جدارية مدرسة أثينا: قراءة مختصرة عن عصر النهضة

 



*الكاتبة: فاطمة الشريف*

   المصدر: المكتبة الإنجليزية ومقالات أخرى.

رابط المقال منشور هنا

يتم الاحتفاء بمناسبة يوم اللغة الإنجليزية في الأمم المتحدة سنويا في 23 أبريل، وهو التاريخ الذي يتوافق مع ميلاد وتاريخ وفاة ويليام شكسبير؛ لكونه أشهر كاتب مسرحي في ذلك عصر النهضة، ولأثره الكبير على تطور اللغة الإنجليزية الحديثة، تلك المرحلة الانتقالية بين العصور الوسطى والعصر الحديث، فقد غردّت منظمة اليونسكو عن هذا اليوم قائلة:

“يوم سعيد للغة الإنجليزية!”

نحتفل اليوم بثراء وجمال اللغة الإنجليزية، التي منحت العالم أعمالا أدبية من عظماء أمثال شكسبير، جين أوستن، و توني موريسون، إنها فرصة لتعزيز الانتماء والحب لهذه اللغة عبر استخدامها وسيلة تواصل مع الناس من جميع أنحاء سواء كنا نقرأ رواية كلاسيكية، أو نكتب قصيدة، أو نجري محادثة مع شخص من ثقافة مختلفة،…”

وكما مر بنا في المقالات السابقة فإن النهضة الإنجليزية عبارة عن حركة ثقافية وفنية، بدأت من أوائل القرن السادس عشر إلى أوائل القرن السابع عشر، وهي مرتبطة بعصر النهضة الأوروبية التي ظهرت أولاً في إيطاليا منذ أواخر القرن الرابع عشر ومع سقوط القسطنطينية، حيث رأى العلماء والفنانون الإيطاليون أنفسهم أنهم يستيقظون من جديد لمثُل وإنجازات الثقافة الرومانية الكلاسيكية، واليونانية القديمة سعيا إلى إحياء تلك اللغات والقيم والتقاليد الفكرية لثقافات تلك اللغات، من هنا بدأت أفكار عصر النهضة في الانتشار شمالًا من إيطاليا إلى دول المجاورة مثل فرنسا وألمانيا وإسبانيا وإنجلترا، محدثة تفاعلا ثقافيا ، معيدة اكتشاف النصوص اليونانية والرومانية القديمة بإعتبارهما إرثا وتراثآ، ونموذجا تطبيقيا للنمو الفكري المدني، فظهرت الحركات الفلسفية والإنسانية، والاكتشافات العلمية، ومختلف الابتكارات الفنية والتكنولوجية التي حازت على دعم معنوي ومادي من حكام الدول الأوربية قاطبة، فجاء اختراع الطباعة على يد الألماني يوهانس جتنبيرغ (Johannes Gutenberg) سبيلا لحفظ وتداول ذلك الفكر الذي جلب معه العديد من أنواع التأليف الأدبي في فنون المسرح والشعر والنقد الأدبي والنثر، تجلّت في أعمال الفيلسوف والمفكر بيكون (Francis Bacon) وسيدني (Sir Philip Sidney)، وليام شكسبير (William Shakespeare)، كريستوفر مارلو(Christopher Marlowe) ، السير فيليب سيدني ، بن جونسون ( Ben Jonson)، جون دون (John Donne)، وجون ميلتون (John Milton)، و إدموند سبنسر (Edmund Spenser)كرّس هؤلاء وقتهم وجهدهم في أعمال فكرية وأدبية تتعلق بموضوعات مهتمة بالمسيحية والواقعية والإنسانية التي جعلت عصر النهضة فريدًا من نوعه، حيث كان من من أبرز خصائصه ظهور النزعة الإنسانية لتفسير معني الحياة بالتركيز على الإنسان بإعتباره مركز العالم، وإعطاء روح إنسانية جديدة تتسم بجعل الطبيعة رمزا للكمال والمتعة، وإعطاء الإنسان الحرية في الفكر والإيمان بذاته وكرامته، مما شجع على اكتشاف فكر جديد يضم الإنسان والموجودات حوله، فأزدهرت جوانب الفكر والعلوم والفلسفة والأدب، ومن أبرز موضوعات الأدب: الحب في الشعر الغنائي، والاعتراف بقيمة المرأة ، والطبيعة بعظمتها وكمالها، والميثولوجيا والأساطير اليوناينة.

وعند الحديث عن عصر النهضة لا يمكن أن نتجاهل جدارية مدرسة أثينا (The School of Athens) للفنان والرسام الإيطالي رفائيلو سانزيو(Raffaello Sanzio)، أحد رواد عصر النهضة الأوروبية، التي رسمها في  قصر أبوستوليك في الفاتيكان بين عامي 1509-1510، التي صوّرت لنا مقومات وخصائص ذلك العصر، تعد جدارية مدرسة أثينا  ضمن أربع جداريات جسّدت الفروع الأربعة للمعرفة الإنسانية؛ تلك النزعة التي شكلّت علوم النهضة وحركة الإحياء، وهم : الفلسفة، وعلم اللاهوت، والقانون، والشعر، حوت أهم شخصيات الفكر والفلسفة عبر التاريخ الإنساني: سقراط، أفلاطون، زينون، أرسطو، بارمنيدس، الفيلسوف العربي ابن رشد، هيراقليطس، أبيقور، بطليموس، الأسكندر الأكبر، فيثاغورس، هيباتيا، اقليديس، زرادشت …

أثبت رفائيلو من خلال هذه الجدارية الثرية بالفكر والمعنى أن الفن والتشكيل يصنعان الانسجام والتناغم بترتيب الأشياء المبعثرة في الحقيقة أو الخيال لتهدئة العقل اللحوح في طلب المعرفة، موظفاً قدرة النفس على التعبير عن ذاتها، وما حولها بطريقة بصرية حركية، فهي طريقة مثلى لترجمة الأفكار والمعتقدات والرؤى؛ استطاعت تلك الجدارية أن تبرهن أن الفنون والعلوم الإنسانية وسيلة جادة لصقل تلك القدرة وتنميتها في بناء الشخصية، وصقل النمو الذهني والجمالي، والتفكير الإبداعي، وزيادة التوافق النفسي والمهارات البدنية والحركية.

جدارية مدرسة أثينا (The School of Athens) جسّدت أفكار الفلاسفة، وعلماء الطبيعة، والرياضيات، والمفكرين، والفنانين  في منطقة واحدة لترمز إلى مدرسة أثينا باعتبارها الأولى في الفكرالفلسفي والبحث عن الحكمة، حيث ضمت عظماء الفلسفة أساتذة وطلاب: هرقليطس، سقراط، وأفلاطون، وأرسطو، والأسكندر الأكبر، وابن رشد الذي لفت نظر العالم الغربي إلى أهمية إحياء الموروث لقراءة وتطوير الواقع، والتشجيع لحركة الترجمة للاستفادة من ذلك الموروث، ولعل في هذا اللفتة التشكيلية لابن رشد تذكرنا أن طباعة الكتاب المقدس للملك جيمس خلال عصر النهضة جنبًا إلى جنب مع النصوص الأخرى الحدث الأقوى الذي دام  مدة سبع سنوات لحين الانتهاء من الترجمة عام 1611.

 ومن جماليات الجدارية : حركة  الشخصيات مثل: جلوس الفيلسوف ديوجين الكلبي (Diogenes of Sinope) في وسط الجدارية الذي يعكس بساطة الحياة والزهد في مظاهرها والاقتراب من الطبيعة، وقوف أفلاطون وارسطو في المنتصف بحكم أنهما الأساس للفكر الفلسفي، وجعل إشارة اليدين  لهما في اختصار منهج كل من أفلاطون الذي بحث في الأفكاروالروح  حاملا كتاب (Timaeus)، وأرسطو الذي بحث في الطبيعة، وحاملا كتابه الأخلاق (Nicomachean Ethics)، وتعد مجاورة كل من بارمينيدس وهرقليطس لبعضهما باعتبار أنهما من مؤسسي علم الوجود، ولعل هذه الشخصيات العملاقة تذكرنا بالمفكر الإنجليزي توماس مور (Thomas More) وكتابه ( Utopia)، والمفكر والفيلسوف الإنجليزي فرانسس بيكون (Francis Bacon)، أب المدرسة التجريبية ورائد  الملاحظة الواقعية،  وكتابه الفلسفي التجديد العظيم (Great Instauration).

ومن جماليات الجدارية إتقان رسم الشكل البشري الواقعي، وإتقان لغة جسد الشخصيات متجلياً ذلك في رسم كل من: فيثاغورس (Pythagoras) جالساً حاملا كتابة، وأرخميدس (Archimedes) محاطا بتلامذة حاملا فرجارا، وهيباتيا (Hypatia) المرأة الوحيدة الموجودة، تخصصت في الفلسفة الأفلاطونية، وعلم الفلك، والرياضيات، لنتذكر هنا العالم إسحاق نيوتن الذي بدأ تألقه في علم التفاضل والتكامل في نهاية عصر النهضة، ورفائيلو (Raphael) نفسه بإعتبار أن الفنان عليه مصاحبة المفكرين والفلاسفة والعلماء لكي يسمو بفكره وفنه، بالفعل إنها لوحة أيقونية تعد رمزًا لعصر النهضة الأوربية حيث استقى الجميع من علوم تلك المدرسة، وهي دعوة إلى أهمية مزاوجة الفن والفلسفة والعلم للتطوير والنهوض الإنساني.

 كان الأدب والموسيقى هما المهيمنين في عصر النهضة الإنجليزية، ومع ذلك برز البعض في الفن البصري أمثال: رسام البورتريه هانز هولباين (Hans Holbein) ، وإسحاق أوليفر(Isaac Oliver)و نيكولاس هيليارد (Nicolas Hilliard) رسامو فن المنمنمات الشخصية، ومن أبرز الموسيقيين: جون دولاند (John Dowland) ،و توماس تالس (Thomas Tallis) ،و توماس مورلي (Thomas Morley).

تميز عصر إليزابيث بازدهار ثقافي في جميع مجالات المعرفة الإنسانية مثل الأدب والفلسفة والعلوم والفن والموسيقى، إلا أن مجده يكمن في الأدب وفنونه تحديدا مثل أعمال ويليام شكسبير المسرحية (1564-1616) ، وقصائد إدموند سبنسر الشعرية (1552-1599) ، وكتابات فرانسيس بيكون الفلسفية (1561-1626) ، وآخرين ممن طوروا اللغة الإنجليزية لأجيال العصر الحديث.

شخصيات الجدارية مفصلة
















يوجد في اللوحة عالم مسلم. من هو؟ ولماذا هو هنا؟ وكيف نحلل البوتريه الخاص به؟ 




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

(12) مجالا لخطة 2024

قانون كونفوشيوس – قانون الغربنة في التدريب

كساء التوبة الضافي ... تأملات

مزاج البسطاء

تقنية السكينة السريعة للبروفيسور عبدالله العبدالقادر (Quick Coherence Technique )

قراءة فنية لجدارية كيث هارينغ