الهِبة الربانیة والرعایة الملكیة: خالد الفیصل بین الحرف واللون
صاحب السمو الملكي الأمیر خالد الفیصل “حفید ملك وابن ملك وابن أخ لخمسة من الملوك”، ومستشار خادم الحرمین الشریفین، وأمیر منطقة مكة المكرمة، ومدیر عام مؤ ّسسة الملك فیصل الخیریة، ورئیس ھیئة جائزة الملك فیصل العالمیة الأمیر الشاعر، والفنان الراسم، سیرة عطرة، ومسیرة جزلة في مهبط الوحي مكة المكرمة كانت ولادتھ، تحدیدا في منتصف شهر الله المحرم من عام 1359ھـ الموافق 20 فبرایر- شباط 1940 م أطلق صیحة التحمید والتعظیم لشرف الزمان والمكان اللذین حباه الباري بھما في أولى لحظات حیاته، وعلى مهجة الأرض مكة تبسم ثغره في بیت من بیوت
حارة الباب، صبیا أجزم أن طاف به والدیه سائلین الله له المكرمات…
تنقّل ابن الوطن البار بین أرجائه، ونهل من معین محطاته التعلیمیة، فمن ریحانة الفؤاد مكة المكرمة حاملاً في فؤاده الصغیر كتاب الله العظیم إلى “أم النخیل وفاتنة الشعراء” الأحساء حیث الواحات الغنّاء، وقامات النخیل الباسقات، وحقول الأرز الصامدات، وینابیع منفردة ومجتمعة أرتوازیة ترعرع غصن طفولته الأولى بین أحضان طبیعة الأحساء الخلابّة، وعلى تاریخها النابض وتراثها الهامس، بین بساتینها وعیونها ارتوى شغف الطفولة المبكرة بحكایات وأساطیر الحضارات، وأبجدیات وأقوال ووزن القافیات، ومن الأحساء إلى الریاض عروس نجد وفاتنة تهامة، بمدارس أنجال الملك سعود، منتقلا مرة أخرى إلى مكة ثم الطائف بین روابي شهار، وقمم جبال السروات، وسهول تهامة متماً المرحلة الثانویة بالمدرسة النموذجیة، مستوفیا دراسة المواد الإسلامیة “ومواد علمیة جدیدة مثل الكیمیاء والعلوم الطبیعیة والفنون الجمیلة والتربیة الریاضیة والكشافة والأقسام الداخلیة والمسرح والمعارض الفنیة والمعسكرات والرحلات البریة”، متأثرا بنظامها المتنوع والثري بأنشطته الأدبیة والفنیة والریاضیة، ومن أرجاء الوطن الفسیح إلى عالم الغربة والسفر شق الأمیر الشاب عباب البحر قائدا لسفن العلم والطموح والشغف، حیث درس في مدرسة ھون (HUN) في ولایة نیوجیرسي الأمریكیة.(New Jersey)،
ثم التحق بجامعة برنستون (Princeton University) لفترة وجیزة، ومنھا إلى بریطانیا ملتحقًا بجامعة أكسفورد(The University of Oxford) لدراسة العلوم السیاسیة والاقتصادیة، والحصول على شهادة (GCE).
وخلال فترة الدراسة في بریطانیا تزوج الأمیرة العنود آل سعود ورُزق طفله الأول الأمیر بندر.
ومن محطات العلم إلى محطات العمل، والتي بدأت مدیراً لرعایة الشباب التابعة لوزارة العمل والشؤون الاجتماعیة خلال الفترة (1387ھـ -1391ھـ )، ولمدة أربع سنوات ملیئة بالانجازات والبرامج الجدیدة، ومن ذلك وضع نظام جدید للأندیة الریاضیة، وتشكیل منتخبات المناطق ومنتخب المملكة، وإقامة مسابقة خلیجیة عربیة على كأس الخلیج لكرة القدم، ثم أمیراً لمنطقة عسیر في عام ( 1390 ھـ)، ولمدة سبعة وثلاثین عاما، مفعلاً الإمكانات الجغرافیة للمنطقة، والقدرات والطاقات البشریة؛ لتطویر وتنمیة المنطقة محلیاً وسیاحیاً، یقول عن تلك المرحلة من حیاته:
“في مساءٍ أبهاوي ندي جمیل، أقلتني سیارة إمارة منطقة عسیر، من سكن أمیر المنطقة إلى مطار أبھا، وما أن خرجت من البوابة حتى تمثلت أمام عیني بعض شواھد مرحلة ھامة وممیزة في حیاتي، ففوق ھذه الجبال الشامخة، وبین ودیانها الوارفة، وتحت سمائها الماطرة، أعطیت عسیر زھرة شبابي، فأعطتني أجمل أیام عمري، ولكني أشعر الآن وكأني أراھا للمرة الأولى، أو ربما للمرة الأخیرة “(بناء الإنسان وتنمیة المكان ص 13)”
وحالیًا أمیراً لمنطقة مكة المكرمة وفي عام ( 1428ھـ)، أتى إلیها مخططاً ومهیكلًا ومبادرًا ومطورًا، بوعي ودرایة بقداسة المكان، وتقدیر الإنسان، ویقول عن منصبه أمیرًا لمنطقة مكة المكرمة:
“مكة مسقط رأسي نشأت في وادیها ودرست في مصیفها الطائف، وسبحت فوق أمواج بحر مینائها جدة، لست غریبًا علیها طفلًا وشابًا وشیخًا كنت فیها مواطن من سكانها، ثم زائرًا وحاجًا ومعتمرًا والیوم أعود إلیها مسؤولاً” (بناء الإنسان وتنمیة المكان ص 215)
كما تم تكلیفه وزیراً للتربیة والتعلیم في عام (1435ھـ) ولمدة وجیزة، ویقول عن ھذه الفترة:
“كان أھم أھدافي ھو تغییر مفھوم الوزارة -إداریین ومعلمین- من التعلیم إلى التعلم وإلى مساعدة الطالب والطالبة على اكتشاف الموھبة لدیهم وصقلها‟ (إن لم. . فمن…!!؟ ص 114).
سیرة ومسیرة صاحب السمو الملكي خالد الفیصل العلمیة والعملیة في ھذا المقال لمحات سریعة تحمل في طیاتها البهجة والاحتفاء بھذا الأمیر المعطاء، وترسل بین السطور والسرائر دعوات صادقات أن یبارك الباري في عمر وعمل سموه الكریم.
وما ذلك كله إلا إضاءات تذكّرنا بإسهاماته الثقافیة داخل وخارج الوطن، وإنجازاته المتنوعة من مؤلفات، وجوائز، وأوسمة تأخذنا نحو مرفأ آخر غیر العلم والعمل، إنها إبداعات سموه الشعریة والنثریة والفنیة، حیث كانت له روح فنیة إبداعیة، وشخصیة آدبیة متفردة أنعكست على حرفه الشعري، ولونه الفني، مما جعل الكثیر من الفنانین والشعراء والكتّاب ترسو أقلامهم على صحائف إنجازاته مستلهمین الفن والجمال والإبداع، ومن أحدث ما نثره بعض الفنانین والكتّاب عن سمو فنه وإبداع لونه.
تعد دراسة الدكتورعصام عبدالله عسیري أستاذ الفنون بجامعة الملك عبدالعزیز، وعضو لجنة الدراسات البصریة بجمعیة الثقافة والفنون بجدة، التي أعلن عنها في یوم 27/ 6/ 1443 ھـ في محاضرة ثقافیة له من أحدث ما كتب عن إبداع سموه الفني، والتي كانت بعنوان: شعریة اللون في لوحات خالد الفیصل: دراسة جمالیة.
من أبرز ما جاء في دراسة عسیري أن صاحب السمو الملكي خالد الفیصل:
1. یمارس فن الرسم بوعي وتفتّق وألق مثلما یمارس فن الشعر، وتنتمى أعماله لاتجاھات فن حدیثة في رسم الطبیعة وموضوعات شاعریة “رومانسیة”، وواقعیة، وخیالیة وسیریالیة، وتعبیرات لونیة جریئة، سواء في رسم الطبیعة والأرض، والبیئة والمكان والوطن، والتراث العربي والشخصیات الرمزیة، ومن وجدانه آمال وآلام، وخیال وأحلام، وھي مصادر إلهام مجمل أعماله.
2. یجید التواصل البصري الشكلي والتعبیر باللون؛ حیث یمزج الألوان بصفاتها ودرجاتها ونقاءھا، مراعیاً المبادئ الجمالیة والبصریة، وإدارة التناقضات والثنائیات، والتنوع في الوحدة، والتباین والانسجام، والاتزان والإیقاع، والألوان الحارة والباردة، والمتقدمة والخلفیة.
3. یمتلك المهارة في تحقیق التناسب وضبط التناغم، وتنظیم الترابط الشكلي، والتنسیق اللوني بین العناصر.
4. یوظّف اللون في صناعة دلالات ومعان نفسیة متعددة، ویستخدم جمیع فئات الألوان مثل:
– الألوان الباردة مثل الأبیض، والسماوى، والأزرق في الخلفیات من سحب وسماء، وفي بعض الملابس للدلالة على معاني الصفاء والسلام، والطھارة والنقاء، مع مراعاة إظهار عنصري الظل والضوء.
– الألوان الدافئة مثل الأوكر الخضراء والبنفسجیة في الأرضیات كعناصر النباتات، وفي الخلفیات للتعبیر عن الغروب، والغیوم، والسماء، والشفق لحظات الغروب، وللتعبیر عن معاني النمو، والأمل، والحیاة، والخصوبة، والعطاء، والنعیم، والخیر، والتفاؤل والحلم، والرقة.
– الألوان الساخنة مثل: الأصفر البرتقالي، والأحمر في الخلفیات تعبیریًا، وبعض الأشكال والأرض طبیعیًا، وللدلالة على معاني لون الشمس، والضوء، والتربة، والأرض، والصحراء كالذھب، والبرتقالیات لتوحي بالحرارة الدافئة والسعة، ومعاني القوة والنشاط والحیویة، وملفتة للعناصر الداخلیة في اللوحة.
– الألوان المحایدة مثل الأبیض والرمادیات والأسود یتعامل مع ھذه المتناقضات كالموجب والسالب، من خلال التدرج بین القیم الظلیة، وللألوان الداكنة حضور في التعمیق والتظلیل، وتضفي معاني العتمة والظلام. والأسرار، والأبهة، والعظمة، والوقار.
الأديب والكاتب عبده الأسمري: عندما نتحدث عن شخصية بقامة وقيمة ومقام الشاعر الكبير والفنان الخبير والقيادي الفريد
الأمير خالد الفيصل الذي امتلك المهارات والمواهب ورسخ العطاءات والسخاءات فنحن أمام “مجموعة أنسان ” “وموسوعة فنان ” عنوانه “الوفاء والانتقاء والعطاء “.. فهو أمير وابن ملك وسليل حكم وعضيد قيادةً ومستشار قادة وشاعر وفنان ووزير كل هذه الملامح وهذا الجمع من الملاحم اجتمعت في سيرته وانفردت في مسيرته.
في عطاءاته يتماثل الشعر مع الفن ويتكامل إبداع الحنجرة مع إمتاع الأنامل، من أعماق التنمية إلى آفاق الفكر ومن اعتزاز الوطنية إلى امتياز الشعر شكل الفيصل مشهدًا حاضرًا ناضرًا كقامة حفرت قرارات العطاء على بوابة التاريخ كبطولة مطلقة وسطرت المجد “كتأكيد دهري ” في اتجاهات “الاقتداء ” وأبعاد “الاحتذاء “
أدوار تنموية خالدة كان توقيع الفيصل فيها شاهد على العصر ووقع قراره شهيد على المرحلة .. من خلال مسافات ودروب ومحافل رسمها الفيصل بحكمته وحنكته وفكره ليبقى وجه المسؤولية وواجهة الشعر في متون “الأثر ” وشؤون “التأثير.
الفنان التشكیلي محمد الخبتي:
إبداعات الأمیر خالد الفیصل بین سمو الحرف، وتجلي اللون قصة عطاء ووفاء…كیف لا وھو قضى عمرا یناجي المكان والزمان في طبیعة عسیر الخلابة ولیالیھا الحالمة.
إنه لفخر أن منّا الله علینا بمعاصرة سیرة ومسیرة الأمیر خالد الفیصل، والوقوف على محطاته حیاته العملیة، والتأمل والإبحار في إبداعه الثقافي والفني والشعري مقتدین، ومستلهمین بنموذج إبداعي فرید سائلین المولى عز وجل أن یحفظه ویبارك في عمره وعمله.
تعليقات
إرسال تعليق