَفِكرُكَ فيكَ وَما تُصدِرُ

ومن اللوحات التي لامست الاحاسيس، وحاورت العقل، واستحسنت فكرتها المعبرة عن علاقة القلب والعقل في تنوع الانفعالات والمشاعر الإنسانية:


لوحة القلب والعقل التي كانت محور الطرح مع سادة للعلم والفكر، على النحو الآتي:

قراءة اللوحة في سياق المفاهيم الأدبيّة:

يقول البروفيسور السعودي ظافر العمري عن اللوحة :

“توسّلت بالعلاقة بين الفنون الكلاميّة، والفنون التشكيليّة، واقتراب الأدب من الشعور النفسيّ، وما يدعم ذلك من أسس التشكيل، والألوان، والأبعاد، والنُظم الذهنيّة.!

اللوحة تتكون من جملة من المعطيات. القلب وما يحيط به من اللون الأحمر. الدماغ وما يحيط به من اللون الأزرق. الخلفيّة الحديديّة ذات البعدين أحد الحاجزين مغلق تماما والآخر فيه متنفّس، ومنفذ بصريّ. اللون الأسود القاتم وخلفه منفذ بصريّ، وخلف المنفذ البصريّ مساحة واسعة مضيئة. الحالات المتباينة لتعابير الوجوه الثلاثة. التخطيط التقنيّ المختار لما يحيط بالقلب والدماغ. فهمت أنّ اللون الأحمر الذي يحيط بالقلب يدلّ على المعاناة، وأنّ اللون الأزرق المحيط بالدماغ يدلّ على الخروج من المعاناة. الحواجز وهميّة، ويحتاج صاحب المعاناة إلى التأمّل في تلك الحواجز وينفذ ببصره من وراء الحاجز المعتم إلى الحاجز الذي يمكّن النظر من النفاذ، إلى الحياة المشرقة من وراء الحاجزين كليهما؛ فهي أوسع من الضيق والعتمة التي يتوهّمها. الابتسامة في ملامح الوجه الثالث هي النتيجة التي يُراد الوصول إليها بعد المعاناة الوهميّة.!”



وفي علم الكون والطب يمكن أن نرمم اللوحة بقراءة في سياق المفاهيم الطبية:



تعكس اللوحة الفكر السائد والمنتشر حتى بين بعض الدوائر الطبية التقليدية أن الدماغ صانع قرار وشخصية، وله علاقة بالمشاعر البشرية، ووجوده في منطقة مركزية تساوي القلب بل تفوقه وتجعله له مخرجات قليلة مقارنة بالعقل، من خلال (نظرية الوعي الكوني قلبي المنشأ ) للبروفيسور السعودي عبدالله العبدالقادر التي تنافي فكر اللوحة، ومما يؤكد عليه دوما في حواراته عن سيادة علم القلب على الدماغ، أطال بعمره وبارك بعلمه يقول:

” أن القلب مهاد العقل، ومنشأ الوعي، وصانع القرار؛ هو بإيجاز ملك الأعضاء، وله في عالم الملكوت ما ليس لغيره من أعضاء الجسم، وفوق هذا يتفرد في عوالم الملك والشهادة بخصائص في غاية العجب، ومن ينظر للخصائص الضخية للقلب البشري كونه مضخة فقد جانب الصواب، بل هو آلة لتسيير أسباب الحياه في ملايين الدورات التي يبث فيها الدماء لتجري في الدورة الواحدة بما يعادل دورتين ونصف حول الكرة الأرضية في اقصى اتساعها على مدار خط الاستواء، ومما يزيد الأمر حيرة وعجبا هو حالة السكون الرهيبة التي يتم فيها هذا الدوران فلا صوت ولا أنين ولا ضجيج بل اغراق في السكينة والهدوء يصل إلى عدم الإحساس بما يجري، ‏وهذا من أعاظم النعم التي يغفل عنها بني البشر، ومما يزيد الأمر إعجاز هو كون هذه الدماء التي تجري هذه المسافات العظام في حالة هدوء تام هي سائل لزج جدًا مما يستعصي على المضخة الاعتيادية عمله، ‏ولقد تعودنا عندما يقوم أحدنا في تشغيل الدينامو في حديقته أن يؤدي اندفاع الماء إلى استقامة الأنابيب المعطوفة وما يحدث في الجسم البشري هو العكس حيث أن القوس الأورطي ينعطف مع اندفاع الدماء وليس العكس. كما أن عودة السوائل إلى المضخة يتطلب عملية دفع ناشئة من نفس المضخة وهو أمر غير متوفر في الدورة الوريدية الراجعة للقلب البشري. ولقد اعتاد المهندس من بني البشر أن يضع الآلة المسؤولة عن الضخ في اسفل المنشأة ليس في الثلث الأعلى كما هو القلب البشري. ‏وتعمل المضخة الاعتيادية التي نصنعها نحن البشر على مبدأ الدفع بينما تعمل البطينات في القلب البشري على مبدأ خلق ما يشبه العواصف التوربينية التي بأمر ربها تبث حرارة النفس في العروق مما يستوجب الحياه الدنيوية وعندما يأتي كتاب الأجل تأتي ملائكة الرحمن لتستقبل ما حواه هذا العضو الشريف لتعود للخالق البارئ المصور الذي خلق كل شيء وأحسن خلقه.” ويؤكد كذلك على أن للقلب إمكانية التواصل مع باقي الأعضاء تواصلاً عصبياً بيوكيميائياً عن طريق الهرمونات، تواصلا بيوفيزيائياً مع أعضاء الجسد قبل وصول الدم إليها، مما يعني أن له طاقة قلبية تعادل مئة ضعف كهرباء الدماغ، وفي مقارنة رقمية بين طول موجتي القلب والعقل تصل ٦٠: ١ لصالح القلب، وله مجال حامل للمعلومات، يتفاعل مع المجالات المحيطة مثل مجالات شومان، والرياح الشمسية، والانفجارات الكونية، وفي مقارنة مجال الدماغ مع القلب البشري تصل ١٠٠٠٠٠، بما يعادل الدوران حول الكرة الأرضية بمعدل أربع مرات لصالح القلب، ويتفاعل القلب مع هذه المجالات تفاعلاً مستمرا لا يتوقف، ….

وفي علم النفس ممكن أن نداوي اللوحة التي تعكس الحالات التي يمر بها الإنسان ما بين صمت وصمود، فرح وحزن، كمون وإشراق، حكمة وجنون؛ مزيج من المشاعر والأحاسيس التي تارة يترجمها العقل، وتارة يحكيها القلب، أن الصحة النفسية مطلب، وأن من مسببات الصحة والرفاهية والانسجام كما يراها أ.د عبدالله العبد القادر في افتتاحية كتابة: (القلب الملهم): رفع درجة الإدراك للذات والآخر والكون
بناء علاقات شخصية وكونية أقوى أذكى
المرونة في التعلم
استحضار الوعي وإدارات الحالات الانفعالية اليومية
التنظيم الذاتي للمشاعر والانفعالات
التحرر من النمطية باعتبار المحزون الداخلي المنسجم مع الالهام الداخلي وإدارته بوعي وإدارتك مع تبني أفكار جديدة وخلاقة وقيم أساسية
تحسن عملية التفكير واستشعار المستقبل

وفي بوح الشعر يمكن للوحة أن تناجي ألوانها وتكويناتها مستأنسة بقصيدة (علامة استفهام) للشاعر عبد الله زمزم، فلسطيني من قضاء عكا قرية أم الفرج بالأراضي المحتلة، تم تهجير أسرته إبان النكبة سنة 1948 م إلى الجنوب اللبناني، فهو من مواليد صور عام 1998 م
في داخلي مَوجٌ من الآلامِ
هل يَنتهي يومًا من الأيّامِ؟
أمشي وراءَ الوهمِ.. كم هو مُوجعٌ
ألّا يُواسيني سوى أوهامي!
خالفتُ فيكِ العقلَ.. حتّى خنتُهُ
وخدعتُ نفسي كي يَعيشَ غرامي
واللّٰهِ أعلَمُ أنّ قلبَكِ ليسَ لي
لكنْ أُكذِّبُ ما أراهُ أمامي!
كنّا نُؤمّلُ أن نكونَ غدًا معًا
ونُتِمَّ ذلكَ.. أجملَ الإتمامِ
حُلمٌ جميلٌ قد تعلّقنا بهِ
يا ليتَهُ ما كانَ غيرَ مَنامِ
يا ضحكةً في خاطري.. رَسَمَت على
وجهي العُبُوسَ، بقيّةَ الأعوامِ
قد أوقعوا بيني وبينكِ.. غيرةً
فرحلتِ دونَ علامةِ استفهامِ..
إن كنتِ صدّقتِ الذي جاؤوا بهِ
ظُلمًا.. فأنتِ أشَدُّ مِن ظُلّامي!
أبقيتُ بابَ القلبِ مفتوحًا.. ولم
تأتي، سوى ضيفٍ على أحلامي
لم أكتب الأشعارَ يومًا في الهوى
لو لم تكوني تقرئينَ كلامي
قد مَرَّ بي ألَمٌ، فأشفقَ.. قائلًا:
يَكفيهِ ما فيهِ من الآلامِ!
بيني وبين اللّيلِ ألفُ قصيدةٍ
مَكتوبةٍ بالدّمعِ لا الأقلامِ
ما أسوَدَ السّاعاتِ.. ليلةَ رؤيتي
غَيري ومَن أهوى معًا بِسلامِ!
يا ليلةً أقسى على مَن ذاقَها
مِن ليلةِ المَحكومِ بالإعدامِ!
سهَرٌ بلا جدوى.. على أنقاضِنا
خلّيتُ فيهِ الرّوحَ تحتَ حُطامي
اللّٰهُ يَهديني، لقد ضيّعتُني
أمشي وراءَكِ.. والنّجاةُ أمامي!

موقع الديوان: https://www.aldiwan.net/

وفي علم الذكاء الاصطناعي: يمكن تصحيح مفاهيم اللوحة العلمية وفقاً لنظرية البروفيسور عبدالله العبدالقادر (الوعي الكوني قلبي المنشأ).







ختاما: وددت مقابلة صاحبة اللوحة، التي بغيابها كانت هذه الرحلة التشكيلية العلمية في ثنايا ألوان وتكوينات اللوحة، كل التحايا للقامات الذين أثروا روافد المقال من معين علمهم المتدفق، والشكر موصولا لصاحبة اللوحة.



علّقت على المقال بصفحة المجلة : هنا
صاحبة اللوحة الفنانة:  
"اشكرك على المقال الرائع مع الفنانه : ود العسيري صاحبة العمل وشكراً لرأيك في عملي وتوضيح الشرح بمنظور جميل وفكر ابداعي وتحليل عميق وباذن الله نلتقي شخصياً في معارض ثانيه ولوحات سرياليه اقوى"

الفنانة ماجدة الشريف:
"بارك الله فيك أستاذة فاطمة على هذا النقل الطيب وعلى نشر لوحات معبرة تحاكي إحساس المتلقي .. الفنان هو مزيج بين المشاعر والمنطق الذي يرتبط كثيرًا ترابط يجعل منه فنان ذا فكر وعواطف يتحدث بها من خلال اللون والخطوط أي كان خطه ولونه هو بنهاية الأمر يخرج لنا مكنونات الإنسان قبل أن نرأها نحن لوحة فنان دمتِ متألقة🌹😊"

الكاتب خالد الصميلي في العملات السعودية
"ما شاء الله تبارك الرحمن مقالة رائعة تناولت الموضوع من عدة نواحي مع الشرح والتفصيل"

"إن حاولت ترجمة حديثي بريشة فنان، فلست بفنان..
وإن حاولت الحديث بقلم كاتب، فلست بأديب..
لكنني أنظر إلى الموضوع من خلال قلم فنان، وريشة كاتب!
كما فعلت كاتبة هذا المقال تماما..
لكن بما يسمى “رجع الصدى للقراء” ، فقد أبدعت الكاتبة الملهمة، من خلال الكلمة الرشيقة، والحرف الأدبي الجميل، في نقل الصورة الرائعة لنا كقراء، وكأننا نعيش الحدث..
كيف لا، وهي الكاتبة الأديبة، والفنانة المبدعة، والقيادية التربوية.
شكرا عميقا للأستاذة فاطمة الشريف على هذه الأحرف المبهجة، وهذا المقال الفني الأدبي الذي يتحدث بكل معاني الاحتراف، ويفرض كل معاني الاحترام، ولفريق العمل في مجلة فرقد الإبداعية وفي مقدمتهم د. أحمد الهلالي، وللأستاذة شريفة المالكي.
حامد العباسي"

الدكتور في النقد التشكيلي خالد البغدادي من دولة مصر

"مقال جيد متوازن فيه درجة عالية من التامل والعمق لشخص باحث وحالم فى نفس الوقت .. عنوان المعرض موفق احساس ٢٠٢٣ وتحليلك للوحة العقل القلب اعجبنى كثيرا تحياتى واحترامى"

طالبتي سابقا هيفاء الحربي

"المقال بحد ذاته لوحة فنيه ✍️ كتابة وتحليل ..ابرز جماليات اللوحات بانتقاءات للالفاظ والجمل بشكل ممتع وغني "

Faisal Mateen Artist
  1. It’s really great👏😊 always are getting new subject of the art era… Amazing articles for the art lovers… All the 👍💯 best for futures project. 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

(12) مجالا لخطة 2024

قانون كونفوشيوس – قانون الغربنة في التدريب

الدرعية: صور وتواريخ في ذكرى تأسيس السعودية الأولى 2022

كساء التوبة الضافي ... تأملات

مزاج البسطاء

تقنية السكينة السريعة للبروفيسور عبدالله العبدالقادر (Quick Coherence Technique )