وانطفأ السراج!!
في الخطوب تتبعثر الأشلاء، ويتشتت الذهن، وتخور القوى…
فلا يلملم الشعث إلا ذكر الله والإنابة الصادقة له سبحانه وتعالى، والعمل والجد والتوكل عليه جل في علاه…
فالنفس حظها من الألم، وللخاطر قدره من الوجع، وتردد أم الأيتام قائلة:
تمر الأيام، و تزول الأحلام، وينتهي عام ويبدأ عام…
تمر الأيام وتطوى صحائفها، فحمدًا لمن عادت عليهم بشائرها، وطوبى لمن حلت بهم نوائبها…
تموت الذكريات، وتُزفر الآهات لرحيل شخوص كان لهم بالعمر طقوس…
تُدق أجراس الأنين، وتُسكب الدموع، ويعصف الحنين معلناً من جديد: أننا في مخاض عمر سقيم…
وحالها يقول:
أيا قسوة الأيام…
أذقتِنا كأس الوجع وسقم العليل…
أريتِنا انهزام أحلام الرشد وأماني السنين…
أوجعتِنا برؤية الكفن واللحد والبكاء المرير…
أسهرتِنا الليل البهيم أسده غاب عن العرين…
وزئير النحيب أنيس الدجى يبكي على رفاته والمغيب…
هل من ملجأ تلوذ إليه أم الأيتام، وهل من ملاذ يصلح الروح، ويجبر الخاطر، ويعين على إسعاد هؤلاء الأيتام؟
بعد نظر وفكر، قيل لها:
أن الخياطة تصلح الروح، وتخفف من المعاناة، فخذي إبرة حيكي بها جروح قلبك الفتّي قبل قطعة القماش البهي، خيطي قدرك الجديد وسوف يخرج ثوب من رحم المعاناة بألوان وتصاميم من وحي الحياة أنيق…
إنه الصبر والعمل الدؤوب هو الذي يخرجنا من ويلات الخطوب، كل شيء بعد ذلك يخرج على ما يرام يا زهرة الأنام…
في مهنة الخياطة انطلقت أم الأيتام في عالم الأفكار والإبداع، وبين ملمس الحرير، وجودة القطن، ونسج الكتان، وخامة التل، والدانتيل، والجوبير، والتفاوض مع الباعة المتجولين بكومات الأقمشة، تلمع في عقلها الشاب تصاميم جديدة، وطرق مبتكرة، وخيارات وفيرة من الزخارف والخيوط والأزارير، وفوق كل ذلك صداقات نسوية مبدعة، وعلاقات عمل رفيعة…
عادت الحياة تنبض من جديد، وشعث القلب لُمّ وجرحه بُرأ، والعقل أضاء واستنار، والجسد اشتد وبرأ، شعور أمل وعمل، ورؤية وهدف، ونجاح وإنجاز كهذا عاشت أم الأيتام تربي أولادها أناثًا ورجالًا.
وقَديماً قَال الأديب الإنجليزي برنارد شو:
“الشخص الوحيد الذي أعرفه ويتصرف بعقل هو “الخياط” فهو يأخذ مقاساتي من جديد، في كله مره يراني، أما الباقون فـيستخدمون مقاييسهم القديمة، ويتوقعون مني أن أناسبها.“
“يمكن للمرأة الهادئة أن تستمر في الخياطة لفترة أطول مما يمكن للرجل الغاضب أن يستمر في الغضب.”
«George Bernard Shaw»:
“The only man I know who behaves sensibly is my tailor he takes my measurements anew each time he sees me. The rest go on with their old measurements and expect me to fit them.”
“A tranquil woman can go on sewing longer than an angry man can go on fuming.”
تعليقات
إرسال تعليق