And the earth hath He appointed for (His) creatures, (10) Wherein are fruit and sheathed palm-trees, (11) Husked grain and scented herb. (12) Which is it, of the favours of your Lord, that ye deny? The Beneficent Chapter
من عظيم نعم الله أن جعل الأرض وتنوّع زينتها من جغرافيا وتوبوغوافيا وبيولوجيا النبات والحيوان خلال الفصول ظاهرة نراها جلياً من خلال ملاحظة الطير والشجر والزهر… كل قطعة من الأرض يألفها البشر، ويزهر فيها الشجر موطنٌ يدعو للتأمل والسكون، وسجل لتدوين اللحظات البهيجة والذكريات السعيدة التي تستحق أن نكتب عنها…
أعمارنا تستحق توثيق تجربتنا الأرضية بروح راضية مرضية… لا سيما إن خالط ذلك التأمل عمقًا روحيًا ووعيًا جماليًا خاصًا… إنها أمنا الأرض؛ قطعٌ منها شواهدُ الله فينا وشواهد الله لنا، تروي حكايات تناغم الكائنات معها تارةً، وتمازج الإنسان في حضنها بانسجام تارة، وتعاركَه مع نفسه، أو تصارعَه مع الآخر تارةً أخرى…
إنها الأرض ببديع خلقها وتنوع فصولها حكايات تروى…
يُظهر الربيع جماله الإلهي تدريجيًا وبسرعة مذهلة، إنه جمال استترت خلفه تفاصيل السحر في خلقه سبحانه وتعالى، وكأن الطبيعة تهمس قائلة: تمهل، ستبدأ سردية الحسن البهي، فكل لون له موعده، وكل جمالٍ يظهر في وقته…
سردية الربيع في واشنطن ترمز إلى التاريخ والصداقة والسلام، ذات رتم ونغم منفرد، أحسنت السيدة باربرا رايت في وصف الربيع قائلة:
” It is a parada “
نعم إنه عرضٌ للحسن في أسرع تجلياته، فالربيع فيها يذكرنا كثيرًا بحروف تي. إس. إليوت في قصيدته:
“The Waste Land” قائلاً في شطرها الأول: (April is the cruellest month): (نيسان أقسى الشهور).
حروف شعرية حطمت كل الرؤى المثالية للربيع في أبيات الشاعر العربي أبي تمام، التي جعلت من الربيع رسولًا ينشر الحب والعطر والبهجة قائلًا:
نَقِّل فُؤادَكَ حيثُ شِئتَ من الهوى ما الحبُّ إلا للحبيبِ الأولِ
كمْ منزلٍ في الأرضِ يألفُهُ الفتى وحنينُهُ أبدًا لأولِ منزلِ
أتاكَ الربيعُ الطلقُ يختالُ ضاحكاً من الحُسنِ حتى كاد أن يتكلّما
وقد نبّه النورُ النهارَ كأنّهُ زُجاجةُ طِيبٍ في يَدَيْ مُتَنعِّما
مهمشة الجمال الذي جسدته تجربة الشاعر الإنجليزي وردزورث (William Wordsworth) الرومانسية المتناغمة مع الطبيعة، حيث قال:
Lines Written in Early Spring
Through primrose tufts, in that green bower,
The periwinkle trailed its wreaths;
And ’tis my faith that every flower
Enjoys the air it breathes.
لا يهم كيف قرأ الآخرون نيسان تي إس آليوت، المهم كيف وقعت حروف شطره في وجداني، نعم إنه نيسان (أبريل) العنيد القاسي كاسر الشتاء بربيعه الساحر، كيف يبهر ربيعه الذاكرة الإنسانية بقوة! مع ظواهر الربيع تتجلى هزيمة قسوة الشتاء ووحشة الأرض وعتمة الشجر، بعرائش الخضرة وأكاليل الزهر، إنها صورة صاخبة الحدث بين جميع الفصول… صورة يُعلن فيها عن ميلاد كل شيء من جديد، وبعثٍ بعد السبات والصقيع، وخضرةٍ بعد السواد والحطام، بتنوع الألوان الزاهية في غضون الأشجار، تتحول الأرض إلي لوحة فنية غزيرة الألوان.
فلله درّ الشعراء والفنانون، يمزجون الألوان لاستخلاص لونهم، ويختزلون اللغة في حروفهم، ليقدّموا لنا تفردًا لغويًا بديعًا.
ربيع واشنطن زهرة المدائن… نشيد المدن المزدهرة، مذهل! ينمو نوع من الأشجار فيها لا يتفاعل مع الفصول، فهو أخضر شامخ على مدار الشهور؛ إنها شجرة هولي الأمريكية (American Holly) دائمة الخضرة، رمز الفرح والجمال الرباني فلا يهزها خريف، ولا يكسرها شتاء، وتزداد خضرة مع خضرتها في الربيع، تذكرني بالنخلة في الواحات السعودية بسعفها الأخضر مُجسدة الصمود والثبات والنفع لجميع البشر للذة رطبها وتنوع تمرها وفوائد سعفها وجذعها، فكلٌ منهما تروي حكاية جمالٍ فريد، وشموخ دائم، ومن أسرع الأشجار استجابة للربيع أشجار الصفصاف في غضون يومين تتحول أغصانها الرقيقة اليابسة المتدلية أوراق خضراء يانعة، ويُعد شجر البلوط الأكثر انتشارًا في المدينة، والأكمل ظهورًا والأمثل تواجدًا، ومن المذهل أن هناك نوعًا من الأشجار تتحول أغصانها المنهكة إلى أغصان مزهرة ملوّنة بألوان البنفسج والوردي، ومنها تلك الأشجار الماغنوليا تتميز أوراقها بالسماكة واللمعان، وأزهارها بالحجم الكبير، وتتنوع ألوانها بين الأبيض والوردي، يقال أنها “من أقدم النباتات المزهرة، حيث يعود تاريخها إلى الزمن الأحفوري أي حوالي 95 مليون سنة، وتُستخدم في الزينة والطب التقليدي لخصائصها المهدئة.” ومن الأشجار شجرة زهور الكرز، قصة صداقةٍ خالدة، شجرة زهور الكرز (Cherry Blossoms) أو الساكورا (桜) التي ترمز في الثقافة اليابانية “برمزية العابر والجميل، حيث تعكس قصر الحياة وتدعو لتقدير اللحظات الزائلة،” وهي كذلك تظهر سريعًا وتختفي سريعا، من خمس إلى عشرة أيام يُقام على شرف ازدهارها مهرجان واشنطن الوطني السنوي احتفاءً وتخليدًا لذكرى هدية اليابان حوالي 3000 شجرة، معظمها من نوع “يوشينو” و”كوانزان” لواشنطن في عام 1912 كميثاقٍ للسلام والوئام، يزهر الربيع بألوان الحياة، تنتشر أشجارها في منطقتين هامتين للسياحة ومتعة البصر “Tidal Basin”، وحدائق منطقة “National Mall”، وقد أبدع مصورو العالم في رصد هذا التناغم الإنساني والتفاعل البيئي؛ ليرى العالم أن في زهرة الكرز سحر يغرق الأنفاس همسًا فتورق معه القلوب شوقاً إلى أرض ينشد أهلها السلام وتنشر التواد.
ويبلغ الربيع ذروة خضرته وسحره حين تفترش الأرض سجادة عشبٍها الأخضر، تزينها الأزهار البرية في كرنفال ربيعي تتراقص فيه أزهار صفير العنب بنعومتها، والنرجس البري بتدرج لونه الأصفر، والتوليب بألوانه المتوهجة، من القرمزي الحار إلى الأبيض النقي البارد، موقظاً ذكرى حدائق التوليب الهولندية، ورمزيته إلى الحب الكامل والتجدد في الثقافة الأوروبية، وأزهار الأزاليا بتفتحها المتفجر كشلالات لونية، وأزهار الأوركيد بجمالها الملكي، وألوانها من البنفسج الغامق إلى الأبيض المخملي، في عرض متنوع لأنواع كثيرة تعكس الأناقة والغموض، منشدة قصائد الحدائق الملكية الإنجليزية في قلب الحديقة الوطنية “US Botanic Garden” هنالك تتراقص زهور الأوركيد فيها، ببتلاتها الرقيقة التي تتألق بألوان ساحرة لتروي قصة الصبر والتكيف في أحضان الطبيعة الأمريكية. ومع زهرة الوستارية بستائرها البنفسجية المتدلية همسات تذكرنا مجددًا بالثقافة اليابانية، حيث ترمز للحب والخلود، والصبر والاستمرارية فهي تعيش لعقود طويلة، كل زهرةٍ تحكي حكاية انسجام مع الطبيعة، والتناغم مع البشر، لتلوح في الأفق لوحةً تعانق الروح قبل الجسد وتبعث الأمل وإن اشتد الألم، وأخيرًا الوردة الأمريكية فهي لحنٌ خاص، تتربع على عرش العواطف في ألوانها وجمالها، تُغني للحب والأمل ببتلاتها المخملية، تدغدغ الذاكرة بوردة الطائف العطرية التي تنافسها في عطرها العبق وإنتاجها الغزير، فلا ورد ولا زهر مثل الوردة الطائفية رمز الجمال والعبق الآسر في الثقافة السعودية.
حين يرسم الربيع ألوانه في حدائق وباحات واشنطن الخضراء، يستقبل الواشنطنيون الربيع بحفاوة وبهجة، فتتحوّل المدينة إلى لوحة طبيعية زاخرة بالألوان، وتزداد الأنشطة في الحدائق والمتنزهات، ويمارس الناس الرياضة والرسم والغناء في الهواء الطلق بكل أناقة ورقي، بالرغم من الفعاليات الموسيقية والمهرجانات المجتمعية، ألا إن الربيع في أحضان الطبيعة احتفاء هادئ بالحياة والجمال.
بالفعل تضفي الحدائق العامة والفعاليات المصاحبة تنوعًا لونيًا رائعًا للربيع، حيث تتوفر في المدينة أكثر من 600 حديقة ومتنزه، ما يجعلها من أكثر المدن الأميركية خضرة وتنوعًا في المساحات العامة، ففي الحدائق العامة الزهر الشجر والطير يبتهج في الربيع معلنًا ألفة بين الطيور والسنجاب والبشر…
الربيع على صفحة أي أرض سردية من الجمال والعبق لا تنتهي… ومن قصص تلك السردية تألق اسكتشات السيدة باربرا رايت في ربيع حدائق واشنطن الساحرة، في ظهيرة كل خميس طوال أشهر العام، تلتقي السيدة باربرا مع مجموعتها المبدعة في إحدى مواطن الجمال بواشنطن (متحف أو حديقة)، تدخل كل مكان وكأنها تعانق قلبًا يعرفها، ويرحب بها كل مكان وكأنها سيدة المقام، نسيم الربيع في الطبيعة يداعب معطفها المفتوح، وقبعتها تتمايل بخفة فوق شعرها الرمادي كزهرة توليب لا تنحني، تمشي بين الأشجار المزهرة بخطى واثقة كأنها تعرف دروبها، ذات مرة وقفت عند شجرة ماغنوليا، تلمس جذعها كأنها تهمس بلقاء مؤجل: عدتُ مجددًا لأرسم سحر الربيع، تغمرها رائحة الورد والنرجس، فتتنقل بين الألوان كما تتنقل الذاكرة بين الفرح والحنين.
وفي حدائق واشنطن العامة، تنسج السيدة جرتشن خيوط صداقة دافئة مع الطيور والسناجب، تُطعمها المكسرات والحبوب التي تختارها بعناية لهم، وتناجي كل باسمه لتُضفي على لقائهم طابعًا شخصيًا حميمًا، لا تراهم كائنات عابرة، بل أصدقاء لها في طقسها الشبه يومي من الود والتزاور، حيث تتحوّل لحظات التغذية إلى طقوس صامتة من الألفة والمحبة، وتحرص على تفقده صديقها السنجاب (Black II)، تناديه وتحادثه كصديق قديم يعود بعد غياب، لكل فرد من المجموعة طقس خاص به، وقد أخذ كل منهم جلسته على مقاعد خشبية بجوار الزهر والشجر في استقبال للربيع أن يكتب فيهم ما يشاء، على أن يرسموا له ما يرون، إنها الطبيعة لا تزهر فحسب… بل تتألق بحب وسلام وتكتب الذكريات.
ومن أجمل الفعاليات على الصعيد الشخصي، ما يعمد إليه بعض الفنانين والفنانات من تحويل منازلهم إلى فضاءات نابضة بالربيع؛ حيث تتناغم الأزهار مع اللوحات، وتذوب الحدود بين الفن والطبيعة. هكذا اعتادت أن تفعل الفنانة كِلى بفتح أبواب بيتها مع تفتّح أول أزهار الربيع، وتدعو الفنانين وكل من يحمل الهوية التشكيلية ليتحوّل منزلها إلى معرض حيّ يحتفي بالجمال في أرقى تجلياته. تتناثر اللوحات على الجدران، فيما تعبق أركان المنزل برائحة الزهور، وتتخلل الأمسية أحاديث ناعمة عن الضوء واللون، عن الإلهام والمواسم، حتى يصبح البيت نفسه قطعة فنية، والربيع ضيفًا مقيمًا لا يُودّع.
كل يوم على ألوان الربيع وأنغام الطبيعة الساحرة يكون الاحتفاء الحقيقي والساحر الهامس والجمال الكوني للطبيعة، وعلى الهامش تأتي إقامة المهرجانات الوطنية، والتي يقدر عمرها بالعقود من الزمن، ومن من أبرزها: مهرجان Smithsonian Folklife Festival، ومهرجان “DC Jazz Festival في الحدائق وعلى ضفاف النهر والمحيط، ومهرجان الكتب واللوحات الانتيك Flea Market، وجولة على بيوت جورج تاون House Tour، ومعارض الربيع في المتاحف والمكتبات Spring Exhibitions، ومراكز ودور الفن التشكيلي والبازارات الحرفية مثل Make ShopIN DC، عروض أطعمة وحلوى الربيع بنكهات الورد والتوابل في Farmers Market.
هكذا يبتسم الربيع في أغلب شوارع واشنطن عندما يقف الزوار لقراءة قصائد الهايكو اليابانية لسهولة قراءتها فهي تتكون من ثلاثة أسطر، كل سطر به عدد محدد من المقاطع… إنه الربيع حيث الزهر والشعر في قصة من سردية ربيع واشنطن…
بعدستي صور الربيع:
اسكتشات باربرا بعدستي (Barbara Wright) في ربيع 2025
عدسة جرتشن (Gretchen Obert) مع الطيور والسناجب
لوحات الورد في معرض كلي 2025 بعدستي (Kelly Dinglasan Minton)
عدسة فاطمة (Fatimah Al-Sharif) لزهور ربيع واشنطن 2025
Thanks for sharing, Fatimah. It's a terrific article - a pleasure to read and a pleasure to look at.
ردحذفWhat lovely photos!
ردحذفGreat pics and organization of them
ردحذف