2025 – 2026 : عبورٌ بين عامين وحوار النحلة والفراشة
عام جديد… فرصة جديدة نحو تجربة تُعيد ترتيب الذات
منذ أعوام، اعتدتُ عبر مدونتي المتواضعة والعزيزة إلى نفسي أن أنشر مع بداية كل عام ميلادي جديد بعض الإرشادات التي أجدها مهمة في إعداد خطة سنوية ناجحة بإذن الله تعالى؛ خطة أو منهجية تذكيرية، يمكن النظر إليها كخريطة ذهنية تعيدنا إلى عجلة الحياة ومجالاتها المتعددة، وهي فكرة لطالما أشرتُ إليها في مقالاتي منذ عام 2020.
هذه الخطة ليست مجرّد قائمة أهداف، زو نموذج لتخطيط، بل نظام عمل داخلي وتوجيهات هادئة تساعدنا على فهم أنفسنا، وترتيب علاقاتنا، ومراجعة مساراتنا. هي آلية لإعادة ترتيب الذات بعد تجربة بارزة في عامنا المنصرم، ومن خلالها نتلمّس معنى الحياة في لحظات الارتقاء والانكسار، ونتقدّم بوعيٍ أكثر صفاءً نحو العام الجديد.
بدأتُ أرى العام الجديد ليس فقط تاريخًا يتبدّل أو فترة ننتقل بها إلى عام جديد، أو عبور إلى مفترة ما من عمرنا، بل دعوة للتأمل في ما مضى، والتخطيط لما يستحق أن نعيش لأجله، والاستمتاع بالحالة الجوهرية التي نخطط جميعًا لها طيلة مسيرتنا ودروبنا، بغضّ النظر عمّا نحمله في دواخلنا من عقائد أو أفكار…
اعتدتُ في بداية كل عام أن أضع خطة بسيطة أتعلم من خلالها كيف أرتّب أولوياتي، وأعيد النظر في علاقاتي، وأقيس مدى قربي أو ابتعادي عن نفسي. لم تكن الخطة يومًا التزامًا صارمًا، بل طريقة لفهم ما حدث، ولمعرفة ما إذا كنت أسير في الاتجاه الذي يناسبني…
وممّا سهّل عليّ مهمة التخطيط أن ما مضى من العمر عزّز ورسّخ لما هو قادم؛ فقد كفانا العمل والفعل التربوي والأسري في الفترات السابقة عناء التخطيط، وكأن المهام والمسؤوليات مدوّنة سلفًا، وما علينا إلا التنفيذ. لذلك أعتقد أن التخطيط لما تبقّى هو الأمتع، والأجرأ، والأبهج بإذن الله.
بدايةً، لنسأل أنفسنا جميعًا: كيف مضى عام 2025؟
هل كان عامًا عابرًا؟ أم كان ثقيلًا، مؤلمًا؟ أم سعيدًا مبهجًا؟ أم بين بين؟
هل تعلّمنا فيه الجديد والمثير؟ هل هناك مواقف أعادت تشكيل رؤيتنا، وأهدافنا، وعلاقاتنا، ومساراتنا؟
كيف أصبحت رؤيتنا للحياة وللمواقف؟ ومن يستحق البقاء معنا للعام القادم؟ ومن تعلّمنا منه وتركناه يمضي بسماح وقبول؟
في 2025 تعلّمتُ أن بعض الخسارات ليست نهاية، بل بداية لترتيب داخلي أعمق، وأن العلاقة الحقيقية تبدأ حين يتّسع القلب لحقيقة الذات أكثر من الانشغال بحماية الأذى عنها.
في تجربةٍ ما في 2025، ماذا تعلّمنا على:
على المستوى العام… على مستوى شواهد الحياة… على مستوى المواقف الشخصية؟
في تجربةٍ ما في 2025 كان هناك حوار أنيق بين فراشة ونحلة، طارتا في ذاتي، وكأن حوارهما خطوط من ضوء تنقّلتُ عبرها بين محطات العام. وجدتُ من خلال ذلك الضوء مساحة تأمّل ومختبرًا حقيقيًا لما أجهل. ومع مرور الوقت، وكأنني أستمع إلى صوتٍ داخلي يهمس لي:
«رتّبي ما يفيض فيكِ… ثم اسمحي لضوء الحوار أن يلج، ليعيد الذات من جديد فيكِ».
عام 2025 كان عامًا طويلًا، مكثّفًا، مثيرًا، إلا أنه خالطه تسلّل من ظلامٍ ثقيل. ورغم ثقله، كان معلّمًا صادقًا؛ فقد منحني القدرة على إعادة النظر في العلاقات، ووضع حدود جديدة، وفهم مناطق أعمق في نفسي. تعلّمتُ أن ما يرحل لا يذهب عبثًا، وما يبقى لا يبقى صدفة.
وفي خضم هذه التجربة، وجدتُ نفسي أمام نحلةٍ قرصتها موجعة لكنها شافية، ورفرفة فراشة خفيفة، لكن أثرها أعمق، زلزل كياني.
إنني لا أرتجل حوارًا رمزيًا، ولا صورة سيريالية؛ إنها الحقيقة عندما تمتزج بمشاعر ومواقف لم ألفها وأعشها من قبل… حوارًا فتح أمامي درسًا دقيقًا في العلاقات الإنسانية.
ما ساعدني على التشافي حينها أنني جعلت تلك التجربة حواراتٍ من الطبيعة، والتماهي مع كائناتها ومكنوناتها، أفضلَ علاجٍ لمن ساءته العلاقات وعجز عن فهم المواقف.
بعضنا يحتاج مسافة ليزهر، وبعضنا لا ينتعش إلا بالقرب.
أما أنا، وعلى أعتاب 2026، أحب أن أكون في بُعدٍ من الانفتاح ممزوجًا بالحذر، ومن التمدّد إلى الانكماش في ذلك البُعد. إنه ترتيب داخلي لحين وضع كل شيء في مكانه الصحيح داخل روحي.
فعلى مستوى العلاقات،
تعلّمتُ أن العلاقات ليست «تنظيمًا شعوريًا»، بل مساحات للشفاء والاختبار والعتاب الصامت. وأن الشخص الذي يصمد بعد العاصفة يستحق أن يبقى، وأن من يهرب عند أول موجة ما هو إلا عبورٌ لطيف لا أكثر… فلا أكترث.
على مستوى الذات،
أصبحتُ أعرف ما الذي يستنزفني وما الذي ينعش روحي، ما الذي أقدر عليه وما الذي يجب أن أبتعد عنه.
على مستوى التخطيط،
لأول مرة، لن أكتب أهدافًا صارمة؛ لأنها بنت لها كيانًا في مخيّلتي… لكنني سأركّز على ثلاثة تساؤلات خلال 2026، سأفتّش داخلي وحولي عن الأمور التي تجعل من 2026 مجالًا خصبًا للتنوير والسلام والحكمة:
هذه التساؤلات أعتقد أنها كافية لتصبح بوصلتي لعام 2026.
إن كان حوار زهرتَيّ الهيدرانجيا والفربينيا لا يزال صداه يزمجر في داخلي منذ 2024، وحوار الفراشة والنحلة لا يزال ضوء حوارهما ينير داخلي في 2025، باعثًا للدفء في ليالي الصيف، نعم إنه صيفٌ حارٌّ يعقبه شتاءٌ دافئ بإذن الله.
نعم، جميع تلك الحوارات تعلّمني التوازن مع الاتّساع، والسلام مع البهجة بداخلي. أعتقد بأن كل ما حولي سيكون أفضل بإذن الله. هذا هو جوهر تجربة 2025:
علينا أن نعرف أنفسنا أكثر مما نُرضي الآخرين.
أختم، أحبّتي…
في النهاية، كل عام جديد ليس قائمة أهداف، بل لقاء جديد مع الذات. وكل زهرة، حتى الحشرة، تعلّمنا شكلًا من أشكال الحياة.
وهكذا تمشي الروح خطوة بعد خطوة، من زهرة إلى زهرة، ومن ذاتٍ إلى ذاتٍ أوضح، لا سيّما أنها اختارت تلك الروح قيمةً تعرّج فيها إلى أفلاك الحياة.
السؤال الذي يطرح نفسه: ما القيمة التي ستسهّل علينا بلوغ المرام للعام القادم؟
الخفة – المرح – الحرية – الانطلاقة – البرودة
تبدو وكأنها روشتة من القيم تستحق مجابهة شتاءٍ قارص وربيعٍ زاهر بإذن الله.






















