مزاج البسطاء

 




منذ فترة وأنا أقرأ في المزاج أثره وتأثيرة… ولعل افتتح مقالي بعبارة هي الحافز في لم شمل ما قرأته عن المزاج أنقله لكم…

العبارة هي  للدكتور  عبدالرحمن الغامدي من منصة تفكيرك العلمية، يقول: 

"في عقولنا ملايين الصور لو *استجلبناها* لشعرنا بالسعادة القدرة السريعة على تغيير التفكير ، وبالتالي تعديل المزاج سريعًا 
‏"Shift your thinking

المزاج حالة سهلة سريعة، هينة لينة، تطرأ على العقل، فما في جعبة العقل والقلب يشكّل المزاج… لذا احتفظ بالجميل وسرّب القبيح… ليبقى المزاج رائق مروق هادي مستهدي بالله… 

اعتقد أن الإنسان قصة تتحدث عن العقل والأفكار، والقلب والمشاعر، والجسد والروح، والموهبة والمهارة، ألا أن هذه القصة تهددها عوارض وأخطار والتي منها المزاج وألوانه.

عند البحث عن المزاج (mood)وما قيل عنه نجد مئات العبارات التي تصفه، مما راق لي  مقولة استاذ الإيجابية وصاحب نظرية الحياة الطيبة العالم مارتن سيلقمان:

‏I think you can be depressed and flourish, I think you can have cancer and flourish, I think you can be divorced and flourish. When we believed that happiness was only smiling and good mood, that wasn't very good for people like me, people in the lower half of positive affectivity.

والمزاج استنادا على تعريفه من القواميس اللغوية والنفسية هو في نظري :
شعور انفعاليّ يعتمد على استعداد جسمي خاص يرتبط بعناصر الجسم وهو مؤقت ومتكرر، واعتقد أنه يرتبط بالحالة الجسدية والنفسية لدى الفرد … فكلما كان الفرد صحيحا جسديا وزاكياً  نفسياً كان مزاجه إيجابيا رائقاً هادئاً  …

اعتقد حتى تكون قصة الإنسان قصة سعادة ونجاح إذا أدرك أن المزاج المتزن الهادئ الرائق يقود غالبا إلى حياة متزنة، وفكر مستنير، ومشاعر متحررة من الخوف و الشك و القلق، بالتالي نحن نعيش واقع جيد للتفاعل مع البيئة المحلية والآخرين.

بل أعتقد أن المزاج الحسن أو الإيجابي قد يأتي من التدريب الجيد على دفع القلق، والخوف، والشك، والانزعاج، بالتأقلم مع هذه المواقف الشعورية بمواقف إيجابية يحكمها المزاج الإيجابي… وبرغم من صغر هذه الحالة المزاجية ألا أن أثرها كبير في دحر المشاعر السلبية… 

أتفق مع ما يقوله مارتن لوثر: 
"من لديه مهارة في الموسيقى هو حسن المزاج ومناسب لكل شيء." 
إذا المهارات الإيجابية هي من سبل تطور أمزجتنا، وفتح أبواب التفاؤل والأمل…

بل إن الممارسات الإيجابية مثل المشي في الطبيعة، والتأمل في جمالها لها تأثير على المزاج وتحسينه وما يرافق ذلك من تأثير على كومة مشاعر حتما تكتشفها بين أحضان الطبيعة …

يقول الشاعر والرسام المبدع جبران خليل جبران:

"أن المزاج الجميل ، والنظرة المتفائلة ، تمنحنا واقعاً أجمل، "
ويؤكد قوله الكاتب الفيلسوف دوستوفيسكي:
"أن المزاج كثيرا ما ينتصر، ويتمرد على قرارات العقل"
ويقول أبو حامد الغزالي:
"من لم يحركه الربيع وأزهاره ، والعود وأوتاره ، فهو فاسد المزاج ليس له علاج."

بل أن البارع في العلاقات هو من يحسن التعامل مع أمزجة الناس ببصيرة ووعي .

المؤلف والباحث في مجال السـعادة شون ايكر في كتاب: فائدة السعادة يقول:
"عندما نكون سعداء - عندما تكون عقليتنا وأمزجتنا إيجابية - نكون أكثر ذكاءً، وأكثر حماسًا، وبالتالي أكثر نجاحًا. السعادة هي المركز، والنجاح والإزهار يدور حول حولها."

وفي ثنايا القراءة عن المزاج عثرت على ما يسمى (دورية المزاج أو اضطراب المزاج الدوري ) التي يتسم بعدم الاستقرار، وتغيرات في المشاعر والسلوك مثل سرعة الانفعال والتهيج،  والكلام بعصبية والتشاؤم المفرط،  ثم يتحول المزاج الى النقيض تماما خلال  صعوبة بالغة في التحكم في النفس، العجز عن مواجهة أحداث الحياة اليومية، وعدم تحمل الاحباطات الناجمة عن حوادث عارضة مثل ازدحام مروري أو توقف الباص .
إنه اضطراب يخفي خلفه جرحا ناتجا من صدمة نفسية وعن معاناة دفنها الفرد في أعماقه لتعاود الظهور كل يوم دون وعي منه. 

حديثي بعيدا عن هذا النوع المرضي… 
حديثي عن مزاج البسطاء كما أسميته من خلال تجربتي الذاتية…مزاج من كان شعوره في حياد تام، وهو يحتاج إلى مداعبة عقله وشعوره بتحسين المزاج لزيادة السعادة والانجاز… إنه المزاج الذي يعدّله 
كوب قهوة أمام لوحة.
كوب عصير مثلج أمام مشهد بحري .
رياضة محببة تؤدي إلى إطلاق الإندورفين.
التأمل المستنير الذي يُساعد في تنظيم الأفكار الذاتية، ويؤدي إلى تركيز كامل للذهن.
التفكر في مشكلة بإيجابية بأنه فرصة للتغيير. 
الإمتنان والشكر على دوام وتوالي النعم.
صحبة فكر وود رفقة.

إنه مزاج البسطاء أيها سادة والسيدات الكرام …شاكرة مروركم وجميل تعليقاتكم… 

وصباحكم ورد وبهجة …

تعليقات

  1. لأمانة قرأت مانثرت اناملك بوحي مخيلتك واستطربت جداً لما مابين الحروف.
    هنيئاً لنا بتواجدك بيننا ايتها الفاضلة.

    ردحذف
  2. كيف يمكن لي المحافظة على مزاج رايق

    أنا أشوف الأشقاء المصريين رايقين ما شاء الله على مدار الساعة حتى لو فقران ولا جوعان أو مهموم

    ردحذف
  3. كاتبة المدونة فاطمة الشريف9 يونيو 2023 في 5:18 ص

    نعم اتفق معك
    وأعتقد أن الحياة وتعقيداتها وكذلك الجينات الوراثية والبرمجة والبيئة المحيطة تؤثر على المزاج …
    بجد المصريون الذي يمتلكونه هو الروح الحلو والقبول والتسليم الدائم وانتهاز الفرصة لتحويل ما يؤلم إلى ما يضحك…

    ردحذف
  4. حقيقي مدونه رائعه بارك الله فيكي

    ردحذف
  5. *"شعور انفعاليّ يعتمد على استعداد جسمي خاص يرتبط بعناصر الجسم، وهو مؤقت ومتكرر، و أعتقد أنه يرتبط بالحالة الجسدية والنفسية لدى الفرد … فكلما كان الفرد صحيحا" جسديا" و زاكياً نفسياً كان مزاجه إيجابيا" رائقاً هادئاً …"*
    أحسنتم أ. فاطمة بهذا التعريف.. الذي يختص بالفرد ذاته؛ و يضاف إليه صدى و أثر الإيحابيين من حوله..؛ إيضا" ما يكون من أثره هو على الأخرين و انعكاس ذلك على مشاعره من جديد.
    مقالة معززة باستشهادات قولية منطقية رائعة و جميلة.
    و لا أصدق و أرق من مزاج البسطاء لقربه من طبيعة الإنسان و ظروفه و بيئته.

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

(12) مجالا لخطة 2024

قانون كونفوشيوس – قانون الغربنة في التدريب

كساء التوبة الضافي ... تأملات

تقنية السكينة السريعة للبروفيسور عبدالله العبدالقادر (Quick Coherence Technique )

قراءة فنية لجدارية كيث هارينغ